"الكارت الجنائى".. حلم البراءة يتحول إلى كابوس "مسجل خطر"

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


الداخلية لم تراع التحديث المستمر لبيانات الصحيفة الجنائية


حصلوا على البراءة، بعد عناء، ظنوا أنهم بذلك غسلوا أيديهم وسمعتهم من ذنب أو جريمة، ورغم انتظار حكم البراءة لفترات طويلة وعصيبة، إلا أنهم لم يهنئوا به، فهم ما زالوا متهمين رغم براءتهم و«مسجلين خطر»، رغم انتفاء الجريمة.

لذا، ينظر القضاء الإدارى سيلا من قضايا "محو التسجيل الجنائى"، كون هذه القضايا لم يتم شطبها، ومن ثم تضع صاحبها فى مصاف المجرمين، فإن كنت سيئ الحظ، ستجد نفسك مسجلا خطرا فى جنحة تبديد منقولات الزوجية على سبيل المثال.

فقد تضعك جنحة تبديد منقولات الزوجية المثبتة على كارت المعلومات الجنائية، الذى يتضمن كافة الجرائم المرتكبة ضمن المجرمين الأشد خطرا على المجتمع.

ورغم صدور حكم من محكمة القضاء الإدارى بضرورة أن يقتصر كارت المعلومات على المسجلين خطر فقط، وأن تسجل الاتهامات والقضايا للشخص الطبيعى بصحيفته الجنائية، إلا أن وزارة الداخلية لم تعتد بهذا الحكم، ولم تراع التحديث المستمر لبيانات الصحيفة الجنائية.

وهذا ما قد يحرم شخصًا من تولى أحد المناصب لاتهام والده بجنحة سرقة أو شيكات حصل فيها على براءة منذ عشرين عاماً أو أكثر، ما يضطر العديد من الأشخاص إلى إقامة دعاوى قضائية لشطب هذه القضايا، وعلى الرغم من ذلك لا تلتزم وزارة الداخلية بتنفيذ هذه الأحكام، وتظل «حبرا على ورق»، وتتسبب فى حرمان العديد من الأشخاص من تولى المناصب المهمة ووصمتهم بالعار والإجرام طيلة عمرهم.

وقال محمد الجندى، محامى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى،  إن جميع الاتهامات تضع المواطن على كارت المعلومات الجنائية، حيث جميع القضايا التى يتهم فيها الإنسان ويحكم عليه حكم قضائى، تسجل هذه الأحكام تلقائيا سواء قضى فيها بالإدانة أو بالبراءة؛ لأن ذلك يمثل تاريخا لكل الأشخاص الذين يتم اتهامهم فى تلك القضايا.

وتابع: هناك اختلاف بين القضايا الماسة بالشرف والقضايا الجنائية العادية، مثل قضايا الضرب أو غيرها، فينظر إلى مثل تلك الأحكام عند تقدم الشخص أو ذويه إلى إحدى الكليات العسكرية أو النيابة العامة لتحديد التاريخ أو السجل الإجرامى أو غيره، بأنه من ذوى الخطورة أو أحد ذويه، فيأخذ ذلك فى الاعتبار عند الترشح لوظيفة قيادية معينة.

والقضايا الماسة بالشرف مثل قضايا المخدرات، الآداب، السرقة، توضع فى عين الاعتبار، فطبقا لكارت المعلومات الجنائية تدرج ضمن المسجلين خطر، طالما سجل ضدك أى قضايا حتى لو حكم عليك بالبراءة، وتشمل هذه القضايا الجنح والجنايات.

 وكشف أحمد قناوى، محام، أن قضايا محو التسجيل الجنائى تتطلب التقدم أولاً بطلب إلى وزارة الداخلية، وفى الغالب ترفض هذه الطلبات ثم تقام دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، والأحكام فى هذه القضايا لا تنفذ ويظل المدانون لدى وزارة الداخلية، مشيراً إلى أنه رغم الحصول على البراءة فى بعض القضايا إلا أن استمرار التسجيل الجنائى لدى وزارة الداخلية يعرض هؤلاء الأشخاص لمعاناة طويلة، سواء باستيقافهم فى الكمائن واصطحابهم للقسم، ولا يخلى سبيلهم إلا بعد تقديم شهادة بالحصول على البراءة فى هذه الاتهامات المسجلة بكارت المعلومات الجنائى.

وعدم اهتمام وزارة الداخلية بتحديث المعلومات الجنائية عن الأشخاص فى القضايا يحرم العديد من تولى الوظائف، خاصة فى المناصب الحساسة، فقد سبق اتهام شخص بمحضر إدارى، وقامت مديرية الأمن بمحافظة المنوفية بقيد الاتهام بسجل المعلومات الجنائية دون أن تتابع مصير المحضر وتسجيل ما تم فيه سواء بالحفظ أو بتقديمه للمحاكمة الجنائية والحكم عليه سواء بالبراءة أو الإدانة، وذلك حتى تكون المعلومات كاملة عن الموضوع،  وذكر الاتهام فقط.

وأقام شخص دعوى محو تسجيل جنائى وإلغاء القرار السلبى لمديرية أمن المنوفية بعدم محو وشطب التسجيل الجنائى للمدعى، حيث كان يعمل بمصلحة المساحة ببركة السبع منوفية، وتقدم ابنه مصطفى للالتحاق بمعهد أمناء الشرطة، وبمناسبة عمل التحريات عنه فوجئ بأنه مقيد بالسجلات الجنائية، وأنه من أصحاب السوابق والمشتبه فيهم، استنادًا إلى سابقة اتهامه فى المحضر رقم 7417 لسنة 1979 جنح شبين الكوم، والذى انتهى فيه قرار النيابة العامة باستبعاده من الاتهام، ولم تتم إحالته إلى المحاكمة، وامتنعت جهة الإدارة عن محو قيد تلك المعلومات بمقولة إنه لا يمكن شطبها، وأدى ذلك إلى حرمان نجل المدعى من الدراسة بمعهد أمناء الشرطة.

التسجيل الجنائى قد يعرضك أيضاً للاستيقاف مرات عديدة فى الكمائن، رغم الحصول على البراءة فى الحكم أول درجة، وهذا ما حدث مع "ض. م " الذى تم استيقافه فى أحد الكمائن وقضى ليلة كاملة فى القسم، رغم حصوله على البراءة فى قضية مخدرات منذ عامين، ومن سوء حظه أنه لم يتذكر الشهادة التى تستخرج من جدول الجنايات وتفيد ببراءته فى القضية، وهى الشهادة التى يحملها معظم المتهمين فى القضايا، حتى لا يتعرضوا لمضايقات فى الكمائن الأمنية.

مشكلة أخرى يواجهها المسجلون جنائياً، رغم حصولهم على البراءة، وهى المنع من السفر، وهو ما حدث مع "ك.س" الذى اضطر للعودة من المطار وهو فى طريقه إلى دولة الكويت؛ بسبب اتهامه فى قضية تبديد إيصال أمانة، رغم حصوله على البراءة منذ ثلاث سنوات، واضطر إلى العودة لاستخراج شهادة بالحكم بالتصالح للتمكن من السفر.

تشابه الأسماء أيضًا قد يتسبب فى إدراجك كمتهم فى التسجيل الجنائى، فبسبب تشابه اسم "م.س"، طبيبة، مع أخرى متهمة فى قضية آداب، تم القبض عليها أثناء سفرها إلى شرم الشيخ، وحتى الآن تظهر تلك القضية أثناء عمل التحريات عنها، وهو الأمر الذى يضعها فى حرج ويمنع أبناءها من الترشح لتولى مناصب حساسة.