مي سمير تكتب: هيلارى كلينتون تكشف أسرار ضياع رئاسة أمريكا من بين أصابعها

مقالات الرأي



■ لم أتصور أبداً أن بوتين سيملك الجرأة للهجوم السافر وواسع النطاق ضد ديمقراطيتنا وأنه سيفلت

■ أوباما كان يعرف أدلة تورط روسيا بدعم ترامب لكنه رفض الإعلان ولم يحذر الأمة من هذا التهديد


«ماذا حدث؟» هو كتاب هيلارى كلينتون، عن تجربتها كمرشحة الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى عام 2016، حيث تم إصدار الكتاب فى 12 سبتمبر الجارى، والذى يعد السابع الذى تصدره هيلارى، بمجرد صدوره احتل الكتاب المرتبة الأولى فى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بـ300 ألف نسخة فى الأسبوع الأول من نزوله إلى الأسواق.

وكتبت صحيفة نيويورك تايمز، أن الهدف المعلن من الكتاب هو تقديم وجهة نظر قريبة من الأحداث لما كان عليه الوضع بالنسبة لكلينتون التى خاضت الانتخابات كأول مرشحة للرئاسة من حزب رئيسى فى تاريخ أمريكا، فى حملة يمكن وصفها بالشراسة والاضطراب فى كثير من الأحيان، ويعتبر الكتاب الجزء الثالث من مذكرات هيلارى، بعد «التاريخ الحى» الصادر 2003 و«الخيارات الصعبة» 2014.

فى الدعاية السابقة لصدور الكتاب قالت كلينتون: إن هذه المذكرات ستكون الأكثر تعبيرا عن شخصيتها الحقيقية، حيث قالت فى المقدمة: «فى الماضى، لأسباب أحاول شرحها، شعرت فى كثير من الأحيان بأن علىّ توخى الحذر فى الأماكن العامة، مثل السير على سلك دون شبكة. الآن أتخلى عن حرصى».


1- الجميع ضدها ولكن الروس الخصم الأهم

فى بداية المذكرات كتبت هيلارى: «كل يوم كنت مرشحة فيه للرئاسة، كنت أعرف أن الملايين من الناس كانوا يعتمدون على، وأنا لا يمكن أن أتحمل فكرة خذلان هؤلاء، ولكنى لم أتمكن من إنجاز هذه المهمة ويجب العيش مع هذا الأمر بقية حياتى، وأكتب فى هذا الكتاب عن لحظات من الحملة التى أتمنى أن أعود إليها وأن أفعلها من جديد، وإذا كان الروس يستطيعون اختراق شعورى، فإنهم سيجدون قائمة طويلة»، ولعل هذه البداية هى أفضل وصف للكتاب الذى يكشف عن قدر كبير من الغضب تشعر به هيلارى تجاه نفسها وتجاه عدد كبير من الشخصيات باعتبارهم مسئولين عن هزيمتها.

يحمل الكتاب مسئولية خسارة كلينتون فى الانتخابات الرئاسية لمجموعة عوامل، منهم جيمس كومى، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق، الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، صحيفة نيويورك تايمز ووسائل الإعلام ككل، بيرنى ساندرز ومؤيدوه، والتحيز الجنسى، والاستياء الأبيض، وهيلارى نفسها.

تعتبر هيلارى، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، السابق، أحد أهم الشخصيات التى لعبت دوراً محورياً فى هزيمتها، «إذا لم يكن التدخل المأساوى لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالى فى الأيام الأخيرة، كنا سنفوز بالبيت الأبيض»، وليست هذه هى المرة الأولى التى تقول فيها كلينتون أن كومى، الذى أرسل خطابا إلى الكونجرس لإبلاغه أنه أعاد فتح التحقيق فى كيفية التعامل مع المواد السرية على البريد الإلكترونى الخاص بكلينتون كوزير للخارجية، هو الجانى الرئيسى وراء هزيمتها.

فى كتابها، تصف هيلارى، استخدام بريدها الإلكترونى الشخصى فى القيام بمهام عملها كوزيرة بالخطأ الغبى، لكنها تصف أيضا الفضيحة الناتجة عن هذا الخطأ بالأكثر غباءً، ومن وجهة نظرها من يستحق اللوم هو كومى بسبب إعلانه أنه لن يقدم اتهامات ضدها رغم أنها كانت مهملة للغاية فى تعاملها مع المواد المصنفة سرية أثناء عملها كوزيرة للخارجية الأمريكية، وقالت كلينتون: «لا أعلم على وجه التحديد الجمهور الذى يغازله بخلاف بعض المعلقين اليمنيين وأعضاء الكونجرس اليمنيين».

فى المرتبة الثانية بقائمة المسئولين عن هزيمة كلينتون يبرز اسم الرئيس الروسى بوتين، حيث قالت: «لم أتصور أبداً أنه سيكون لديه الجرأة لشن هجوم سافر وواسع النطاق ضد ديمقراطيتنا، تحت أنوفنا، وأنه سيفلت بهذا الأمر».

من المعروف أن هناك بالفعل أدلة متزايدة بأن روسيا كانت تحاول التأثير على نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة سواء من خلال اختراق رسائل البريد الإلكترونى للحزب الديمقراطى وقواعد بيانات الانتخابات الحكومية ومشتريات الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وهو التدخل الذى لم يكن فى مصلحة كلينتون التى تؤكد أن أعضاء فريق منافسها وقتئذ دونالد ترامب تواطأوا مع روسيا للمساعدة فى انتخاب الأخير.

من المؤكد أن هناك ضغينة شخصية تجمع بين هيلارى وبوتين الذى وصفته فى مذكراتها السابقة بأنه متعجرف ولا يحترم النساء وفى مذكراتها الجديدة كتبت: «عندما جلست مع بوتين فى الاجتماعات، بدا وكأنه واحد من هؤلاء الرجال فى مترو الأنفاق الذى ينشر ساقيه على نطاق واسع، ويعتدى على مساحة الجميع، كما لو أنه يقول أنا آخذ ما أريد ولدى القليل من الاحترام لك».

ويوجه الكتاب أصابع الاتهام إلى أوباما وكتبت هيلارى: «أتساءل أحياناً عما كان سيحدث لو قام الرئيس أوباما بتقديم خطاب تليفزيونى إلى الأمة فى خريف عام 2016 محذراً من أن ديمقراطيتنا تتعرض للتهديد.. ومثل هذا التحذير كان من الممكن أن يساعد الشعب الأمريكى على إدراك حجم التوغل الروسى فى الانتخابات».

حسب الكتاب كان أوباما على معرفة بأدلة تورط روسيا فى الانتخابات، لكنه رفض الإعلان عن هذا الأمر لأنه لم يكن يملك دعم الجمهوريين فى الكونجرس، دون هذا الدعم، ظل أوباما صامتا حيث كان قلقاً من أن أى إجراء يقوم به سيتم النظر إليه باعتباره انحيازا حزبيا لصالح الديمقراطيين، ورغم تعبير كلينتون عن ضيقها من أوباما إلا أنها تعترف بأنه هو الذى شجعها على الترشح للرئاسة، لأنه اعتقد أنها كانت أفضل فرصة للحزب الديمقراطى.

والمثير للدهشة أن هيلارى تكتفى بوصف استخدامها الإيميل الشخصى فى إدارة وزارة الخارجية الأمريكية بالخطأ الغبى، رغم أن هذا الخطأ الغبى أسفر عن اطلاع هوما عابدين - مساعدتها الشخصية، المنتمية للتنظيم الدولى للإخوان - على أسرار الدولة الأمريكية، فيما تعتبر أن عدم الإعلان عن شكوك بشأن التدخل الروسى فى مجريات الانتخابات الرئاسية جريمة لا تغتفر، رغم أن هذه الشكوك لم تصل إلى مرحلة اليقين.

حسب كلينتون تعد وسائل الإعلام أحد أهم أسباب هزيمتها، «كثيرون فى وسائل الإعلام السياسية، لا يمكن أن يتحملوا مواجهة دورهم فى المساعدة على انتخاب ترامب، سواء من خلال منحه وقتا مجاناً على الهواء، أو من خلال إعطاء قضية رسائل البريد الإلكترونى تغطية أكثر 3 مرات من جميع القضايا التى تؤثر على حياة الناس».

لا تشعر كلينتون بالسعادة من طريقة تغطية وسائل الإعلام السباق الرئاسى، وتخص صحيفة نيويورك تايمز، بتهمة الإفراط فى إبراز فتح التحقيق فى قضية الإيميلات. وكتبت: «لم تكن صحيفة التايمز بأى حال من الأحوال الجانى الوحيد - أو الأسوأ - ولكن اهتمامها كان أكثر من غيرها».

على ناحية أخرى تصب هيلارى غضبها على منافسها فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى بيرنى ساندرز، «هجماته تسببت فى أضرار دائمة، ما جعل من الصعب توحيد التقدم فى الانتخابات العامة، ما مهد الطريق لحملة ترامب»، كما أضافت إنه طعن فى شخصيتها، وقدم وعوداً غير واقعية جعلتها فى وضع صعب، كما لم يفعل شيئاً يذكر لمواجهة مؤيديه الذين كانوا يشنون هجمات «قبيحة وجنسية» ضد مؤيديها.

وتشير كلينتون إلى أن ساندرز ليس عضوا فى الحزب الديمقراطى، وبالتالى، قد لا يأخذ دائماً مصالح الحزب فى الاعتبار، «أنا فخورة بأن أكون ديمقراطية، وأتمنى أن يكون بيرنى أيضاً». يذكر أن 12٪ من مؤيدى ساندرز منحوا أصواتهم إلى ترامب.

تعتبر هيلارى أن كونها سيدة أحد أهم أسباب هزيمتها، «يجب أن يقال هذا، النزعة الجنسية والخداع لعبت دوراً فى الانتخابات الرئاسية، والدليل الأول على هذه الحقيقة هو فوز المرشح المشهور بتحيزه الجنسى».

وتكشف كلينتون أنه خلال إحدى المناظرات تعمد ترامب إرهابها بالإشارات والحركات المستفزة ولكنها اختارت الصمت وعدم الرد عليه، وفى كتابها تعترف بأنها كانت تريد أن تقول له: «ابتعد عنى، أنا أعلم أنك تحب تخويف النساء، ولكن لا يمكنك إرهابى». وأضافت أنها لا تريد أن ينظر إليها على أنها امرأة مرشحة ولكن المرشح الأفضل وأن تجربتها كامرأة فى ثقافة يهيمن عليها الذكور تجعلها أكثر حدة وأكثر صرامة وأكثر كفاءة.

وتكشف هيلارى أن المرأة التى تحترف السياسة تخوض معركة حقيقية ليس فقط لأنها تحاول اقتحام عالم يسيطر عليه الرجال لكن لأنها بطبيعة الحال مختلفة عن الرجل، وتكشف كيف كانت تستغرق وقتا من أجل وضع الماكياج المناسب أثناء الحملة وكيف استأجرت خبير اللغويات لتدريبها على أفضل أسلوب الحديث خلال التجمعات: «لم أكن أستوعب أبداً الجهد الذى تحتاجه لتكون امرأة فى نظر الجمهور»، كما اعتبرت الظاهرة المعروفة بالاستياء الأبيض من ضمن الأسباب التى ساهمت فى فوز ترامب.

وإلى جانب قائمة الاتهامات التى توجهها هيلارى إلى الرئيس الأمريكى ترامب والتى تتأرجح من وصفه بالسذاجة إلى تبنيه سياسات خطرة ومسيئة، تتهمه هيلارى بأنه عمل على إثارة الاستياء العنصرى بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة، «كان ناجحاً جداً فى الإشارة إلى الحنين للماضى، الذى من شأنه إعطاء الأمل والراحة وتسوية المظالم لملايين من الناس الذين كانوا مستائين من المكاسب التى حققها الآخرون، والمقصود الملايين من البيض»، والمؤكد أن ترامب كسب أصوات العمال البيض الذين كانوا يشعرون بالقلق على مستقبلهم الاقتصادى والاجتماعى.


2- الندم.. كنت المرشحة والحملة وجميع القرارات ملكى

تعترف هيلارى فى هذه المذكرات بمسئوليتها: «يمكنك إلقاء اللوم على البيانات، وإلقاء اللوم على الرسالة، وإلقاء اللوم على أى شىء تريده، لكننى كنت المرشحة، لقد كانت حملتى وقراراتى»، وتشعر كلينتون بالندم تجاه ما وصفته بالهدايا السياسية التى منحتها لترامب أثناء الحملة الانتخابية، ومنها ما أثارته تقارير إعلامية من أن بيل وهيلارى كلينتون حضرا حفل زفاف ترامب وميلانيا فى عام 2005، ما يعنى أن علاقة صداقة قد جمعت بينهم، ولكن آل كلينتون لم يجلبوا هدية زفاف للعروسين، وكان رد فعل هيلارى هو تأكيد أنهم ليسوا أصدقاء وأنها ذهبت للحفل من أجل الضحك على ترامب الذى أراد استغلال نجومية وشهرة عائلة كلينتون، ومثل هذا التبرير كان سببا فى هجوم كبير على عائلة كلينتون.

كما تعترف بأنها لم تدرك حجم الغضب والاستياء الذى شعر به العديد من الأمريكيين بعد الانهيار المالى فى عام 2008، وتسببت تصريحاتها الاقتصادية فى إثارة حفيظة كثير من العمال القلقين على مستقبلهم، ولعل أهم اعتراف تقدمه هيلارى هو إدراكها أن هناك حلقة مفقودة بينها وبين فئة عريضة من الأمريكيين، وعن هذا الحب المفقود قالت: «توصلت إلى حقيقة أن كثيرًا من الناس - الملايين والملايين من الناس - قرروا أنهم لا يحبوننى».

رفضت تعاطى مهدئ رغم أننى تمنيت فرصة للبكاء

ولعل أهم اللحظات التى يتضمنها الكتاب، اللحظة التى أدركت فيها أنها خسرت انتخابات الرئاسة: «لم أكن محضرة عقلياً لهذا على الإطلاق، لم تكن هناك سيناريوهات ليوم القيامة فى رأسى فى الأيام الأخيرة، ولم أتخيل ما يمكن قوله إذا خسرت، ببساطة لم أفكر فى هذا الأمر».

أما عن اتصالها بترامب لتهنئته بالانتصار، فكتبت أن الأمر كان أقرب للاتصال بجارك وإبلاغه أنك لن تستطيع الحضور لحفل الشواء الذى يقيمه، بعد الإعلان عن النتيجة حثها بعض أصدقائها على تعاطى مهدئ زاناكس لكنها رفضت، ولكن رغم تماسكها أمام الجميع، اعترفت بأن هناك أوقاتا كان كل ما تريد أن تفعله هو الصراخ دافنة رأسها فى وسادة.

تعترف هيلارى بأن هزيمتها قد تكون بدأت بعد العثور على مجموعة من رسائل البريد الإلكترونى من كلينتون على جهاز كمبيوتر أنطونى وينر، طليق مساعدتها هوما عابدين، خلال التحقيق الذى أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالى بشأن رسائله النصية القصيرة مع إحدى الفتيات القاصرات، وانفجرت زوجته السابقة ومساعدة كلينتون المقربة فى الدموع وهى تبلغها هذا الأمر وتقول: هذا الرجل سيكون الموت بالنسبة لى، فى هذه المرحلة أدركت كلينتون أن قضية الإيميلات ستسيطر على الفترة الباقية من حملتها الانتخابية.

وتشير هيلارى إلى أنه بعد نتائج الانتخابات، غالباً ما يأتى الناس لها للاعتذار لعدم التصويت لصالحها «هؤلاء الناس كانوا يبحثون عن الغفران الذى لم أستطع تقديمه».

كما تتذكر كيف أن الحشود فى مسيرات ترامب جعلتها تشعر وكأنها سيرسى لانيستر، الملكة الشريرة فى المسلسل الشهير «لعبة العروش»، كان مؤيدو ترامب يطالبون بسجنها وكانوا يصرخون: «مذنبة، مذنبة، العار، العار» مثل المتدينين الدينيين فى لعبة العروش.

وتتذكر هيلارى مشاركتها فى حفل تنصيب ترامب، وتحكى كيف التقت مع ران زينك، عضو الكونجرس آنذاك ووقعت بينهما مواجهة بسبب وصف زينك لها فى عام 2014، بأنها المسيح الدجال، وهو جاء مع زوجته ليلقى عليها السلام وفوجئ بها تقول: «عضو الكونجرس أنا لست فى الواقع المسيح الدجال» فرد عليها بأنه لم يكن يعنى ذلك الكلام، «تعلمت شيئا واحدا على مر السنين هو كم هو سهل بالنسبة لبعض الناس أن يقول أشياء فظيعة عنى عندما لا أكون موجودة، ومدى الصعوبة بالنسبة لهم أن ينظروا لى فى العين ويقولون ذلك فى وجهى».

تضمنت المذكرات جانبا من حياة هيلارى الشخصية، تحدثت عن حفيدتها وكيف أن فوزها فى الانتخابات كان يمكن أن يحرمها من متابعتها أثناء دروس الباليه، كما حرصت على نفى كل الشائعات التى تشير إلى أن علاقتها بزوجها بيل كلينتون صورية وأن زواجهما انتهى منذ سنوات عديدة، وتؤكد أن بينهما حبا تتخلله مشكلات وهو الوضع الطبيعى لأى علاقة زوجية.

يبقى السؤال: هل هذه هى المذكرات الأخيرة لهيلارى، هل ستغادر السيدة، التى سبق اسمها العديد من الألقاب بدءا من السيدة الأولى إلى وزيرة الخارجية مرورا بالسيناتور، ولكن فى نهاية مذكراتها كتبت هيلارى: «كان هناك الكثير من الناس يأملون فى أن أختفى أيضا ولكن أنا هنا».