"جريمة الدور الرابع" بنقابة الصحفيين.. هل نشهد تشويهًا لجسد صاحبة الجلالة؟

أخبار مصر

مبنى نقابة الصحفيين
مبنى نقابة الصحفيين - أرشيفية


يمتاز مبنى نقابة الصحفيين بطابع خاص، يأسرك فور دخولك مبناها من بابها الأزرق الكبير، الذي يعكس صورتك بشكل برّاق، بعد أن تخطو قدماك نحو 23 سُلمة مصنوعة من الرخام الأسود، ظلت من أشهر السلالم في مصر بل والوطن العربي لسنوات عديدة.


بريق لؤلؤ النجف يغازل عينيك عند دخولك للدور الأرضي، وكأنه ثريّا السماء، ويلفت بصرك لنافورة اشتهر بها الدور الأرضي للمبنى، وُضعت في واجهة الباب، كُتب عليها رسالة لكل مرتادي بيت صاحبة الجلالة، يذكرهم برسالتهم: (
ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ).

لمبنى نقابة الصحفيين رائحة خاصة، طالما تشبعت بالحرية، واختلطت بالهتاف والدماء، حتى أصبح كل ركنٍ فيها شاهدٌ على ذكرى لن تُنسى، سواء كانت للصحفيين أو لأيٍ من أبناء الوطن، فقط هنا بين أروقة صاحبة الجلالة، لم يخف أحدٌ أن يطلب حقًا.


حصل الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم نافع على دعم بقيمة 10 مليون جنيه عام 1995 لإنشاء المبنى الحالي للنقابة، ووضع حجر الأساس عام 1998، وتسلم المبنى بعد تأثيثه الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد في يوليو 2002.

وامتاز كل دور بالنقابة بشكل مختلف عن الآخر، وعلى مر السنوات أصبح لكل ركن لونه ورائحته الخاصة، وتناثرت على وجه الحوائط بالأدوار لوحات فنية، اختص بها فنانون صاحبة الجلالة، ولكلٍ منها قصة ورسالة.


اشتهر طابقان في مبنى نقابة الصحفيين خلال السنوات الماضية، وهم الطابق الأرضي، الذي طالما احتوى العديد من الوقفات الاحتجاجية والثورات والاعتصامات والفعاليات المختلفة، بالإضافة إلى كونه يحتوي مسرح النقابة، والذي يُعد من أكبر مسارح النقابات المهنية وأحدثها وأفخمها.


كما اشتهر الدور الرابع بالنقابة بأنه "دور الجمعية العمومية"؛ لاحتوائه على قاعتين من أهم قاعات النقابة، وهما قاعتا طه حسين ومحمد حسنين هيكل، بالإضافة إلى احتوائه على
جدارية للفنان الكبير الراحل فتحي محمود، وعدد كبير من الصالونات الراقية زرقاء اللون، التي تميز بها، فضلًا عن أنه ظل لسنوات عديدة رمزًا للجنة الحريات بالنقابة، ومقرًا لاجتماعاتها.


ومنذ سنوات قليلة فقط، وخاصة بعد اقتحام قوات الأمن لمبنى النقابة في عام 2016، تغيرت ملامح صاحبة الجلالة، وكأنها شاخت؛ فخلى بهوها من أي مظاهر ارتبطت به لسنوات، وفقدت ريحها، وأصبح الطابقان الأرضي والرابع على عروشهما، لم يعد يوجد مكان للجلوس، وحتى مجرد استعادة الذكريات، ولازمت "السقالات" منذ أشهر طويلة وجهها، بحجة التطوير الذي لا يبدأ ولا ينتهي، حتى اختفت ملامحها.


وحاول عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين الحالي، أن يستفهموا عن وجود "السقالات" على سُلم النقابة لأشهر طويلة دون تجديد، وأصدروا بيانات صحفية، وتقدموا بمذكرات رسمية للنقيب والسكرتير العام، في محاولة إعادة تأثيث الطباقين الأرضي والرابع، ولكن دون جدوى.


قلاش: جريمة في الدور الرابع.. كارثة أكبر من أن تتحملها ضمائركم

وأشعل الكاتب الصحفي يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق، الحديث حول إفراغ الطابقين الأرضيي والرابع بالنقابة من أثاثهما، وذلك على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في تدوينة بعنوان "جريمة في الدور الرابع".


وتسائل "قلاش" حول عملية تحويل الدور الرابع بالنقابة، الذي نطلق عليه "دور الجمعية العمومية"، طبقًا لفلسفة تصميمه، إلى نموذج للقبح والتشوه، وخنق المبنى وإخلائه من البشر، مؤكدًا أن هذا الدور يضم قاعة طه حسين، وأكبر قاعة للاجتماعات، وهي قاعة محمد حسنين هيكل، التي تتصدرها
جدارية  خص بها المثّال الكبير الراحل فتحي محمود مبنى النقابة القديم، بتحفة وقيمة فنية، انتقلت معنا للمبنى الحالي، لافتًا إلى أن الدور الرابع يحتوي على قاعتين للفن التشكيلي، قامت وزارة الثقافة بتأثيثهما على نفقتها، وكان مخططًا لهذا الدور أن يضم لاحقًا متحفًا عن تاريخ المهنة والنقابة.


وقال نقيب الصحفيين الأسبق، إن بهو النقابة الكبير فجأة أصبح خاليًا، الذي كان امتدادًا للقاعة الكبري بهذا الدور، من مجموعة الصالونات الراقية، وتم استبدالها بقواطع وأكشاك، وذلك بحجة إضافة مكاتب للإدارة، متسائلًا: "هل تتسع النقابة التي أضيف إليها دورًا كاملًا للتدريب، للموظفين، وتضيق على أعضائها يومًا بعد يوم في كل الأدوار؟".


وطالب "قلاش" من الدكتور ضياء رشوان نقيب الصحفيين، وأعضاء المجلس، التدخل لإنقاذ المبنى مما وصفه بـ"الجريمة"، التي ستزداد وطأتها إذا استمر هذا الأمر عند عقد جمعية عمومية أو غيرها من فعاليات مهمة.


وأضاف: "يكفي مسؤولية مجلس سابق عن قرار ولغز بإنفاق أكثر من ٢٠ مليون جنيه منحة من الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، كانت مخصصة لإنشاء نادٍ اجتماعي وثقافي على أحد أدوار النقابة، بخلاف الدور الخاص بمركز التدريب، على هدم وإعادة تأثيث مطعم النقابة بالدور الثامن بلا داعٍ أو ضرورة
".

وأكد "قلاش" أن حكاياتُ وقصصًا طويلة ارتبطت بمبنى النقابة منذ نشأتها عام ١٩٤١، ظلت مسار فخر كثير من مجالس النقابة علي مدى تاريخها، كل بما أضافه، وما قدمه، وما دافع عنه، واصفًا ما يحدث الآن، بأنه بعيدًا عن أعين الجميع، بسبب إخلاء المبنى على خلفية وباء فيروس كورونا المستجد، ما اعتبره بأنه "كارثة" أكبر من أن تتحملها ضمئر أعضاء مجلس النقابة وأعضاء الجمعية العمومية، موجهًا لهم رسالة قائلًا: "أناشدكم، وأثق أنكم لن تقابلوا هذا الفعل الفاضح والقبيح بالصمت".


شبانة يرد: كلام مُرسل

ورد الكاتب الصحفي محمد شبانة سكرتير عام النقابة، على كلام الكاتب الصحفي يحيى قلاش النقيب الأسبق، قائلًا: "لم أتصور أبدًا وصف الجريمة الذي كتبه قلاش، مؤكدًا أن جريمة حدثت بالدور الرابع بنقابة الصحفيين، فسارعت بالقراءة ليتعرف على هذه الجريمة بالنقابة، التي يشغل حاليًا منصب سكرتيرها العام، فوجد كلامًا مرسلًا لا تدقيق فيه.


وقال سكرتير عام النقابة، إن ما تحدث عنه "قلاش" بشأن ما في الدور الرابع هو صحيح، ولكن أحدًا لم يقترب من كل ذلك، وتم إنشاء عدد من المكاتب للموظفين بالناحية الأخرى، التي يعتبرها "قلاش" امتدادًا، وأنه بالانتخابات يمكن استخدامها كلجان انتخابية، مستنكرًا: "تلك هي الجريمة التي تحدث عنها بالدور الرابع".


وأضاف "شبانة" أن هذا المبنى عمره أقل من ١٧ عام، ووقت إنشائه، كان هناك حساب كبير بتوسعات قد تحدث بالمستقبل، مؤكدًا أنه يقدر النقابة وقيمتها، وهي فوق رؤوسنا جميعًا، ونحافظ عليها أكثر من أي أحد.


وشدد سكرتير عام النقابة أن أحدًا لم يقترب أبدًا من قاعاتها التاريخية، ولا من الجدارية، ولا من الدعم الذي دعمته بها وزارة الثقافة، إنما كان الهدف استيعاب الموظفين بعد أن تضاعفت أعدادهم، نتيجة لتضاعف أعداد الصحفيين وخدماتهم، وتم تحريك الصالونات للأمام قليلًا.

ولفت "شبانة" إلى وقت إنشاء النقابة، الذي لم يبلغ فيه عدد الصحفيين بمصر 3 آلاف، أن الآن فيقارب العدد الرسمي من 12 ألفًا، غير المتدربين والمعاونين والمنتسبين وأصحاب المعاشات، مما يجعل العدد قد يصل إلى 15 ألفًا، مؤكدًا أن الأعباء والخدمات زادوا من هنا، بما لا يمكن وصفه أو مقارنته بالماضي، وتضاعفت أعداد الموظفين، فكان لابد من تطوير إدارات النقابة، بعد أن ترهلت وضعف أداؤها، وكذلك تحتاج المكتبة للتوسع ومكان إضافي، بعد أن تراصت الكتب بالصناديق، وأيضًا يحتاج العلاج للتوسع بعد أن تكدست أعداد الصحفيين في غرفة صغيرة، انتظارًا لاستمارة تحويل لمستشفى أو استمارة تحاليل أو أشعة، ومنهم من زاد عمره عن السبعين والثمانين عامًا.


شبانة: أستاذ يحيى قلاش لم تكن موفقًا فيما كتبت

ولفت "شبانة" إلى أنه بنقابة الصحفيين العريقة، لا يوجد بعد مكتب مخصص للعلاقات العامة ولا للمعاشات، ومدير المبنى بلا مكتب، والشؤون القانونية يتراصون بغرفة ضيقة، ولا مكان لهيئة التأديب، ولا مكان للجان كاللجنة الاقتصادية والشؤون العربية وغيرها، وحتى أعضاء المجلس منهم من يجلس ثلاثة بغرفة واحدة ، مؤكدًا أن أحدًا لم يقترب من قيمة النقابة ولا تراثها، وأن الدور الرابع في عهد "قلاش" قبل أربعة أعوام، وكان أمينًا للصندوق، كانت أبوبه تغلق وأنواه تُطفأ في تمام الرابعة عصرًا، ولم يغضب أو يعلق وقتها.

واستطرد "شبانة" بأن التحديث بالمبنى أمر حتمي، وحين قام كسكرتير عام بوضع خطة لتطوير الجهاز الإداري، ليواكب التطور العصري والتحديات التكنولوجيا، لم يخطر في باله أبدًا أن يعتبره أحدًا مرتكبًا لجريمة تستدعى كل هذه الألفاظ الرنانة، والسطور التاريخية التي تتحدث وتخاطب الصحفيين -بحد وصفه- على غير الواقع والحقيقة.


وتابع قائلًا: "الأمر لا يزيد عن ما قلته، ولا توجد جرائم، ولا مؤمرات، ولا أي شىء من هذه الألفاظ الضخمة، لذلك فأنا محتار في تفسير السبب وراء ما كتبه الأستاذ يحيى، خاصة وأن سطوره تضمنت تلميحًا غريبًا عن المجلس السابق، متحدثًا عن قرار وصفه باللغز، واتهم المجلس السابق بإنفاقه أكثر من ٢٠ مليون جنيه كانت منحة من الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، في غير محلها، وبلا داعٍ أو ضرورة، وللأسف هذا قول باطل، واتهام غير مقبول".


ووجه ردًا لقلاش قائلًا: "أنت تعرف جيدًا أن حاكم الشارقة لم يتبرع بأموال للنقابة، إنما كان تبرعه عينيًا؛ بمعنى أننا تسلمنا المكان الذي قامت شركات الدكتور القاسمي نفسه بتأسيسه وليس المجلس، وأنه حين تم تعويم الجنيه قبل ثلاثة أعوام تقريبصا، فإن الشركة المنفذة للتطوير، وتتبع الشيخ القاسمي نفسه، هي التي قامت بتعديل التصور الأول، الذي كان بعهد يحيى قلاش كنقيب، إلى التصور الثاني بعهد عبدالمحسن سلامة كنقيب؛ نظرًا أن المبلغ المرصود لم يكن سيكفي وفق ما رصد الشيخ نفسه لشركاته وليس لنا نحن".


وفيما يخص تطوير المطعم والدور الثامن بالنقابة، أكد "شبانة" أن اتفاقها كان جديدًا مع الشيخ الذي قام بتطويره بعيدًا عن مركز التدريب، وتكلفته لم تزد عن إثنين مليون ونصف المليون جنيه فقط لا غير، وباقي مبلغ الخمسة مليون التي رصدها الشيخ القاسمي لتطوير المطعم، دخلت إلى أنشطة وصندوق النقابة.

وبنهاية رده وجه "شبانة" رسالة للنقيب الأسبق يحيى قلاش، قائلًا: "لم تكن موفقًا فيما كتبت، ولا توجد جرائم ولا مؤامرات نهائيًا، وأتمنى ألا يكون اقتراب موعد الانتخابات بمارس المقبل، سببًا في هذا الحديث".