زوزو نبيل.. "شهرزاد السينما" التي أجبرها الموت على اتخاذ قرار الاعتزال

الفجر الفني

زوزو نبيل
زوزو نبيل


"أكتر من خمسين سنة شغل، عرفت كتير، شفت كتير، جمهور، تصفيق، أضواء، برافو يا زوزو، يوسف وهبي، أحمد علام، علوية جميل، أم كلثوم، أمينة رزق، فتوح نشاطي، وكل الدنيا حبت صوتي، وأنا حبيت راجل واحد بس، وإتحرق قلبي بدري، وخلاص، الدنيا جريت، وكل حاجة راحت، البنت الحلوة عجزت، أدوية دكاترة الصحة بتتسرق مني، بس أنا مش زعلانة، لأني بحبكم وبحب فني، وعملت كل اللي أقدر عليه"، هذه كانت كلمات "شهرزاد" زوزو نبيل، كتبتها بنفسها في مذكراتها الخاصة.

 

ولدت زوزو نبيل في اليوم السادس من الشهر السابع من عام 1920م ، ولدت عزيزة إمام ، الإسم الحقيقي لها ، بحي السيدة زينب ، وعندما بلغت العاشرة ذهبت إلي نادي أبو سريع الرياضي ، لتمارس أغرب رياضة من الممكن لفتاة أن تمارسها ، رياضة رفع الأثقال ، وكانت الصدمة الأولي لها عندما توفي شقيقها الكبير بالحمي الشوكية ، وجلست تتذكر ذكرياتها معه وهي لا تصدق أنه لن يعود مرة أخري ، وبعد شهور قليلة كانت الصدمة الثانية وهي وفاة والدها نفسه ، إمام ، دون مرض أوأي شئ ، سوى إرادة الله.

 

ومن شدة خوف الأم علي إبنتها عزيزة قررت أن تزوجها وهي في الثالثة عشر من عمرها ، من شاب سوداني الأب والأم ولكنه ولد وعاش بالقاهرة ، والغريب أنها قد عاشت في منزل كبير بعد زواجها أمام سجن طره مباشرة ، فقد كان والد زوجها يعمل مأموراً لسجن طره ، حتي أنجبت من زوجها طفلاً أسمته نبيل ، ثم مات زوجها وهي في السابعة عشر من عمرها ، وعادت هي إلي منزل والدتها مرة أخري ، فماذا تفعل بعد ذلك ، وهي وحيدة بلا أي شئ يذكر.

 

ولكن الصدفة لعبت دورها معها ، فقد كانت أمينة رزق جارتها بالسيدة زينب ، التي عرفتها بالراقصة الشهيرة أمينة محمد،خالة أمينة رزق ، والتي ما أن شاهدتها حتي قالت لها ، بنظرة فاحصة ثاقبة أدهشت عزيزة ، عرى يا بت فستانك عايزة أشوف رجلك حلوة ولا وحشة ، دهشت زوزو وقالت في سرها لنفسها ، إذا كانت السيقان هي مؤهلاتي ، فمن الأفضل أن أجلس في منزلي وأربي إبني نبيل ، ونظرت إلي أمينة رزق وهربت للخارج دون أن تتحدث بكلمة واحدة.

 

وقد حكت لصديقتها الأنتيم ، سنية ، ابنة صاحب العمارة ، ما حدث وهما يسيران في شوارع عماد الدين يتناولان الأيس كريم ، وظلت سنية تضحك علي ما سمعته منها ، واقتربت فجأة عزيزة من بوسترات لأحد الأفلام وهي شاردة ، وفجأة أقترب منها رجل قائلاً لها بصوت رقيق ، بتتفرجي علي إيه يا حلوة ، إنتي عاوزة تمثلي ، فإرتبكت بشدة ثم علق لها قائلاً ، ماتخافيش ، أنا أسمى مختار عثمان، صاحب فرقة مسرحية، تحبي تشتغلي معانا ممثلة، ووافقت علي الفور عزيزة ، خاصة بعدما عرفت أنها ستتقاضي ستة جنيهات مرة واحدة.

 

وشاركت في أول رواية لها بفرقة مختار عثمان ، بعنوان ، المرحوم ، ولكن شاء القدر أن يفلس صاحب الفرقة ويضطر أن يغلق مسرحه ، وهنا حزنت عزيزة من سوء حظها وقبل أن تخرج من المسرح فاجأها مختار عثمان بأن يوسف بك وهبي معجب بها للغاية، ويريدها أن تعمل معه، ووافقت عزيزة علي الفور غير مصدقة بأنها ستعمل في فرقة يوسف بك وهبي مرة واحدة  ، بعدما تخيلت أنها ستعود للمنزل ، وقرر يوسف أن تجلس عزيزة فترة في الكواليس حتي تتعلم ما يحدث قبل ظهورها علي المسرح .

 

حتى حدث ذات مرة أن مرضت واحدة من بطلات الفرقة ، ولم تستطع الحضور ، فما من يوسف وهبي إلا أن قال لعزيزة ، غيري هدومك يومك النهاردة يا عزيزة ، وكانت هذه اللحظة أصعب لحظات في حياة زوزو نبيل ، حتي سمعت من يصرخ من خلف الكواليس ، إجهزي يا زوزو ، بعد خمس دقائق تكوني علي المسرح ، وكانت البداية عن طريق الصدفة التي تغير مجرى الحياة للبشر.؟

 

وهكذا لعبت الصدفة هذا الدور مع زوزو ، من الدار للنار، من الكمبوشة بكواليس المسرح ، إلي الوقوف أمام يوسف وهبي ، ووقفت بالفعل وتألقت ، وشاهدت الإعجاب في عيون يوسف وهبى ، ونجحت زوزو في أول إختبار حقيقى لها ، وإستمرت في عملها بالمسرح من رواية إلى أخري ، في أدوار هامة مثل دور الكسيح في راسبوتين ، والموهوبة وكرسي الإعتراف.

 

ثم لعبت الصدفة دوراً جديداً في حياة زوزو، وتعرفت بالفنان محمد توفيق، الذي قدم لها بطولة سهرة إذاعية بإسم وفاء وحب ، وقامت فيها بتمثيل شخصيتان ، وتألقت وصفق لها جميع من كانوا في الأستوديو، وكان أجرها عن الدور خمسين قرشاً، واستمرت في الإذاعة التي أحبتها بجوار المسرح حتي جاء محمد محمود شعبان ، وطلبها لتقوم بدور شهر زاد في مسلسل كتبه طاهر أبو فاشا ، عام 1955م ، ووقفت زوزو أمام الميكروفون ولم تكن تدرى أنها تؤرخ لعملاً من أهم أعمالها التي ميزها ، ألف ليلة وليلة ، وقالت بكل ثقة ، بلغني أيها الملك السعيد ، ذو الرأي الرشيد، وصارت ملكة الميكروفون، وأصبحت أجمل شهرزاد.

واستمرت في عطائها الفني ، حتى توفيت في 3 مايو من عام 1996، وقد كان مشوار زوزو نبيل مشواراً كبيراً، في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، منذ عام 1937 علي الشاشة وحتي عام 1996، من أول أفلامها عام 1937 وهو  فيلم وراء الستار، للمخرج كمال سليم وحتى أخر أفلامها عام 1996م صنع في مصر للمخرج عصام الشماع.

 

وكذلك قدمت للتلفزيون مجموعة ناجحة ومتميزة من المسلسلات ، منها عائلة شلش ،  ورحلة المليون وأعمال أخري كثيرة ومتعددة ، وللإذاعة العديد من المسلسلات الإذاعية والمسلسلات وعلي رأسها رائعة ألف ليلة وليلة الشهيرة ، وقد حصلت زوزو نبيل علي العديد من الجوائز وشهادات التقدير، كانت أهم جوائزها كما كانت تقول دائماً،حب الجمهور، فهو أهم شيء يحصل عليه الفنان في حياته.

 

زوزو مثلت لآخر أيامها، حتى أنها لم تتمكن من حضور افتتاح آخر أفلامها "المرأة والساطور" بسبب وفاتها عام 1996.. كانت ترفض بشدة فكرة الاعتزال، لأنها كانت ترى أن الفنان الحقيقي لا يعتزل إلا عندما يموت.

 

عشق زوزو نبيل للتمثيل والفن جعلها تغضب بشده عندما انتشرت شائعة تفيد باعتزالها عام 1989، لبلوغها سن الخامسة والسبعين، فعلقت على هذه الشائعة قائلة: "أنا الآن في الخامسة والسبعين، والتمثيل يجعلني على الأقل أصغر بعشر سنوات، وإذا اعتزلت التمثيل سأكبر عشر سنوات فأكيد سأختار أن أصبح في الخامسة والستين بدلاً من الخامسة والثمانين".

 

الصخب الذي أحاط حياة زوزو الفنية غطى على حياتها الشخصية، ولم يتهم الكثيرون بالتعرف على "عزيزة إمام حسين" الإنسانة.. فهي تلك الفتاة التي وُلدت في 6 يوليو عام 1920 بالمنوفية، وعندما أحست بموهبة التمثيل فيها، وأرادت احتراف الفن، عارضتها والدتها بشدة، ووافقت بعد بكاء وتوسل زوزو على دخولها عالم الفن، بعد أن أقسمت أن تصبح مثالاً للشرف والاستقامة وهو ما حافظت عليه عزيزة طول مشوارها الفني.

 

زوزو تزوجت مرتين، الزوج الأول هو سامي عاشور، والذي توفى بعد فترة زواج قصيرة، أثمرت عن وحيدها نبيل الذي عمل ضابطاً بالجيش المصري، أما الزوج الثاني فقد شغل منصب وكيل وزاره.

 

الغريب أن زوزو وافقت على انتقال زوجها الثاني برفقة زوجته الأولى وأولاده إلى منزلها، ليعيشوا كأسرة واحدة في منزل الفنانة، وعلى غير العادة، فقد كانت علاقة زوزو بضرتها علاقة قوية بعيدة عن الغيرة والكراهية.

 

الممثلة القديرة جمعتها علاقة صداقة رائعة بضرتها، حتى أنها كانت تتباهى بها، وترى أنها "شقيقتها"، إلى الحد الذي دفعها لزواج ابنها الوحيد من ابنة ضرتها، وقد أثمر هذا الزواج عن ثلاث أحفاد لزوزو.

 

زوج زوزو الثاني توفى عام 1980، ولكنها ظلت على علاقة طيبة بضرتها، واستمرت صداقتهما حتى النهاية، ولكن المحزن أنها فقدت نبيل ابنها الوحيد عام 1973، حيث استشهد في حرب أكتوبر المجيدة.

 

فراق زوزو للعالم في 3 مايو عام 1996 أبكى الملايين من عشاقها في الوسط الفني والجمهور العربي كله، إلا أنها ستظل في عقل ووجدان كل مصري وعربي كفنانة قديرة حافظت على احترامها لنفسها ولفنها لآخر أنفاسها.