كيف تحولت مكتبة الإسكندرية لـ"سبوبة" تعيين أبناء المسئولين وكبار رجال الدولة؟

منوعات

الدكتور مصطفى الفقي
الدكتور مصطفى الفقي - المفكر السياسي


الدكتور مصطفى الفقى يجيب عن السؤال الأصعب


الدكتور مصطفى الفقى قامة كبيرة فى عالم السياسة والمجتمع المصرى، وفيما يخص تنصيبه رئيسا لمكتبة الإسكندرية فى الشهور الأخيرة سبق وكتبت أنه جاء متأخرا جدا على تاريخه الكبير.

من يعرف الفقى يتيقن أنه غير ملتو، بمعنى أنه واضح رغم أن عمله الأساسى السياسة، والسياسة تعنى (شغل البولوتيكا)، الفقى كان واضحا عندما دعا لمؤتمر صحفى منذ عشرة أيام مع السادة الزملاء ولم يتسن لى الذهاب، فذهبت فى اليوم التالى لألتقى به وأسمع منه عن قرب.

وتصادف أنه كان فى تلك اللحظة يوقع على خطاب تأييد لمسيرة الدكتور إسماعيل سراج الدين الطيبة، عند صدور عدة أحكام مجملها ثلاث سنوات على تهم إهدار مال عام وخلافه، فسألته بشكل مباشر.. ما السبب الرئيسى لما حدث للدكتور سراج الدين؟

قال: أثناء ثورة يناير ثار عدد من الموظفين بالمكتبة، كانوا منتدبين من جهات أخرى للعمل بها، وكانوا تقريبا (99) موظفا يطالبون بالتثبيت، فلما رفض سراج الدين لأنهم منتدبون من أماكن أخرى، قاموا برفع دعاوى قضائية عليه بتهم إهدار المال العام؛ لأنه أجر محلات بالمكتبة بالأمر المباشر دون عمل مزايدات، وربما سراج كان محقا، لأنه خشى لو كان أجرها بالمزايدة يمكن أن ترسو على محلات فول وفلافل.

رفعوا القضايا ومرت الأيام وصدر الحكم، سألته.. وما مصير الموظفين الـ99؟، فأجاب: بعد الضغط على سراج الدين والمظاهرات التى نظموها اضطر إلى تعيينهم، وبعد ذلك طالبوا بأن يحصلوا على جميع المستحقات والامتيازات التى يتمتع بها موظفو المكتبة، فرفض لأنه عليهم إما أن يكونوا تابعين للجهة التى هم منتدبين منها أو يتبعوا المكتبة فقط، ولحظتها عليهم تقديم استقالات للأماكن المنتدبين منها.

والآن 9 موظفين منهم أحيلوا للمعاش والباقون ما زالوا بالمكتبة، لحظتها مسكت أطراف الخيط وقلت له: ولكن يا دكتور مصطفى يوجد عدد كبير من الموظفين على قوة المكتبة ومنتدبون للعمل باختيارهم فى أماكن أخرى ويأخذون رواتبهم من المكتبة، مثل السيدة حنان مديرة مكتب محافظ الإسكندرية منذ 2006 تقريبا، يعنى 11 عاما منذ أيام عادل لبيب حتى الآن، وراتبها من المكتبة بجميع الامتيازات، ناهيك عن أنها تتقاضى من المحافظة بدلات وانتقالات وحضور بدل أيام إجازات.

ليس ذلك فحسب، بل تتمتع بعلاقات قوية تجمعها بعدد كبير من مسئولى الإسكندرية بمختلف القطاعات، بحكم أنها السيدة الأولى بالمحافظة دون منازع، ولن أخوض لأنى لم أر بعينى بل سمعت عن هدايا رأس السنة مثلاً، وبالمناسبة يا دكتور مصطفى.. أنا لا أخشى فى الحق لومة لائم، هذا الكلام نشرته قبل ذلك بـ«الفجر»، وكتبت أنها المتحكم الأول بالإسكندرية وبشهادات شهود مع كل محافظ يأتى للمحافظة.

نظر لحظتها الدكتور الفقى إلى بعض المسئولين الذين كانوا بمكتبه ويسمعون بامتعاض، وقال لهم «الكلام دا سليم»، فردت إحداهن وقالت: هى صحيح منتدبة من المكتبة للمحافظة لكن راتبها من المحافظة، فوقفت وقلت لها راتبها وجميع مستحقات وامتيازات المكتبة من عندكم، ناهيك عما تتقاضاه بالمحافظة، هنا شخط الفقى قائلا: «اسألولى مدير شئون الأفراد»، مرت دقائق ونظر لى الدكتور الفقى وقال كلامك صحيح يا شهيرة.

وتابع: فعلا تتقاضى راتبها من المكتبة، يبقى حرام تأخذ من هنا ومن هنا، اكتبوا لها بأن عليها الاختيار، إما البقاء الدائم بالمحافظة وراتبها من هناك، لأن حرام راتب بدون عمل واستحقاقات إضافية على العمل المفترض تعمله من المحافظة، وإما عليها إنهاء الندب والعودة للمكتبة، لحظتها كانت أعين الغالبية تنظر لى شذرا، وأردفت طبعا حضراتكم عايزين تقتلونى، فقالوا: «ليه يعنى.. وإحنا مالنا».

قلت يا دكتور مصطفى دى حالة أعرفها مصادفة، ولكن لديك بالمكتبة عشرات بل مئات الحالات، سيادتك تقول إن المكتبة ليست فى حاجة إلا لـ(500) فقط على الأكثر، ولكن لديك 2400 موظف، وإذا فتشت ستجد، وحالة حنان على هذا الوضع منذ أيام سراج الدين، وهو كان راضيا عن ذلك.. عادى، وعندى أسماء أخرى عديدة، الحقيقة الرجل أعطى أمرا بإرسال خطاب للسيدة حنان، لكننى على يقين بأن الأمر سيظل مجمدا، ليس لرغبة الفقى فى إيقاف نزيف الأموال المهدرة، ولكن ستتدخل الضغوط وستموت الأمور.

سألت الدكتور الفقى: ماذا سيحدث؟، فرد: «أبلغت الرقابة الإدارية، وطالما مكتبة الإسكندرية تتبع أجهزة الدولة فعليهم أن يراقبوا عليها، وقصة أنها طالما تابعة لرئاسة الجمهورية فهى فوق الحساب هو ما جعل الكثير من التجاوزات تحدث بها، وطلبت من رئيس الرقابة أن يراقب المكتبة».. طبعا موقف محترم ويحسب للفقى، أشفق عليه فى الحقيقة.

أشفق على الفقى من الكثير، مثلا سراج الدين، قام بتعيينات أيام ثورة يناير، مائة موظف للتثبيت، لكن هؤلاء كان الكيل يفيض بهم وهم يرون أشياء كثيرة بعضها ملموس بأوراق ومستندات وبعضها الآخر بدون، فهل الدكتور الفقى سيلغى عمل بنت عضو مجلس شعب حالى وزوجها، تم تعيينهم مجاملة للأب البرلمانى الذى يبدو أنه محسوب على المعارضة من أيام مبارك، ولكن معارضة لها حسابها، وهل سيلغى عمل ابن شقيق وزير سابق كان من أهم وزراء رجال سوزان مبارك؟

هل سيلغى عمل بنت دكتور جاءت بواسطة زكريا عزمى، والآن هى أحد مراكز القوى بالمكتبة ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، وهل سيلغى عمل مذيعة قدمت استقالتها من القناة الخامسة والآن تتقاضى أكثر من 25 ألف جنيه بخلاف السفريات وخلافه، وهل سيلغى عمل (.....) و(....)، أعانك الله يا دكتور مصطفى، مكتبة الإسكندرية لم يتركها سراج الدين ناعمة كالبساط كما يدعى البعض، لكن تعيينات مين على منصب إيه، إرث صنعه ليحمى أو كما روج له البعض ليدافع عن نفسه.


■ هذه هى الحقيقة.. لا تلوموا الفقى على صراحته

وما قام البعض من الزملاء بلوم الفقى واعتبار كلامه أن سراج الدين أخذ وش القفص عندما كان يتقاضى 25 ألف دولار بخلاف فلوس السفريات، التى تقريبا كانت تجعله يأتى ليباشر المكتبة مرة فى الشهر، إن حدث وأقصد الفقى، الآن يتقاضى 2000 دولار، الرجل لم يكن مخطئا، لأن سراج الدين عندما علم أنه خارج من المكتبة لا محالة أراد أن يعمل (....) لمن سيأتى بعده.

وفى نفس الوقت رفع شعار الوطنية، وتحت بند تقليص النفقات قام بخفض راتبه من (25) ألف دولار إلى ألفى دولار فقط، وساواه بالسيدة هدى الميقاتى والدكتور خالد عزب، وأرى أن ما فعله سراج الدين ليس حبا فى الوطن كما ادعى، بقدر ما هو مقلب، حيث قلب المنضدة فى وجه من سيأتى بعده، وإلا لماذا لم ينه ندب المستشارين الذين كانوا يأخذون آلافا مؤلفة، ولماذا لم ينه ندب الموظفين الذين يتقاضون من المكتبة ويعملون فى أماكن أخرى، ولماذا لم يقلص سفرياته المكوكية لكل أنحاء الدنيا، مرة مؤتمرات ومرة تمثيل المكتبة، ومرة إيه وإيه وإيه، ولماذا حول أموال الشقة التى كانت مخصصة له بصفته من إيجار لتمليك، واعتبر قيمة الإيجار الذى يدفع من أموال المكتبة جزءا من ضرائب التمليك، لماذا لم يقلص النفقات لاستضافاته فى الفنادق لضيوف يأتون بالثلاثة والأربعة أيام لمؤتمرات المكتبة؟

الكلام كثير وفى الحلق غصة، وكون أنه قلص الراتب فهذا مقلب، نعم مقلب، ومن يلوم على مصطفى الفقى أنه أعلن أن راتبه 2000 دولار وراتب سراج الدين 25 ألف دولار، هذا بخلاف فلوس البدل للسفر والإقامة، لا ينبغى أن يلومه أحد، وهذا هو مقصدى، أنه لا يعرف فى «شغل البولوتيكا»، رغم أنه أبو السياسة والدبلوماسية أحيانا، الصراحة فى مثل هذه الأمور هى قمة السياسة والدبلوماسية، وسألت الدكتور الفقى ما موقفك من الحكم على سراج الدين؟ فأجاب: «نحن معه والمكتبة أصدرت بيان مؤازرة، وأرى شخصيا أن غالبا البيانات والمؤازرة قمة الدبلوماسية»، سراج الدين من وجهة نظرى لا يستحق مؤازرة ولا أريد أن أرفع شعار «اللى راح راح».. عايزين حق بلد ودولة.

وعلى الهامش أجمل صدفة، فى لقائى هى مقابلة الصديق الفنان الرائع ملك الجاز يحيى خليل، الذى كان بالمصادفة ذاهبا للقاء الدكتور الفقى للترتيب لحفل فى أول الخريف المقبل، وهنا نقطة عتاب على مكتبة الإسكندرية، كيف تقيم الآن مهرجانا للجاز وللموسيقى بمعونة أمريكية ولا يكون لملك الجاز فى الوطن العربى وحوض البحر المتوسط مكان بل أماكن بها؛ لنستمتع بأعماله وبه، حقا لا يكرم نبى فى وطنه، ومزمار الحى لا يطرب، ملك الجاز عندنا ومهرجان جاز فى الإسكندرية حوض البحر بدون يحيى خليل!

وأخيرا أنتظر من الدكتور مصطفى الفقى الكثير مع طاقم عمله، الذى شرب العمل الثقافى، فهو منصب أعانه الله عليه، وقبل النهاية سألته عن مكتبة الإسكندرية بالعلمين، فقال: «زيى زيك.. عرفت من سيادة الرئيس فى مؤتمر الشباب، وكمان وعد بفرع ثالث لمكتبة إسكندرية بعد العلمين فى العاصمة الإدارية الجديدة.. يارب».