د. نصار عبدالله يكتب: عن الغمراوى والصفطاوى

مقالات الرأي



فى مقال الأسبوع الماضى ورد سهوا اسم الشاعر الغنائى حيرم الغمراوى بدلا من الشاعر المقصود بموضوع المقال وهو إمام الصفطاوى، ولم أنتبه إلى هذا السهو إلا عندما نبهنى إليه أحد القراء الأعزاء وهو الأستاذ: «محمد محمد» وذلك من خلال ما كتبه على صفحته بالفيسبوك، ولهذا السبب أجد نفسى مدينا بالاعتذار لسائر قرائى الأعزاء وعلى رأسهم الأستاذ محمد محمد بطبيعة الحال، كما أجد نفسى مدينا أيضا بالاعتذار للشاعرين الكبيرين: حيرم الغمراوى وإمام الصفطاوى أو بالأحرى لذكراهما العطرة، فقد تبين لى بعد كتابة المقال أنهما كليهما قد فارق الحياة بعد رحلة حافلة من العطاء الإبداعى أمتعنا كل منهما فيها عبر مسيرته الإبداعية بالعشرات من الأغانى الباقية فى وجداننا، ومن بين تلك الأغانى أغنية نجاة على: «فاكراك ومش هنساك» التى كانت كما ذكرنا فى مقال الأسبوع الماضى موضوع فصل فصول كتاب إذاعة الأغانى: سيرة شخصية للأستاذ عمر طاهر، وهو الكتاب الذى ذكرنى بالواقعة التى ذكرتها فى المقال والمتعلقة بلقائى الأول (والأخير أيضا) كاتب كلمات الأغنية والذى كان يعمل مديرا بالمركز الرئيسى للشهر العقارى الكائن بشارع رمسيس بالقاهرة، والذى ترنم بكلمات أغانيه الكثيرون من المطربين والمطربات من ألحان عدد من ملحنى الصف الأول من أمثال: محمود الشريف، وأحمد صدقى وعبدالعظيم محمد، وعلى إسماعيل، ومحمد القصبجى.. فمن المطربات اللاتى غنين له بالإضافة إلى نجاة على صاحبة الأغنية سالفة الذكر، هناك أيضا على سبيل المثال لا الحصر: سعاد محمد، وأحلام، وحورية حسن، ولوردا كاش، وفتحية أحمد، وعصمت عبدالعليم، ونازك، ونجاة الصغيرة، وعزة بلبع، ومن المطربين: محمد قنديل، وعبدالعزيز محمود، ومحمد عبدالمطلب، وعبدالحليم حافظ،.. ولم يقتصر الصفطاوى على الكتابة بالعامية فقد كتب بالفصحى عددا من القصائد من أشهرها: إذا ما الصبح نادانى.. بنور من سنا ربى، التى غناها عبداللطيف التلبانى،.. وكان الصفطاوى بذلك من القلائل الذين برعوا فى كتابة الشعر باللغتين: العامية والفصحى، أما الشاعر حيرم الغمراوى فقد كان معاصرا للشاعر إمام الصفطاوى، وتغنى بكلماته أغلب المطربين والمطربات الذين تغنوا بكلمات الصفطاوى، ومن بينهم على سبيل المثال من المطربات: نجاة على، ونجاة الصغيرة، ونازك، التى غنت له: «يا حلو تحت التوتة» وكذلك فايدة كامل التى غنت له بعد اندحار العدوان الثلاثى على مصر أغنيتها الخالدة: «عاد السلام يا نيل» بالإضافة إلى شريفة فاضل التى غنت له أغنية أصبحت من كلاسيكيات الأفراح، وأعنى بها: «مبروك عليك يا معجبانى يا غالى» والتى لا يكاد يخلو من ترديدها حتى يومنا هذا حفل خطوبة أو زفاف! ومن المطربين الذين تغنوا بكلمات الغمراوى: عبدالعزيز محمود الذى غنى له «يا ليل يا ابو الليالى»، وعبداللطيف التلبانى الذى غنى له: «من فوق برج الجزيرة»، بالإضافة إلى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذى غنى له: «والله مانا سالى».. غير أن أهم ما يجدر بنا ذكره ونحن نتكلم عن حياة الغمراوى هو أنه أول شاعر وصحفى يدخل إلى البرلمان فى أول مجلس نيابى بعد ثورة 1952، وهو المجلس الذى انعقدت أولى جلساته عام 1957 أى منذ ستين عاما بالتمام والكمال، أما قصة دخوله فى المجلس فهى جديرة بأن تروى إذ أنه خاض المعركة الانتخابية ضد مرشحين من الوزن الثقيل لهم أرصدة ضخمة من المال والأتباع والعزوة العائلية بينما هو لا رصيد له إلا ثقافته وأشعاره التى تتردد كلماتها على الألسنة، وقد بنى الغمراوى دعايته على أساس وعده لأبناء دائرته بإنشاء مصنع للغزل والنسج يتم تمويله بالاكتتاب العام، وقد نجح الغمراوى بالفعل فى جمع ما يقرب من مليون جنيه من التكلفة الإجمالية للمصنع التى كانت تقدر فى ذلك الوقت بأربعة ملايين! وعندما سمع عبدالناصر بالمشروع أمر بتدبير المبلغ المتبقى من ميزانية الدولة، لكى يكون هذا دافعا للمواطنين جميعا أن يأخذوا بزمام المبادرة ويسارعوا إلى الاكتتاب فى المشاريع الإنتاجية واثقين من أن الدولة لن تخذلهم ولن تتركهم وحدهم إذا ما قطعوا فى الطريق شوطا معقولا، وعلى هذا فقد تحقق مشروع الغمراوى بالفعل وتحول الحلم بإنشاء مصنع نسيج فى ميت غمر إلى حقيقة قائمة، وأصبح حيرم الغمراوى مديرا للمصنع، فكسبته الحياة الاقتصادية ولكن خسرته فى نفس الوقت الحياة الفنية، إذ إنه انشغل بإدارة المصنع عن كتابة الشعر فبدأ نشاطه الشعرى يتقلص إلى أن توقف تماما فى مرحلة لاحقة، وبعد أن كان الغمراوى ينسج بكلماته لوحات شعرية أصبح مدير لمصنع ينسج بالمعنى الحرفى للكلمة أقمشة من أفخر الأنواع التى صنعت فى ميت غمر.