السفير أحمد أبوالمجد يكتب: "كوكب اخضر 2"

مقالات الرأي

أرشيفية
أرشيفية

يكتسب العمل المناخي زخما في الوقت الراهن. فمنذ توقيع اتفاقية باريس عام 2015 وبدأت بلدان العالم في أخذ خطوات جادة بمجال المناخ بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية تدريجيًا وصولًا إلى معدل "صفر" انبعاث عام 2050، وهو أمر غاية في الأهمية أن تتحد البلدان المتقدمة مع النامية لإنهاء أزمة قد تشكل خطورة على البشر.

 

بدأت قمم المناخ المتتالية منذ عام 2015 في نقاش أطر لتقليل الانبعاثات والتي من شأنها المساهمة في وضع حد للكوارث الطبيعية، وارتفاع منسوب مياه البحار بفعل ذوبان الشمالي وتلوث الهواء وأمور أخرى لا تقل أهمية.

 

خلال القمة خرجت بعض التوصيات المهمة، لكن ما لفت نظري اقتراح "الاستثمارات الخضراء" ووضع خطط للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون بواسطة دعم الاستجابة لتطبيق نظام تسعير الكربون.

 

الاقتراح ليس جديدًا، ربما هو إعادة طرح لاتفاق قمة كوبنهاجن 2009، والتي فشلت بسبب اعتراض أكبر الدول مساهمة في إطلاق غازات دفينة (الولايات المتحدة والصين) لكن إعادة الطرح من جديد له أهمية في التنديد بخطورة الوضع الراهن.

 

تمثل الاستثمارات الخضراء عاملًا حيويا للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، ولتحقيق تحول جذرى فى الطاقة ينبغى علينا زيادة الأستثمارات لتمويل التحول من الوقود الاحفورى إلى مصادر الطاقة المتجددة عبر اعتماد شبكات الكهرباء الذكية، أي استخدام الكهرباء بدلًا من المستخرجات النفطية في النقل والبناء والصناعة. ولا شك أن القيام باستثمارات كبيرة في مرحلة التحول سيكون بالغ الأهمية. وعلى سبيل المثال، نجد أن الشخص الذي يرغب في شراء سيارة جديدة قد يكون أكثر استعدادا لشراء سيارة تعمل بالكهرباء بدلا من البنزين في حالة توافر محطات شحن المركبات بالكهرباء على نطاق أوسع. والاستثمار في أعمال البحوث والتطوير أيضا يمثل عاملًا رئيسيا وسوف يتعين تحقيق المزيد من التقدم التكنولوجي حتى يصبح التحول إلى صافي الانبعاثات الصفرية أمرا ممكنا.

 

ورغم أن تخفيض الانبعاثات قد يترتب عليه ارتفاع تكلفة الاستثمارات في المراحل الأولى المقترنة بإنشاء بنية تحتية جديدة، فإنه سيؤدي إلى خفض التكاليف المتكررة نتيجة الانخفاض في استهلاك الوقود. فتركيب ألواح الطاقة الشمسية لتزويد مضخة مياه بالطاقة في إحدى القرى الريفية مثلا سينطوي على تكلفة جديدة في البداية، ولكن الطاقة المستمدة من الشمس مجانية. 

 

وعلى مستوى الجهود الحكومية في تحقيق التحول إلى اقتصاد عالمي منخفض الكربون. ينبغي أن تعمل الحكومات على الانتقال إلى نظام أكثر شمولا لإعداد ميزانيات خضراء، واستكشاف ما تقدمه الميزانيات من حوافز "بُنية" و"خضراء" على حد سواء والمساعدة في مواءمة الميزانيات مع المساهمات المحددة وطنيا وأهداف اتفاق باريس بشأن تغير المناخ.

 

كيف سيبدو النجاح في مؤتمر المناخ القادم بشرم الشيخ ؟ هنالك ثلاثة عناصر كبيرة. الأول يتعلق بالوعود التي قُطعت في الماضي، ولا بد من احترام هذه الأهداف واستكمالها، لا سيما تعهد الدول المتقدمة باستقطاب 100 مليار دولار سنويًا لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ. هذا الالتزام مهمٌ للغاية لبناء الثقة اللازمة للخروج من المؤتمر كمجتمعٍ دولي ذو هدفٍ مشترك، وهو جعل اتفاق باريس حقيقةً واقعة.

 

ثانيًا، نحتاج إلى إنهاء المفاوضات حول اتفاقية باريس وتنفيذها بالكامل. لقد كنا نتفاوض بشأن المبادئ التوجيهية التشغيلية لمدة خمس سنوات، وليس لدينا المزيد من الوقت لذلك، فالقضايا الهامة تحتاج إلى حل.

 

ثالثًا، نحتاج إلى زيادة الطموح في ما يتعلق بالتخفيف، ولكن أيضًا في التكيف والتمويل باعتبارها الركائز الثلاث الكبرى لنظام تغير المناخ.

 

لسوء الحظ، نحن في حالة طوارئٍ مناخية. لدينا بالفعل اتفاقية باريس، والتي تقدم لنا إرشادات حول كيفية الخروج من حالة الطوارئ هذه. لكن التقرير الأخير حول المساهمات المحددة وطنيًا يُظهر أننا لم نقترب في أي مكانٍ من هدف اتفاقية باريس البالغ 1.5 درجة بحلول نهاية القرن. تأخذنا البيانات إلى أقل من 1 في المائة من الانخفاض في الانبعاثات بحلول عام 2030، فيما يخبرنا العلم بأن التخفيض يجب أن يكون 45 في المائة. أمامنا 8 سنوات فقط لإجراء تحولاتٍ عميقة، وهي تتطلب اتخاذ قراراتٍ الآن وإيجاد حلولًا منسقة على جميع المستويات لمساعدة الدول على التحرك نحو خفض مستوى الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري ولنحافظ للأجيال المقبلة على كوكب أخضر صالح للحياة.