في ذكرى وفاته.. قصر محمد نجيب "مش باقي منه غير سور" (صور)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



بينما يمتد ضجيج المارة بعد قطع المسافة لمحطة مترو المرج، إلى الشوارع التي تهدأ فيها أصوات سيارات الأجرة و"التوك توك"، وتتسابق الخطوات للذهاب إلى المنازل لأخذ قسط وفير من الراحة، كان يجلس "عبد العزيز" يستمع إلى الراديو ويتنشق من بين كلمات كوكب الشرق أم كلثوم، عبير سنوات مضت فيتذكر الرئيس الأسبق محمد نجيب الذي كان يبعد عنه بأمتار قليلة قبل سنوات بعيدة.

 

يرتكن الرجل السبعيني على زواية الكرسي، ويغوص في بحر ذكريات طفولته، فلم يكن يعلم حينها إلا إنه يسعد برؤية الرئيس الأسبق محمد نجيب والراحل جمال عبد الناصر، فهنا كان يصطحبهما الفرسان، وهنا كان أهالي المرج، يجلسون في حلقة لسماع مذياع واحد للمنطقة بآثرها في صغره ينقل خطب الرؤساء.

 

تبتعد الخطوات من "عبد العزيز" لاستقلال "توك توك" إلى قصر محمد نجيب، بعد الكثير من المحاولات البائسة لتعريف بعض أهالي المنطقة بمكان قصر محمد نجيب للوصول إليه، برغم كونه عاش فيه ما يفوق الـ 29 عامًا، بعدما حددت إقامته عقب تركه رئاسة الجمهورية.

 

يجول سائق "التوك توك" في شوارع يختفي منها معالم الماضي، يحاول الوصول إلى مكان ربما يمر عليه كثيرًا ولكنه لا يعلم أهميته، ليستقر بعدما جف لعابه من السؤال عن مقر قصر محمد نجيب، والذى كان يحمل اسم "زينب الوكيل"، زوجة الزعيم الوفدى ورئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس، ويقع ضمن عزبة تحمل اسمها، وبعد ثورة يوليو أصدرت محكمة الثورة قرارًا بمصادرة العزبة وضمنها القصر، الذى عرف أيضا باسم "قصر المرج"، قبل أن يتم اتخاذه مقرًا لإقامة نجيب حتى عام 1971.

 

ما إن تطأ قدميك المكان تغطى رائحة القمامة المتصاعدة على كل ما كان يحمله من جمال، وتصطدم العيون بكون قصر محمد نجيب أو "فيلا المرج" كما كان يطلق عليه، لم يتبقى منه إلا سور ولافتة لمدرسة لم تظهر أى معالم لها.

 

تتسابق الأسئلة للتأكد من المكان، لتأتي الردود التي يقطعها أصوات الكلاب الضالة، لتؤكد أنه بعينه، ليكون السؤال بمثابة وخز لبحر ذكريات الحاج حسن، الذي يتلاصق منزله مع مقر قصر محمد نجيب.

 

فبنظرة آسى لما آل إليه القصر، يعود الرجل الذي شارف على الثمانين عامًا إلى عمر الأربع أعوام عندما كان يحمله والده على كتفه، ويرى "محمد نجيب" في المرج، وبعدها في القصر ، فيتذكر ملامحه جيدًا، كما لم يغيب عن ذاكرته الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما شاهده في التحرير.

 

يتحسر الحاج حسن لكون القصر لم يتبقى منه شيء "محدش بقي يعرف إنه قصر محمد نجيب.. كل حاجة مبقتش موجودة.. ولا بنشوف حد اشترى المكان ولا حاجة.. كل اللي شايفينه يافطة المدرسة على السور".

 

يأخذ الرجل حفيده الذي كان يؤنسه خلال فترة ما بعد العصر ويختفي داخل منزله، واليأس يغطى ملامحه وجهه من بين تجاعيده.

 

وقبل أن تغرب شمس يوم الثامن والعشرون من أغسطس وهو ذات اليوم الذي رحل فيه الرئيس الأسبق محمد نجيب في عام 1984، لم يتبقى شيء في مقر إقامته سوى سور وقمامة.