سكان "صلاح الدين" يرفضون هدم "حمام الذهب" في الإسكندرية.. ومسؤول: "القرار صدر" (صور)

محافظات

سكان صلاح الدين يرفضون
سكان صلاح الدين يرفضون هدم حمام الذهب بالإسكندرية


"الحجارة تسكن المحاجر والجبال وعندما يأتي بها الإنسان يشكلها فنًا وعمارة وعمران" كلمات يبروزها المهتمون بالقيم التراثية للمباني التاريخية ذات القيمة الإنسانية، لاحداث صحوة مجتمعية، وانقاذ العمران القديم من محاولات الهدم والدخول بأراضيه في مشروعات تجارية ربحية، وقد كان أخره حمام الذهب أو الحمام العثماني في محافظة الإسكندرية، الذي أوشك مالكه على هدمه بحكم قضائي، وبناء مشروع عقاري على مساحة 500 متر، إلا أنه توقف بتصدي من ساكني المنطقة.



فيعد حمام الذهب الذي يرجع إلى نهاية العصر المملوكي، لا يعلم عنه الكثيرون من أهالي محافظة الإسكندرية، بسبب غلقه لسنوات طويلة وتعرضه للإهمال، على الرغم من إدارجه داخل مجلد التراث السكندري، ووقوعه في أعرق شارعي وسط المحافظة، صلاح الدين وسيدي المتولي أمام شركة الكهرباء، ويجاوره عدد من الأبنية العقارية الفاخرة، وأنه قد سُمى إحدى الشوارع المحيطة به باسم"حمام الذهب" نسبة إلى قيمته في تلك المنطقة.





وقد رويت قصته ووصفه في كتاب "حمامات الإسكندرية في القرن التاسع عشر والعشرين" للدكتور محمد عوض رئيس لجنة التراث بأنه قد تم بناءه في أواخر العهد المملوكي في القرن السادس عشر، وأنه يطلق عليه أيضًا حمام العطارين لتواجده من القرب من جامع العطارين التاريخي، وأنه خلال الحكم العثماني قد اجريت تعديلات على تلك الحمام شملت تركيب عامودين رخام، وبناء ستائر من الحجر، وزريبة ملحقة بالحمام لوضع الأثوار والبهائم الخاصة بالحمام، وأنه في القرن الثامن عشر تولى أفراد من أسرة ملوك الذين كانوا نظارًا على جامع العطارين، صيانة هذا الحمام وأجروا ترميمات في فترات متعددة، وأن حمام الذهب قد كان شاهدًا على الحملة الفرنسية لمصر.




- حي وسط يكشف صدور قرار الهدم
وكشف علي مرسي رئيس حي وسط لـ"الفجر"، عن كيفية صدور رخصة الهدم لمالك الحمام، منذ محاولته الحصول عليها منذ عام 2006، ويقول إن مالك العقار قد تقدم بطلب ترخيص هدم الحمام إلى الحي قبل عام 2006، ثم قام برفع دعوى قضائية في 17يونيو 2006 برقم 14311750 قضائية، وقضت المحكمة بقبول الدعوى شكلًا والغاء القرار السلبي بالامتناع عن اصدرار قرار ترخيص الهدم، وذلك بناءًا على أن لجنة المعاينة المشكلة بمدير عام مباحث أثار الإسكندرية أفادت أن العقار عبارة عن بقايا حمام قديم على التراث العثماني، ومتبقي منه أثريًا أربعة أعمدة ذات تيجان كروشية في مدخل الحمام.




وأشار إلى أن المتبقي من الحمام الأصلي بيت النار والنافورة والمغطس والبيت البارد والساخن جميعها مباني حديثة، لا يوجد بها أية عناصر أثرية، وأن العناصر الأثرية بالحمام لا تكون القيمة المعمارية للحمام، ويمكن نقلها إلى مخازن الأثار على نفقة المالك، وأنه لا ضرورة من الاحتفاظ به، ولا مانع من قرار الهدم، وأنه في 30 أبريل 2001 قد تم نقل الأعمدة الأثرية من حمام الذهب إلى منطقة كوم الناضورة الأثرية، ومن ثم لا يتضمن الحمام أية عناصر أثرية ثابتة أو منقولة، وغير مسجل ضمن سجلات الآثار الإسلامية أو القبطية بالإسكندرية.




- لجنة المنشأت الآيلة للسقوط تصدر قرار بهدمه.. ومجلس الدولة يقيد قرار الهدم للحفاظ عليه كمبنى أثري
ويضيف في 4 أبريل 2010 أصدرت لجنة المنشأت الآيلة للسقوط قرار هدم للعقار رقم 424 لسنة 2010، وقالت أنه عبارة عن دور أرضي وأول علوي، حوائط مائلة، وأنه تلاحظ للجنة وجود شروخ بالحوائط والسلاسلم وبعض الأسقف، وقد قررت اللجنة هدم الحمام، لعدم وجود جدوى من الترميم، وقد احال حي وسط تلك الملف إلى دار الفتوى بمجلس الدولة في عام 2012 لاستطلاع الرأي عن مدى إمكانية استخراج ترخيص هدم، ومجلس الدولة أفاد بعدم إمكانية تنفيذ الحكم الخاص باصدار ترخيص هدم، لوجود مانع قانوني يحول تنفيذه وهو قرار رئيس مجلس الوزراء 278لسنة 2008، بضرورة جدوى الحفاظ على المباني الأثرية تحت بند رقم 3 باعتباره أثر إسلامي (غير مسجل).




كما ورد إلى الحي في 6 اغسطس 2012 قرار من المجلس الأعلى للآثار عدم موافقة على تسجيل العقار كأثر، حيث أن العقار غير مسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، لكنه مدرج بجدول المباني التاريخية الواردة في قائمة الحفاظ على المباني والمناطق التراثية، مع العلم أن عدم التسجيل لا يعني هدم العقار، إلا عقب الرجوع إلى الجهات المختصة، طبقًا لمحضر المعاينة في 2012.




- إدارج الحمام في كود 3 بمجلة الحفاظ على التراث عام 2013
وفي عام 2013 أعلنت لجنة التراث العمراني أن حمام الدهب قد تم ادراجه في مجلة الحفاظ على التراث لمدينة الإسكندرية تحت كود رقم 3، وأنه يجب الحفاظ عليه، ولا توافق الأمانة الفنية للجنة على هدمه، حيث أنه أقدم حمام من العصور الإسلامية، وقد تم بناءه في العصر المملوكي، وأنه ذات قيمة أثرية مهمة.




- صدور رخصة الهدم في 23مايو 2017 من إدارة الشؤون القانونية في الإسكندرية
وفي عهد المحافظ الأسبق المستشار محمد عطا عباس في عام 2013 قد أرسل خطاب إلى رئيس مجلس الوزراء عن تلك الملف، ثم تقدم المالك بالتماس إلى محافظة الإسكندرية، وقد حفظ حي وسط الالتماس، لأن الحمام مسجل كمبنى تاريخي، وقد تقدم مرة أخرى بالتماس إلى الشئون القانونية لمحافظة الإسكندرية، ثم انتهت الشئون القانونية في شهر مارس الماضي بتنفيذ الحكم في 17 يونيه 2006 بصدور قرار الهدم، وأن ترخيص الهدم صدر في 23مايو 2017 من حي وسط بناءًا على رأي الشئون القانونية بالمحافظة، ويوم الجمعة الماضي بدأ المالك في تنفيذ قرار الهدم، وبناءًا على شكوى السكان، تم إحالة الملف إلى النيابة العامة.




- مبلغ شكوى هدم الحمام: "المكان تاريخي ويخص التراث الإنساني.. وعلى استعداد للدفاع عنه"
"الحمام علامة عثمانية مميزة تخص التراث الإنساني" هكذا وجد السبعيني المستشار سيد عبدالعال أحد أهالي المنطقة دافعه نحو سرعة الابلاغ إلى شرطة النجدة ومحافظة الإسكندرية، فور قيام مالك الحمام بتعليق الشوادر، لبدء اعمال الهدم، إلا أنه تفاجئ عقب استجابة محافظة الإسكندرية إلى الشكوى، وارسالها مهندس من حي وسط، يفيده "مالك الحمام معه رخصة هدم، والحي ليس معه ما يفيد أنه أثر حضاري"، والحمام إذا لم يكن أثريًا، فأنه علامة عثمانية مميزة ونادر في المحافظة، هكذا أوضح المستشار عبد العال المفارقة التي وجدها في تعامل التنفيذيين مع الحمام العثماني.





وأشار إلى أنه حمام تاريخي يعبر عن نمط معيشي في الحياة المملكوية القديمة، وأن الجهات التنفيذية في الدولة مثل وزارة الثقافة والمحافظة قد اهملته، وقد كان عليها تحويله إلى مزار تاريخي أو استثماره سياحيًا.




ويتذكر أنه منذ سكنه في العقار المقابل لحمام الذهب مباشرة منذ خمسون عامًا قد كان يستقبل أهالي الإسكندرية كحمام بخار صحي للجسد، وقد كان عبارة عن صحن كبير يجلس فيه الزائر، ويتعرض للبخار لمدة ساعتين أو أكثر، ثم ينتقل إلى حمام بارد، وأنه بسبب قربه من مقام"سيدي المتولي"، وقد كان يطلق عليه الزوار"حمام سيدي المتولي"، إلا أنه تعرض للهجر منذ نحو عشرون عامًا، وأنه على الرغم أنه قد كان مفتوحًا للجمهور، إلا أن اسم مالكه لم يكن معلومًا بشكل كبير.




إضافة إلى تعرضه للإغلاق والإهمال ورفع يد الدولة عنه عقب انتقال ملكيته إلى بنك التمويل المصري السعودي، تسبب في انهيار أسقفه وتحول لمقلب قمامة وحشائش هكذ يضيف المستشار، وأنه لم يشاهد دفاع وزارة الثقافة أو محافظة الإسكندرية عن قيمته، وقد ترك دون حماية أو ترميم.




ونقل الأعمدة الرخامية الأثرية من الحمام إلى كوم الناضورة ونفي وزارة الآثار أثرية الحمام وفق بيانها الأخير، أثار تهجم "عبد العال": "نقل أعمدة رخامية أثرية دليل قاطع على أثرية المكان، فطوب الحمام يشبه أثريته، أثرية قلعة قايتباي وغيرها من المناطق الأثرية الأخرى، فما الفارق، فقرار الآثار كمن يشيل الأحشاء من الجسد، ليحتفظ بالاحشاء وحدها، وأنا على استعداد على الطعن امام القضاء، إذا كان هناك محاولة لهدمه مرة أخرى".




وثاني أهم حمام في الإسكندرية، ولا أحد يعرف قيمته التاريخية" هكذا يرفض أحد سكان المنطقة منذ 10 سنوات قرار الهدم، مشيرًا إلى أنه يدافع عن تاريخ وقيمة المكان الذي يعود إلى شواهد العصر العثماني، والذي ليس له مثيل أخر في الإسكندرية، والباق في المحافظة عبارة عن صهاريج كانت تستخدم لجمع المياه فقط.




ويضيف أن اسم حمام الذهب وفق معلومات الأهالي يعود إلى"مغطس النحاس" والذي كان الصحن الكبير الأساسي الذي كان يستشفي فيه الناس ببخار المياه، غير أن تلك الحمام جزء من تراثية شارعي صلاح الدين وفؤاد المحيطين به، وأن ترك هدم تلك الحمام خسارة تاريخية، وبناء كتلة خرسانية جديدة، لا تفيد المجتمع السكندري.




فيما يطرح الدكتور وليد منصور أحد المهتمين بالتراث السكندري والذي انتقل إلى العيش بالقرب من موقع حمام الذهب منذ ثلاث سنوات تساؤله"هل الدولة تريد ترسيخ نموذج هدم التراث أمام أعين السكندريين"، مشيرًا إلى أنه قد كان يتوقع أن يقوم التنفيذييون بتحويل تلك الحمام إلى مكان لوصف التاريخ وتعليق الرسومات التي تعبر عن تراث، ويكون ملتقى ثقافي.




ويوضح أن ربط الإنسان بالحجارة والمكان أهم ما يدافع عنه المهتمون بالتراث، حتى تنمي قيم الارتباط والانتماء لدى المواطنين، ولا يخرج المجتمع إرهابيين ناقميين على الأماكن، كما أن حماية التراث أمر معنوي وإنساني لا يتم الحديث عنه باستخدام القانون، كما أن وزارتي الثقافة والاثار دورهما حماية التاريخ، لا التفريط فيه.




كما أصدر الدكتور محمد سلطان محافظ الإسكندرية، قرارا بإيقاف أعمال هدم عقار حمام دهب الأثري الكائن بمنطقة العطارين وسط الإسكندرية، حفاظا على أثريته، وتحويل جميع المسئولين عن إصدار قرار الهدم للتحقيق واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضدهم، مؤكدا أنه لن يتهاون في تطبيق أقصى العقوبات على كل من يتسبب في الإهمال في الحفاظ على المباني الأثرية والتي لها قيمة أثرية كبيرة وخروجها من مجلد التراث.




وأوضح "سلطان" أن هذا العقار كان يحتوي على ٤ أعمدة أثرية وتم نقلهم لكوم الناضورة وسجل كمنزل تاريخي، وصادر له حكم محكمة في عام ٢٠٠٦ بالامتناع عن إصدار ترخيص هدم وإلغاء أية أحكام سابقة بهدمه، إلى أن تقدم مالك العقار بعد نقل أعمدته، بالتماس لتجديد الأحكام السابقة بهدم العقار حتى سطح الأرض، وتم إصدار ترخيص الهدم رقم ١ لسنة ٢٠١٧.




وأشار إلى أن مالك العقار بدأ يوم الجمعة الماضي في وضع سياج قماشي حول العقار تمهيدا لهدمه، وعلى الفور تم إصدار التعليمات بإيقاف أعمال الهدم والقبض على العمال وعرضهم على النيابة العامة، واستدعاء مالك العقار وأخذ التعهد اللازم عليه بعدم إجراء أي أعمال هدم دون الرجوع للحي.




كما شدد محافظ الإسكندرية، على جميع المسؤولين بتكثيف الرقابة والمرور المستمر على جميع المباني الأثرية المسجلة في مجلد التراث، مؤكدا أنه سيتم اتخاذ كافة الاجراءات القانونية وتطبيق القانون بحزم ضد كل من يتسبب في هدمها، والذي من شأنه الإضرار بالقيمة التاريخية والأثرية للإسكندرية.