طارق الشناوي يكتب: مسؤولية الدولة لا تسقط بالتقادم

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

أدعو الفنانة الوزيرة د. إيناس عبدالدايم، ألا تسمح أبدا فى عهدها ببيع قصر الأمير يوسف كمال، المقدر أن يطرح في المزاد صباح الغد بمدينة الأقصر.

لا أريد أن تمارس أى سلطة على من يدخل المزاد ويدفع أكثر، من حق الناس أن تشارك في المزاد، وكل يرفع الثمن للرقم الذى يراه ملائمًا، وعلى الدولة أن تدفع هي الأكثر.

لن نستطيع أن نمنع الورثة من البيع، فقط تملك الدولة أن تشترى ليتحول القصر إلى مشروع قومى بوجهيه الثقافي والاقتصادي.

لدينا في الحقيقة تاريخ موصوم بالكثير من الهزائم فى هذا الشأن، فرطنا فى كل شىء، كان من الممكن أن يصبح متحفا يُدر الملايين على الدولة، لديكم مثلا شقة فريد الأطرش لم نستشعر بأهمية اقتنائها عند رحيله فى ديسمبر 1974، فهى تحمل فى كل ركن ذكرى للموسيقار الكبير، بعدها بنحو شهرين فقط تم بيع فيلا أم كلثوم بشارع أبو الفدا بالزمالك، أتذكر أن الدولة في عام 75 قالت إنها ستشترى الفيلا وتحيلها إلى متحف، لكنها لحست كلامها، فباعها الورثة، ملحوظة لا أعتب على الورثة فهذا حقهم الشرعي. 

ما تبقى من فيلا أم كلثوم هو فندق يحمل اسم (الست)، وغرف كل منها يحمل أسم أغنية شهيرة (أنساك) و(بعيد عنك) و(دارت الأيام)، رغم أن فيلا أم كلثوم كل ركن فيها يحمل عبق الزمن، هنا كان يجلس عمالقة بحجم رياض السنباطى والشيخ زكريا أحمد ومحمد القصبجى وبيرم التونسى وأحمد رامى وعبدالوهاب وغيرهم، وتتابعت أخطاؤنا، آخرها شقة (أحمد زكي) لأننا ليست لدينا ثقافة الاقتناء للزمن القادم.

كل هذه الأماكن وغيرها تصبح مزارا للزائرين من مختلف دول العالم، تُدر أموالا، ناهيك على أن الدولة مؤتمنة أدبيا على حفظ تراث الوطن.

دأبنا على مهاجمة القنوات الفضائية العربية، التى تنبهت، فى مطلع التسعينيات، إلى تراثنا السينمائى واشترته من الورثة، وصارت تلك الأشرطة في حوزتها، سبق أن طالبت وقتها على صفحات (روزااليوسف) وزيرى الإعلام صفوت الشريف والثقافة فاروق حسنى بشراء الأفلام، التى تعد أحد أسلحة الأمن القومى، وبرغم أن الوزيرين تمتعا بنفوذ قوى عند الرئيس السابق حسنى مبارك، والدليل بقاؤهما 20 عاما على مقعد المسؤولية، وأظنها الأطول على مدى التاريخ، إلا أن أيا منهما لم يدرك أهمية أن تملك الدولة تاريخها.

من اشترى، ولو بثمن كبير أو بخس، فى الحد الأدنى أنقذ هذا التراث من العبث والدمار والضياع، لا نتحدث هنا عن النوايا أو المصلحة، لم تكن إنقاذا بل استثمارا، فليكن، وكنا نحن أولى فى الحالتين.

لدينا الكثير من التفاصيل المماثلة التى تتطلب من الدولة سرعة التدخل والحسم قبل أن نكرر نفس كلمات الحسرة.

لدينا مثلا تراث مكون من 40 لحنا بصوت الموسيقار محمد عبدالوهاب، عدد كبير منها لحنها لأول مرة، ولم يستمع إليها أحد، وزير الدفاع (الحربية) الأسبق الفريق شمس بدران أشار إلى أنه يحتفظ بها، وهى لاتزال حتى الآن بحوزة الورثة، هل هناك أى محاولة لاستعادتها؟ أبدا ولا (الهوا)!!.

سوف أشعر، كمصرى، بالخجل لو تقاعست هذه المرة أيضًا الدولة، بسبب إجراء روتينى عقيم، ولم تشتر غدًا قصر الأمير يوسف كمال!!.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).