تحرش ورشاوى في مستشفى "أم المصريين".. "الداخل مفقود" (صور)

أخبار مصر

مستشفى أم المصريين
مستشفى أم المصريين


مصطفين أمام شباك حجرة صغيرة مفتوح، يتسابقون لمد أيديهم للحصول على تذكرة خشية نفاذها، أو تأخيرهم عن الوقفة المعتادة أمام باب العيادات، وغيرهم جالسين على مقاعد خشبية، متراصين بجانب بعضهم البعض، يلتقطون أنفاسهم المتقطعة بعد عناء رحلة الوصول لتلك التذكرة التي يصل ثمنها لجنيه واحد، قبل دق عقارب الساعة لتعلن إنها الثانية عشر ظهرًا، وحتى قبل ذهاب الطبيب ليعلن توقفه عن الكشف، وهناك على سلالم المستشفى يتسارع بعضهم خوفًا من الانتظار المميت والتزاحم المرير.. ذلك المشهد تجسيد لحال المواطنين والمرضى داخل العيادات الخارجية بمستشفى "أم المصريين". 


على صفحات الجرائد القومية، والمواقع الإلكترونية، تغنّى الكثيرون بالإهمال الذي تشهده المستشفيات الحكومية، وخاصة مستشفى "أم المصريين" بالجيزة، ولم يخف على أحد الفضائح الجسيمة والإهمال الطبي الذي يلحق بالمستشفى، وبالرغم من ذلك مازالت ملجأ المرضى من الفقراء.. "الفجر" حاولت معايشة المواطن المصري داخل عيادات "أم المصريين" للوصول لمدى المعاناة التي يعانوها داخل واحدة من أشهر وأهم المستشفيات الحكومية.


حلوة يا "بطاطا".. تبل الريق يا "سوبيا


أبواب المستشفى محاطة بـ"الباعة الجائلين"، بدأت جولتنا من باب الدخول، فالباب الرئيسي وباب دخول العيادات الخارحية لمستشفى أم المصريين، يفترشه الباعة المتجولين، فهناك تجد المكان أشبه بـ"السوق"، وتجد بائعي الخضروات والفاكهة، وعربة "البطاطاوبائعي "السوبيا" حتى بائعي لعب الأطفال يملأون المكان بالزحام، بطريقة تستفز المرضى أثناء دخولهم لتلقي العلاج، ويمتلأ أيضًا بالقاذورات وعربات الخردة المصطفة بطول الشارع.


معاناة للحصول على تذكرة


معاناة الحصول على تذكرة للعلاج بعد دخولنا من البوابة، اتجهنا لساحة الانتظار، فهناك تجد المرضى جزء منهم يجلس على مقاعد الانتظار،والجزء الآخر يقف لامتلاء أماكن الجلوس، وآخرين واقفين أمام شباك قطع التذاكر، في طابور طويل، وقفنا في الطابور للحصول على تذاكر دخول للكشف بعيادتي "الباطنة"، وكان ثمن التذكرة جنيه واحد، وأخرى لعيادة "الجراحة العامة". 


وقفنا لمدة ساعة في طابور الانتظار والذي كان مليء بالمشاجرات، التي لم تخرج عن الاشتباك مع الموظفين، حيث إنهم كانوا يعاملون المواطنين بطريقة تعالي واستفزاز كبير، الأمر الذي لم يقبله بعض المواطنين لتنتج عن تلك المشاحنات مشادات كلامية.


عاملة: "صبحوني علشان اخرجكوا"


إهمال ومساومة في عيادة الباطنة بعد عناء الوصول للتذكرتين، توجهنا في البداية لعيادة الباطنة، وهي حجرة صغيرة بها ثلاث مكاتب، وسريرين تفصلهما ستارة بيضاء خفيفة، الكشف بداخلها لم يستغرق سوى دقيقتين شفهيًا، مع إحدى طبيبتي الإمتياز، التي كانت تصحح رئيسة قسم الباطنة لها أخطائها العلاجية لنا، وهي طبيبة خمسينية اتخذت من مكتبها مطبخًا لها لتقشير البطاطس، ولم تنته عند ذلك الحد الإهمال في عيادة الباطنة، حيث قامت العاملة بالعيادة بمساومتنا على الخروج من الحجرة مقابل الأموال قائلة لنا: "صبحوني علشان أخرجكم". 


وسط الزحمة.. "التحرش والألفاظ النابية لزوم الوقفة"


ازدحام وفروق طبية وأخلاقية في عيادة "الجراحة العامة"، خرجنا من عيادة "الباطنة" لعيادة "الجراحة العامة" لنجد مشادات كلامية بين مجموعة من المرضي، وألفاظ إباحية بين مجموعة من النساء، في صف طويل منتظرين دورهم، معللين تعديهم على بعضهم البعض إنهم هنا منذ السابعة صباحًا، وقد طفح بهم الكيل، لتجد صفوف الرجال مبحلقة في الخناقة ليضيف أحدهم "الستات أكترها بيجي عشان نتحرش بيهم في الرايحة والجايا، ويكونوا فرجة"، واصفاُ ألبستهم الضيقة للغاية بـ"حاجة مسخرة".


في عيادة الأطفال "الكشف بالجملة"


كشف جماعي في عيادة الأطفال، وعند انتهاء تجربتنا في عيادتين، قمنا بالتجول في عدد من عيادات المستشفى، ففي عيادة الأطفال نجد 5 مكاتب أمام كل منها كرسي للمريض، و5 أطباء يقومون بالكشف في حجرة جماعية، لا يفصلها حتى ستارة بين كل طبيب والآخر.


المستشفى خالية من الأدوية.. وعلى المضطر شرائها من الخارج  


بيد كل مريض "كيس" أسود به مستلزماته من أدوية ومستحضرات، يقوم بشرائها من الخارج، لكي تتيح له الفرصة للدخول وتجبيس أعضائه، وعمل اللازم له، ومن لا يقدر على شرائها لا حاجة له بالمجيء، لأن المستشفى لا توفر تلك الاحتياجات، علاوة على التزاحم الشديد أمام العيادة.


انتبه.. المكان يعج بالمتسولين والشحاذين 


وفي ممر طويل وجدنا "مسنة" تبكي بشدة، وبسؤالنا عرفنا أنها تم سرقتها، قائلة: "جئت هنا منذ السابعة صباحاً، وتعبت من الوقوف وانتظار دوري، فجلست لكي أريح قدمي، وما هي إلا دقائق معدودة حتى تم سرقتي، ولا أعلم ماذا سأفعل.. فجميع أوراقي بتلك الشنطة، ولم يتجاوب إلا من معي لمساعدتي، واضعين كفاُ على كف عوضك عند ربنا"، ناصحين إياها، "خدي بالك بعد كده عشان الحرامية مالية المكان".


وفي كل ركن تجد شحاذاً مماطل في طلبه، يذهب ورائك ولا يمل من سؤاله، متوسلاً وداعياً لمن يعطيه بالشفاء، يقف بجانبك متسمراً حتى تعطيه فالأمر ليس اختياراً بل عنوة.


رشوة في عيادة الأسنان


وقبل نهاية جولتنا حاولنا قطع تذكرة كشف لعيادة الأسنان، ولكن كان الوقت قد انتهى، فحاولنا النظر داخل العيادة لرصد أوضاع العلاج بداخلها وهنا استوقفتنا إحدى الممرضات، وبعد حديث ليس طويل معها وصلنا له فيه عن حاجتنا لإجراء الكشف ولكننا لا نمتلك التذكرة، قالت لنا: "راضيني وهدخلك تكشفي من غير تذكرة"، فقمنا بإعطائها الأموال وبالفعل أدخلتنا للكشف لأحد الأطباء الموجودين بالحجرة المكونة من ثلاث مكاتب لثلاث أطباء ليحاول إقناعنا بحاجة لخلع بعض الأسنان، الأمر الذي أكده عدد من المرضى أنه الاختيار الأسهل لأطباء عيادة أسنان "أم المصريين".


حكايات ومآسي المصريين داخل المستشفى وتأكيداً للوضع الذي وجدناه داخل عيادات المستشفى، تواصلنا مع عدد المرضى، ووجهنا لهم سؤال عن مستوى الخدمة العلاجية بداخلها، فقالت إلهام أحمد: "المستشفى هنا خرابة لا يدخلها سوى الفقراء ومفيش معاملة، وما يحدث هو دخولك على الدكتور المعالج لذكر مرضك، ولا تلقي سوى ورقة مكتوب عليها أصناف من الأدوية، وليست موجودة، وعليك شراؤها من الخارج حيث الأسعار الخرافية".


"عشت وشوفت الروشتة بتتكتب قبل الكشف".. كلمات تمتمت بها "سهام عبد المولي" عندما مسكت ورقة بيدها وبها تقرير عن حالة ابنتها المريضة، والتي تعالج داخل المستشفى


قبل خروجنا ونهاية معايشتنا لوضع المرضى داخل المستشفى، اصطدمنا بسهام وابنتها، التي ترجع قصتهم لسنوات من المعاناة داخل المستشفى وتحكي الأم قصة نجلتها التي بدأت منذ خمس سنوات، عندما دخلت المستشفى مصابة بحرق، حيث حجزت هناك لعلاجها 6 أشهر، وخلال تلك الفترة تم نقل دم يحمل فيروس إلى جسدها، عجزت على أثره بالعناية المركزة ومنعت عنها الزيارة حسب حديثها


واستكملت الأم: "بنتي شرحولها جسمها كله عشان يغسلوا دمها من أمراضهم، وبتروا صباعين من أيديها علشان الدم الفاسد، وفي الآخر بعد فشلهم في علاجها قالولي (عالجيها بره)، طفلة رجعت إلى إحضاني ممتلئة بالأمراض وليس حرق أو بتر فقط".