مشاهد من المأساة.. مصور مكسيكي يتحول من صائد لقصص "كورونا" إلى أحد ضحاياها

عربي ودولي

المصور المكسيكي
المصور المكسيكي



يكثر الأبطال المختفين خلف مشهد كورونا، فلا يراهم الكثيرين بينما أعمالهم هي ما يتابعها الجمهور، وأحد أبرز هؤلاء الجنود المجهولين هو الصحفي، ولذلك تقص صحيفة "لا بيرنسا" المكسيكية قصة أحد صحفييها الذين أصيبوا بفيروس كورونا المستجد "كوفيد - 19" وتماثلوا للشفاء من المرض.

*التصوير في زمن كورونا
"كونك صحفيًا في أوقات الوباء مهمة ليست سهلة" بتلك الكلمات استهل خوسيه ميلتون المصور الصحفي لصحيفة "لا برينسا" المكسيكية قصته، مبينًا أنه عندما يكون مهمته في الشارع الإبلاغ عن القضايا هو شيئ ليس سهلًا، مع الخوف من الإصابة بكورونا، والقلق الناتج عن وجود مزيد من الأشخاص التي تظهر أختباراتهم إيجابية كل يوم، تجعل من الصعب مهمة جلب معلومات موثوقة للقارئ حول ما يحدث في البلاد.

وبدأت المكسيك اتخاذ التدابير في جميع غرف الأخبار بوسائل الإعلام، والبعض كان سعيد الحظ لأن نشاطهم يمكن القيام به من المنزل، والبعض الآخر بسبب طبيعة عمله كان عليه البقاء في الشارع بحثًا عن الأخبار، ربما في هذه المرحلة من الوباء كان هناك القليل من الخوف لأنه اقتصرت الحالات المؤكدة على الأشخاص الذين سافروا إلى أماكن الخطر.

وكان أصعب شيء على "ميلتون" أنه يواجه عدو غير مرئي، وبالفعل بدأوا في استخدام أقنعة للوجه كما فعلوا في وباء سابق عام 2009، واحترام المسافة وتجنب الازدحام، وعندما وصل المرض إلى المرحلة الثالثة من العدوى، لم يكن الهدف سوى الاعتناء بأنفسهم وعدم نقل العدوى لعائلاتهم.

*الخطر يطرق الباب
تحولت المسألة لطور أكثر خطورة عندما بدأت الشرطة في العاصمة في تصدر عناوين الصحف بسبب السرعة التي أصيب بها رجالها، وهنا إقترب الخطر لأن مصوري المذكرة الحمراء "لقب يطلق على المصورين الميدانيين" هم الأكثر اتصالًا بهم، وإزدادت مع ذلك عمليه إستخدامه لكميات كبيرة من الكحول وأقنعة الوجه، ولكن ذلك لم يمنع المعارف أو حتى الأصدقاء أن يصابون بالمرض من حول ميلتون وبعض زملاؤه، مما ولد لديه شعور رهيب يهمس في أذنه قائلًا:"مهما فعلت، فإن الشخص التالي قد يكون أنت"

شددت التحذيرات الأمنية أكثر فأكثر، بعد أن إصيب المزيد من رجال الشرطة والعاملين في محاكم العاصمة، وكان الخبر الأسوأ هو فقدان ديفيد ألفارادو عميد مصوري المذكرة الحمراء حياته في صراعه مع "كوفيد-19"، ولكنه إستمر في العمل وإلتقاط الصور عن بعد كلما أمكن، وكان يمكث في المنزل يومين في الأسبوع، وفيها كان يتوق إلى البقاء في المنزل وأن يكون مسؤولًا عن ارشادات الحكومة، ولكن بقية الأسبوع كانت مجرد مزحة سيئة سماع مقولة "البقاء في المنزل".

*اللحظات الأولى
بعد يوم طويل من أكثر من 13 ساعة من العمل، تمكن ميلتون من العودة إلى منزله، على الطريق وعلى الرغم من الركوب بسرعة كبيرة على الدراجة النارية، إنتابه شعور جسدي بالحرارة، وكانت هناك أشياء كثيرة تمر في ذهنه وكان خائف من قياس درجة حرارته التي اكتشف إنها عالية جدا. عند الوصول، بعد طقوس التطهير، اتخذ قرارًا بقياس درجة حرارته.

ووضع المصور المكسيكي الترمور ليرى أن درجة الحرارة أصبحت 38.2 في إشارة تحذير، انتظر نصف ساعة وأكثر، لأنه خرج من الشارع ودافئًا إلى حد ما، ولكن دون جدوى لأن النتيجة لم تتغير، وحينها اتصل بخدمة الطوارئ ليجد سلسة من الأسئلة والأجوبة، خوفًا من أن يكون مخطئًا أو مبالغًا في أي رد، طلب من زوجته مساعدته في الإجابة على الأسئلة، وبعد عشر دقائق من إجراء الاختبار برسالة جاء الجواب النهائي، أنه يجب أن ينتقل لعمل "بي سي أر" في المستشفى.

*في المستشفى
ووصف ميلتون شعوره بأن الإختبار كان مزعج، ولكن الأكثر إزعاجاُ المهنيين الصحيين يضطرون إلى ارتداء طبقات وطبقات من بدل السلامة لأن هناك أشخاصًا لم يفهموا منذ البداية أنه يجب عليهم البقاء في المنزل، وإستغرق الأطباء وقتُا للاستعداد للاختبار، وحتى إعطاء كلمات التشجيع، وبعد القيام بالإختبار، أبلغوه أنه ربما تكون الأعراض لديه خفيفة، وأن عليه البقاء متيقظًا على أمل أن يحدث كل شيء في المنزل، وان النتيجة ستظهر بعد يومين.

بعد يومين من الاختبار جاءت المكالمة التي كان يتوقعها، ولكن بالنتائج التي رفض الاستماع إليها: "تحدثنا إلى وزير الصحة لإبلاغك بأن اختبارك لفيروس كوفيد-19 إيجابي، نوصي بالعزلة واليقظة الشديدة..."، وهو ما لا يريد أحد سماعه، وأعقب هذه الأيام الرهيبة أصيب بعدة أمراض أخرى متلازمة مع الفيروس وصداع يصعب السيطرة عليه بالأدوية، وبحلول ذلك الوقت، تحولت العزلة من كونها مجرد إجراء احترازي إلى مسألة ذات أهمية حيوية، لأنه مع وجود قاصرين في المنزل وشخص بالغ واحد فقط، كان من الكماليات السماح بالعدوى أن تنتشر.

*في مواجهة المأساة
يستكمل المصور الصحفي المكسيكي قصته، بأنه كان مستعد لمواجهة الجائحة، فهو يعرف الكثير، لقد قرأ الكثير لدرجة أنه يعرف ما يجب عليه فعله ولديه الحقيقة والشيء الوحيد الذي يسيطر عليه هو الخوف؛ لأنه في النهاية ستكون القصة التالية التي ستروى هي قصته، القصة المحزنة للمراسل الذي روى قصصًا سابقة.

مرت لحظات صحبة على دي مارثيلو، لأن الحمى تجعله يهلوس تقريبًا، غير آلام الجسم والعظام، ولكن كل هذا لا يقارن بالشعور بلحظة ضيق في التنفس والتي تجعل حياته كلها تمر أمام عينيه.

تسببت نوبة قلق ناتجة عن الألم الشديد الذي تسببه المتلازمة مع ضيق التنفس، إلى إحضار مسعف من فرقة الإنقاذ والطوارئ إلى منزله لتقييم حالته الصحية، واستمع فقط للتشجيع منه، لأن زوجته وابنته بالكاد يعرفان ما يحدث داخل غرفة النوم حيث كان معزولآ لعدة أيام.

*أوقات عصيبة
تزايدت الحمى وأصبحت أكثر حدة، على الرغم من بعد فتراتها، إلا أن محاربتها فقط بدواء أسيتامينوفين وكمادات الماء البارد يمثل تحديًا متزايد الصعوبة، لأنه بالإضافة إلى المرض كان عليه القيام بذلك بمفرده، حيث لا يمكن لأحد دخول الغرفة، واستمرت ثلاثة أو أربعة أيام من هذا القبيل، الحمى في الصباح بعد الفجر ودرجات الحرارة المرتفعة حوالي منتصف الليل.

مرت فترة الخطر على دي مارثيلو، وتماثل للشفاء، وكان أول قرار يتخذه هو النزول للشارع مرة أخرى لإلتقاط صور وقصص جديدة للجمهور، ولكن مع إتخاذ كافة وسائل الحيطة والحذر لكي لا يصاب بالمرض مرة أخرى.