منال لاشين تكتب: لعنة التعويم

مقالات الرأي



■ انخفاض معدل التضخم لا يؤدى إلى انخفاض الأسعار لكنه يعنى أن موجة الغلاء أقل وطأة

■ صدمة التعويم تحتاج من عام إلى عامين حتي تستقر الاسعار

صندوق النقد يتحدى طارق عامر.. موجة غلاء فى الغذاء ومواد البناء والسيارات والملابس والعقارات


لا أدرى إذا كان العنوان صحيحا أم لا، لا أدرى إذا كان محافظ البنك المركزى طارق عامر يتحدى التقارير الدولية أم أن تقرير البنك الدولى والصندوق هو الذى يتحدى تصريحات محافظ البنك المركزى. فى الحقيقة قد لا يهتم المواطن أو القارئ بمن يتحدى من. ما يهم القارئ هو الأسعار أو بالأحرى ارتفاع الأسعار الذى بدأ جنونه منذ تعويم الجنيه.


1- لغز التضخم

من أشهر تصريحات محافظ البنك المركزى طارق عامر وأكثرها تكرارًا فى الأسابيع الأخيرة أن الأسعار ستنخفض، واعتمد المحافظ وبعض المحللين والصحفيين على التضخم كمؤشر لصحة تصريحات المحافظ، أو بالأحرى توقعاته، وبالفعل انخفض معدل التضخم الشهرى الأخير بنسبة 1% تقريبا، ولكن انخفاض التضخم بهذه النسبة ولا بعشرة أمثالها يؤدى إلى انخفاض الأسعار فى الأسواق. الأكل والشرب ومواد البناء والعقارات والملابس والأحذية وغيرها من مستلزمات المواطن فى حياته اليومية.

ببساطة ودون دخول فى تعقيدات فنية فإن معدل التضخم يقيس مستوى الارتفاع فى الأسعار، وليس الأسعار نفسها، ولذلك فإن انخفاض التضخم بنسب صغيرة ومتدنية مثلما حدث فى الشهر الماضى والأشهر القادمة- بحسب التوقعات- سيؤدى إلى استمرار ارتفاع الأسعار، وبحسب الخبراء والتقرير السنوى لكل من صندوق النقد والبنك الدوليين. فى التقريرين فإن متوسط التضخم السنوى سيصل إلى 27% وهى نسبة مرتفعة. هذه النسبة تؤدى إلى أن موجة ارتفاع الأسعار مستمرة لنهاية العام، وأن ارتفاع الأسعار مستمر لكن كل ما فى الأمر أن زيادة الأسعار ستكون أقل وطأة من الموجات الأولى التى بدأت مع قرار التعويم.

ولذلك فإن تبشير المواطن بانخفاض الأسعار يخالف التوقعات الدولية والمحلية على حد سواء، وبالتأكيد يعلم محافظ البنك المركزى الفارق بين انخفاض التضخم وانخفاض الأسعار جيداً، وربما يتوقع طارق عامر أن تنخفض الأسعار لكن هذا الانخفاض ليس فى المدى القصير ولا المتوسط.

وحتى لا تروج حكومة أو خبراء أو مصرفيون لقصة انخفاض الأسعار وحكاية صدمة التعويم أو انتهاء صدمة التعويم.

فقد تم التعويم فى 3 نوفمبر، ولذلك لم أفهم التفاؤل الذى يتملك البعض بأن صدمة التعويم انتهت.لأن صدمة التعويم فى معظم تجارب الدول التى سبقتنا فى هذا القرار تتراوح ما بين عام وعامين، ونادرا جدا ما انخفضت هذه الفترة إلى 6 أو 8 اشهر، ولذلك من بديهيات التعويم أن تظل الأسعار مرتفعة وتضرب موجات غلاء الأسواق ثم تبدأ فى طريقها للاستقرار بعد عام على الأقل. أى أن الحديث عن بدء انتهاء موجات غلاء الأسعار فى شهر أكتوبر القادم، وهذا الموعد به قدر هائل من التفاؤل، لأن الاقتصاد المصرى حتى الآن لم يحقق دفعة قوية فى المجالات الحقيقية فى الاقتصاد، مثل التصدير الاستثمار والصناعة والسياحة.

ولذلك فإن صدمة التعويم قد تستمر إلى أكثر من عام فى مصر، على ما أظن ومن ثم فغلاء الأسعار مستمر معنا وسيرافقنا إلى فترة طويلة مع انخفاض معدلات زيادة الأسعار.


2- تحدى التضخم

لكن هذه الحقائق والأرقام لا تعنى الاستسلام لها، سواء من جانب الحكومة أو المركزى، ولا يجب الارتكان إلى التوقعات الوردية أو دعوة الناس للصبر، فموجة الغلاء الجديدة وإن كانت أقل وطأة، إلا أنها تأتى فى مناخ مشحون بالغضب والتعب معا، لأن ارتفاعات الأسعار فى الفترة السابقة فاقت كل التوقعات والحسابات والاحتمالات أيضا.

ولذلك فإن أول مهمة للحكومة والمركزى هى السيطرة على ارتفاعات الأسعار فى الأسواق، والتأكد أن الارتفاع فى الأسعار نتيجة للتعويم، وليس للاحتكارات وجشع التجار، وأن تنجح الحكومة ووزارة التموين فى ضبط الأسعار خاصة أن السوق تستعد لاستقبال علاوة الغلاء الممنوحة للموظفين بزيادة أخرى فى الأسعار، ومن ناحية أخرى فإن زيادة رسوم أكثر من 25 خدمة ستزيد أسعارها بدءاً من شهر يوليو، بداية الموازنة الجديدة، ما يمثل عبئا جديدا يضاف على الأعباء الثقيلة المتزايدة على المواطنين.

وعلى الرغم من خطورة مراقبة الأسعار والأسواق، وعلى الرغم من أهمية مكافحة الاحتكار.. رغم هذا وذاك فإننا فى حاجة إلى دفع عجلة الاقتصاد الحقيقى.جذب استثمارات أجنبية مباشرة، ورفع عائدات كل من التصدير والسياحة، لأن هذه الثلاثية ستؤدى إلى توفير الدولار ومن ثم انخفاض سعره، ومع انخفاض سعر الدولار ستبدأ صدمة التعويم فى الانتهاء. دون انخفاض حقيقى فى سعر الدولار بموجب العرض والطلب فإن أى حديث عن انتهاء الصدمة غير عملى ولا علمى ومجرد أمنيات.

ولذلك دون أن ينهض الاقتصاد الحقيقى وتتعافى الصناعة ويزيد الاستثمار لن تنخفض الأسعار إلا فى تصريحات المسئولين فقط، ولذلك فإن مسئولية انتهاء موجات زيادة الأسعار تنقسم ما بين المركزى والحكومة معاً، ودور الحكومة الآن أضخم وأكبر، فمسئولية الحكومة عن النهوض بالاقتصاد الحقيقى أكبر من المركزى.لن تنتهى معاناة الناس مع الأسعار والحياة دون جهد على الأرض.. جهد لإنعاش الصناعة والمصانع المتعثرة التى لا نعرف حتى الآن عددها.. جهد فى جذب استثمار حقيقى مباشر يدخل للخزانة العامة دولارات ولا يحصل من بنوكنا على قروض لإقامة المشروعات.جهد حقيقى لإعادة السياحة ومواردها وإنهاء معوقات التصدير. كررت كلمة حقيقى كثيرًا، لأن الحكومة مشغولة الآن ببذل كل جهد فى إعلانات الحق فى المعرفة والإنجازات التى تمت وتعريف الناس بأهمية الاستثمار. بدلا من هذه الإعلانات لماذا لا تشغل الحكومة نفسها بجهد حقيقى على الأرض ينهى أزمة التعويم والتضخم والأسعار ومعاناة الملايين من المصريين؟!