من "الكبتاجون" لـ"الحشيش".. دخان داعش الأزرق يحرق أوروبا

العدد الأسبوعي

سيف الدين رزقي
سيف الدين رزقي


ذئاب التنظيم يغزون أورلى وباريس وبرلين تحت تأثير "مخدر الجهاديين"


«سامحنى يا أبى لقد ارتكبت حماقة».. كانت المكالمة الصباحية الأخيرة بين التونسى زياد بن بلقاسم ووالده.. فصلت بين عمليتين إرهابيتين شهدتهما فرنسا السبت الماضى.. بفارق ساعتين فقط بينهما.

العمليتان بدأهما بلقاسم بإطلاق النار على شرطيين قاما بتوقيفه فى نقطة شرطة شمال باريس، وذلك قبل أن يخطو إلى المشهد الدامى والأخيرله فى مطار أورلى، حيث حاول اختطاف السلاح من إحدى المجندات بالمطار، وهو يهتف: «ألقوا أسلحتكم وضعوا أيديكم فوق رءوسكم..أنا هنا للموت فى سبيل الله..سيسقط قتلى على أية حال»، عندما سقط بدوره صريعاً برصاص اثنين من أفراد الأمن.

كانت تصريحات والد بلقاسم لوسائل الإعلام محددة..«ابنى ليس إرهابياً أو يحمل أيديولوجيا حقيقة، ولم يكن حتى يصلى، لكنه ارتكب جريمته تحت تأثير إدمان المخدرات»!، أما المفاجأة الحقيقية، فكانت خروج تقارير الطب الشرعى لإرهابى مطار أورلى مطابقة بالفعل لتوقعات الأب، وأن التحاليل التى أجريت الأحد أظهرت أن مستوى الكحول يبلغ 0،93 جرام لكل لتر فى دم بلقاسم، مع وجود «أثر» للقنب والكوكايين».

وهو نفس ما حدث تقريباً فى حالة الإرهابى التونسى أيضاً أنيس العامرى، منفذ حادث الدهس فى سوق الكريسماس فى العاصمة الألمانية برلين، وقد ثبت عند تشريح جثته أنه تعاطى الحشيش والكوكايين قبل تنفيذ الهجوم الذى أسفر عن مقتل 12 وإصابة العشرات.

سبق وأن تم العثور أيضاً على كمية من المخدرات بعد تفتيش الشقة التى كان يقيم فيها منفذى هجمات باريس الدامية نوفمبر2015، كما ثبت أن الانتحاريين والمنفذين، قد تناولوا المخدرات بالفعل قبل تنفيذ العملية، وبحسب التحقيقات الفرنسية، فإن صلاح عبدالسلام مسئول الدعم اللوجيستى لهجمات باريس، وشقيقه إبراهيم عبدالسلام «أحد الانتحاريين فى الهجمات»، كانا من متعاطى المخدرات، بل والمتاجرين فيها أيضا، وأنهما كانا يمتلكان «بار» سبق وأن قامت الشرطة بإغلاقه لأنه مكان لترويج وبيع المخدرات. فيما كشفت زوجة إبراهيم عبدالسلام الذى مازح رواد مطعم بوليفار فولتير قبل أن يفجر نفسه فيهم، أنه «كان يدخن الحشيش بشراهة ويدخن من ثلاث إلى أربع لفافات ماريجوانا يومياً وأنه كان ملازماً لتناول البيرة والفودكا».

تلك النماذج السابقة للجيل الجديد من الإرهابيين الدواعش فى أوروبا، وفى النمط الجديد من تعاطى المخدرات قبل تنفيذالعمليات، هو بالقطع نتاج بديهى، للظاهرة التى استحدثها داعش أيضاً، فى التركيز على التجنيد داخل السجون الأوروبية ومن أوساط المدمنين وأصحاب السوابق، علمأً بأنهم جميعأ يمتلكون سجلاً لا يستهان به فى جرائم التعاطى والإتجار فى المخدرات، والسطو السلح.

فى ذلك السياق، ووفقا لدراسة للباحث بول كان، نشرها فى مركز on the rock المتخصص فى الشئون الخارجية والأمنية، يظهر دور المغربى خالد كارزانى «بابا نويل» الجريمة والإرهاب فى بلجيكا، حيث كان يمثل حلقة الوصل شديدة الخطورة بين عالم الجريمة المنظمة بأفراد عصابته، وبين عالم الإرهاب بدوره الأخطر الذى كان يمارسه فى تجنيد الشباب وتسفيرهم إلى معاقل داعش فى سوريا والعراق، وكان أبرز من جندهم عبد الحميد أباعود، العقل المدبر لهجمات باريس، ومسئول الاتصال لتنظيم داعش فى أوروبا.

على نفس نمط النماذج السابقة من «الإرهابيين المدمنين»، فى أوروبا يظهر كذلك فى تونس، الإرهابى سيف الدين رزقى والذى ارتكب مذبحته وقتل وذبح العشرات من الضحايا على شواطئ مدينة سوسة وهو يضحك تحت تأثير الكوكايين وحبوب الكبتاجون.

نفس الوضع فى حالة انتحارى الحرم المدنى، نائر مسلم النجيدى، وهو من أصحاب السوابق فى التعاطى، وكذلك مواطنيه من الإرهابيين السعوديين، فرج يسلم الصريعى منفذ تفجير«الوديعة»، ومفيد عمران المتورط فى عدة هجمات على قوات الأمن بـ«القطيف»، ويوسف الغامدى الذى قتل فى تبادل إطلاق نار مع الأمن فى 2015، وكلاهما تم العثور على مخدرات بحوزته، علاوة على الانتحارى الداعشى الذى نفذ عملية تفجير مسجد الإمام الصادق الشهيرة فى الكويت، وقد عثر فى أشلائه على مادة «الشبو الكريستال ميث».

يبدو جلياً إذن أن العلاقة القوية بين الجماعات الإرهابية المسلحة وبين عالم الجريمة المنظمة، قد انتقلت من مرحلة استغلال الإتجار فى المخدرات بغرض التمويل كمرحلة تالية لتهريب النفط والإتجار فى البشر وفرض الجزية والضرائب فى المناطق التى يسيطر عليها «داعش»، إلى مرحلة الاعتماد على المخدرات كشريك أساسى فى تنفيذ العمليات الإرهابية أيضاً.

صحيح أن تعاطى الإرهابيين للمخدرات ظهر قبل «داعش»، وقد ثبت ذلك فى تفجيرات بومباى 2008، وفى عملية شهيرة للهجوم على إحدى المدارس فى الشيشان، كما أن العلاقة بين الجهاديين وتعاطى المخدرات قديمة، منذ الحرب فى أفغانستان حين لجأت الفصائل الأفغانية لتعاطى الحشيش أثناء قتالهم ضد الروس، بالإضافة إلى ما تم تداوله أيضاً من تناول تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين للمخدرات فى عهد أبو مصعب الزرقاوى، حيث زعم العسكريون الأمريكيون العثور عليها فى مخابئ أعضاء التنظيم، إضافة إلى اعتياد مقاتلى تنظيم «القاعدة» فى اليمن على تناول مخدر«القات» قبل المواجهات.

غير أن داعش ارتكز على تعاطى المخدرات كاستراتيجية ثابتة، وضرورة حتمية، وكإحدى أدوات الصراع التى يمتلكها، بل ومع تعاطى مقاتليه للحشيش والكوكايين، اعتمد أيضاً أقراص «الكبتاجون» تحديداً، كمخدر رسمى للتنظيم، حتى أطلق عليه «مخدر الجهاديين»، وقد تم اكتشاف «الكبتاجون» فى أوروبا فى الستينيات، ثم تم حظره فى الثمانينيات، بعد اكتشاف خصائصه «الإدمانية»، حيث أطلق عليه «جرعة الرعب».

لكن داعش، تولى عملية تصنيع تلك الحبوب السهلة ورخيصة التكاليف، ذاتياً فى سوريا، عبر كيميائيى التنظيم، وشيد مصانع مخصوصة لذلك، فيما يعتبر ذلك مصدر تمويل بالملايين، لشراء السلاح للتنظيم، الذى يقدم أيضاً حبوب «الكبتاجون» لعناصره قبل الدفع بهم إلى جبهات القتال وقبل تنفيذ الهجمات والعمليات الانتحارية، فى الوقت الذى يقدم فيها مصوغات شرعية جاهزة، لاستخدامه وغيره من المخدرات، كأحد أدوات القتال المشروعة لتحقيق أهداف التنظيم و«الخلافة».

«الكبتاجون» يزيد من قدرات الفرد، ويمنح المقاتلين شعوراً بالنشوة والقوة والشجاعة والمواجهة، فيما يساعد كذلك على استيقاظهم لعدة أيام متواصلة، ويقلل شعورهم بالجوع ويمنع شعورهم بالألم، ما يضمن استمرارهم فى القتال رغم إصابتهم البالغة، وقد سبق واستخدمته عناصر «القاعدة» فى معركة «الفلوجة» 2003، لدرجة أن الجيش الأمريكى أمر بالتصويب على الرأس مباشرة.

ويعتبر الكثير من الأطباء والمتخصصين أيضاً، أن «الكبتاجون» سر من أسرار شراسة ودموية مقاتلى داعش، وإقدامهم بسهولة على القتل والحرق وجز الرءوس والاغتصاب بلا رحمة، حيث تؤكد شهادات بعض الناجيات الأيزيديات أن عناصر التنظيم عادة ما كانوا يقيمون الحفلات الجماعية لتعاطى المخدرات قبل تنفيذ إعدامات الرجال من السكان المحليين واغتصاب النساء.

وفى ذلك السياق، يرى الدكتور هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، أن داعش باستخدام «الكبتاجون» وغيره من أنواع المخدرات، يسعى إلى التحكم فى غرائز العنف لدى عناصره وتغذيتها، وكذلك يسعى إلى إحكام السيطرة عليهم والتحكم فيهم بشكل أكبر وتغذية أفكار بعينها لديهم، بعد إتمام عملية التجنيد الأيديولوجى، حيث تساعد تلك العقاقير على تضخيم الأفكار المزروعة فيهم، وتحويل عناصر التنظيم إلى أدوات قتل مسلوبة الإرادة.

وعلى ذلك، فإن أمراء التنظيم، عادةً ما يصدرون أوامرهم للأعضاء بتعاطى «الكبتاجون» قبل المواجهات، وتقدمه كمكافأة للمقاتلين الأشرس فى التنظيم، وفى المقابل عادة ما يتم تداول أنباء عن تنفيذ التنظيم لعمليات إعدام للأعضاء الذين يتعاطون المخدرات بدون إذن منه.

علماً بأن حبوب «الكبتاجون» وغيره من المخدرات، قد تحولت إلى إحدى وسائل التجنيد لدى داعش الذى أصبح يستهدف تجنيد المدمنين أصحاب السوابق الجنائية، كأداة مهمة من أدوات الصراع، واستغلال حالة الإحباط والضياع والشعور بالتهميش فى مجتمعاتهم، ويسعون للانتقام منها.

كما يستخدم داعش أيضا «جرعة الرعب» عند الدفع بالأطفال والمراهقين للمواجهات كما يحدث فى معركة الموصل، وقبل إسناد مهمة إعدام الرهائن والجواسيس لهم كما يظهر فى الفيديوهات الدعائية للتنظيم، فيما يلجأ بوكو حرام، أحد أشرس فروع داعش وأكثرها دموية، إلى نفس الاستراتيجية مع الفتيات من الأطفال والمراهقات بحقنهن بالمخدرات، أو إعطائهن حبوب «الكبتاجون» قبل الدفع بهن لتنفيذ العمليات الانتحارية.

فيما يظهر أيضاً بقوة تعاطى الجماعات الإرهابية المسلحة فى مالى للمخدرات، «اتحدت مؤخراً فى تنظيم واحد وبايعت القاعدة»، حيث تسيطر تلك الجماعات على مساحات شاسعة من مناطق زراعة وتجارة الكوكايين وتصديره إلى أوروبا.