مديحة عاشور تكتب: السينما عندما تفقد دورها التوعوي وتبحث فقط عن الفضائح

الفجر الفني

مديحة عاشور
مديحة عاشور


تأتى أهمية السينما في المجتمع لكونها تستطيع تناول مشكلات المجتمع وهموم وقضايا الإنسان، ليست فقط عرضا أو محاكاة للواقع بل محاولة للتغير للأفضل دائما، كما أن للسينما لها دورها المهم فى التثقيف والتوعية.

 

قديما تناولت السينما المصرية ملف اليتم، ومعاناته بعكس صورته فى المجتمع، والمشكلات التى يتعرض لها من ظلم، فى محاولة لنبذ كل محاولات القهر التى تفرض على اليتيم، ففي فيلم "اليتيمتين" عام 1948، كانت فاتن حمامة تؤدى دور فتاة ضريرة ليس لها سوى أختها التى تفصلها الظروف القهرية عنها وخلال أحداث الفيلم رأينا كم تعانى اليتيمة المعاقة قسوة المجتمع.

 

 أيضا عانت الطفلة المعجزة فيروز فى فيلمى "ياسمين" و"الحرمان" من اليتم المعنوي وهو الحرمان من الأبوين رغم كونهما على قيد الحياة، وواجهت قسوة الحياة والناس فى صورة درامية مؤلمة، كما رأينا في فيلم "جعلونى مجرما" عام 1954، سلطان اليتيم الذى دخل الإصلاحية بعد وفاة أبيه واستيلاء عمه على ميراثه، وعندما كبر سلطان يلتقى بطفل صغير بين أفراد العصابة التى تضم الكثير من الأطفال اليتامى، ويحاول إنقاذه من مصير مظلم.

 

وعبر فيلم "أربع بنات وضابط" لأنور وجدى 1954 عن هذه الأزمة أيضا، وفى الملجأ نرى الكثيرات من بنات يتيمات يتقبلن القسوة وطغيان المشرفة، ويركز الفيلم على أربع يتيمات يهربن من الإصلاحية ويعملن فى الشوارع، وقدم أيضا "سيف الدين شوكت" قصة ثلاث بنات يهربن إلى الشارع بسبب الخلافات بين الأبوين، وفى فيلم "عصافير الجنة" البنات اللاتي شعرن باليتم رغم وجود الأب ووجود الأم.

 

وكثير من أفلام كلاسيكيات السينما المصرية تناولت هذا الملف الهام وحملت بعض الأفلام مشتقات كلمة اليتم عنوانا لها، لأن صناع السينما فى ذلك الوقت أدركوا الدور الإصلاحي للسينما، وآمنوا برسالة الفن فى التوعية والتربية.

 

فى العقود  الحديثة بدأ دور السينما يتراجع فى تناول مثل هذه القضايا فبدأت السينما تتحدث عن أطفال آخرين يعيشون فى أسر ميسورة الحال وبدا كأن مصر قد خلت تقريبا من اليتامى، وتراجعت السينما كثيرا عن دورها فى تقديم مشكلة اليتيم وأزمته مع المجتمع، تجاهلت  السينما آلام وأوجاع اليتم، إلا فى ما قدمه المخرج خالد يوسف من أفلام مثل "حين ميسرة" الذى تناول سكان العشوائيات، فرأينا أطفالا مشردين أقرب إلى اليتامى لا يعرفون أين أبائهم الحقيقيين رغم أن هؤلاء الآباء على قيد الحياة، وقد يكونون على مسافة أمتار منهم، وقد عكس يوسف فى أفلامه صورة قاسية قبيحة لواقع أشد قبحا وقسوة، يلقى بهؤلاء الأطفال إلى مستقبل مجهول، ليكونوا بمثابة قنابل موقوتة تؤذى نفسها ولا ينجو المجتمع كله من هذا الأذى، لأنه تجاهل مشكلة هؤلاء الأطفال لسنوات طويلة.

 

 لكن رغم ذلك ظل ملف اليتم مغلقا لا يتناول على شاشة السينما رغم امتلاء واقعنا بمشكلات الأيتام المعنوية والمادية ورغم المشكلات التى تواجهها دور رعاية اليتيم والمشكلات التى يواجهها اليتيم داخل دور الرعاية.

 

الملف خطير وملئ بالدراما التى تستطيع أن تنطلق منها مئات القصص، والمجتمع بحاجة إلى فتح هذا الملف سينمائيا، فمتى تعود السينما إلى ممارسة دورها المجتمعى فى أن تكون مرآة للواقع، وأن تطرح المشكلة وتحاول أن تجد لها الحلول الممكنة.