طارق الشناوي يكتب: "إيزابيل هوبير".. تعتذر عن "الدب الذهبى" بسبب كورونا

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

   
هذه الدورة هى الأضعف فى تاريخ المهرجان، رغم تقديرنا قطعًا لكل الأسباب التى يعيشها العالم بعد (كورونا) وتوابعها، أقيمت مهرجانات أخرى واقعيًا، تمكنت من تحقيق نتائج أفضل من خلال شاشات العروض المتنوعة وأيضا الإقبال الجماهيرى والمتابعات التى رصدتها (الميديا).. نُدرك الفارق.

الدورة رقم 72 من عمر المهرجان ليست أبدا لصالحه، وغياب العديد من الزملاء عن حضور هذه الدورة له قطعا ما يبرره، بالطبع لن تهتز الصورة الذهنية للمهرجان العريق، الذى يحتل مكان الصدارة فى العالم مع (كان) و(فينسيا).. حل (برلين) تاريخيا فى المركز الثالث حيث انطلق بعدهما ببضع سنوات، وذلك منذ مطلع الخمسينيات، كأحد توابع الحرب الباردة، عندما استبدلت دول العالم القوة العسكرية بالقوة الفكرية قبل أن يتم استخدام توصيف القوى (الناعمة)، وصارت الثقافة هى عنوان الصراعات.. ظل المهرجان قبل سقوط السور، الذى كان يفصل شطرى برلين إلى شرقية وغربية، تتنازعه الرؤية السياسية، ثم بات مع الزمن وتغير التوجهات معبرا عن الإنسان، مدافعا عن الحريات.



كثيرا مثلا ما احتفى فى السنوات الأخيرة بالسينمائيين والسينما الإيرانية، التى لاقى عدد من صناعها عنتًا من الدولة، لأنهم ينادون بالحرية، مثل جعفر بناهى ومحمد رسولوف.. وكثيرا ما عُرضت أفلامهما ونالت أيضا جوائز (الدب الذهبى) أفضل فيلم، و(الدب الفضى) أفضل مخرج، رغم عدم تمكنهما من السفر بسبب قرارات الدولة الصارمة هناك، التى وصلت إلى حد حرمانهما من ممارسة الإخراج، إلا أنهما كنوع من التحدى إذا لم تتوفر لهما أفلام، كانا يرشحان للمشاركة أيضا فى لجان التحكيم.. كما أن أفلام مأساة المهاجرين سيطرت على المشهد فى العديد من الاختيارات، ومن باب التعاطف الإنسانى أطلت تلك الأفلام عند إعلان الجوائز مواكبةً أيضا للتوجه السياسى، رغم تأكيد المهرجان أن الاختيار فنى بالدرجة الأولى ولا مساحة لاعتبارات أخرى.



قبل بضع سنوات، كانت المشرفة على المطبخ الرسمى للمهرجان لتقديم الطعام للضيوف إحدى السيدات السوريات، فى دلالة مباشرة، ناهيك عن أن المرأة بوجه عام موجودة بقوة فى هيكل المهرجان التنظيمى، كما أن لها النصيب الأكبر فى كل الفعاليات.

كان هناك صوت قوى يميل أكثر إلى الاكتفاء هذه المرة بمهرجان افتراضى أسوة بالعام الماضى، ولاح أيضا شبح التأجيل أو الإلغاء الذى كان يطلّ بين الحين والآخر بقوة، فوقف كحائل نفسى ضد البحث عن الأجمل بين المتاح عالميا.. تقليص عدد الأيام للفعاليات، ووضع الضيوف أمام الأمر الواقع بتغيير مواعيد حجوزات الطيران للسفر والعودة وكل تفاصيل الرحلة وذلك فى اللحظات الأخيرة، مع تحمل الضيوف النفقات المادية للتغيير.. أدى كل ذلك إلى تراجع الكثيرين عن استكمال الإجراءات.

كل التفاصيل التى نتابعها هذه الدورة تشعرك بأننا نعيش شبه مهرجان، وشبه سجادة حمراء، وشبه جوائز، كما أن سوء الحظ واجه المهرجان قبل ساعات من حصول إيزابيل هوبير، النجمة الفرنسية الكبيرة على جائزة (الدب الذهبى) لإنجاز العمر، أصيبت بكورونا وأرسلت اعتذارا رقيقا.. لم تظهر عليها الأعراض ولكن فى النهاية حال ذلك دون حضورها.



عدد قليل جدا من الجمهور أمام دور العرض، التى أذهب إليها على الأقل ثلاث مرات يوميا، وكان خلو المقاعد هو العنوان، كثير من العروض التى تفتح للجمهور مع الصحفيين والنقاد أرى فيها تضاؤل العدد، ناهيك عن أن هناك تراجعا إعلاميا على المستويين العالمى والعربى.. تعودنا تواجد العديد من الفضائيات الناطقة بالعربية مثل: «الحدث» و«بى بى سى» و«العربية» و«إم بى سى» و«دبى» و«أبوظبى» و«الجزيرة»، كما أن التليفزيون الرسمى ممثلا فى (نايل سينما) له مساحة سنوية بفريق عمل لنقل رسائل يومية، لم يتمكنوا هذا العام من الحضور بسبب الخوف من الإجراءات الاحترازية، كما أن الصحفيين العرب المقيمين فى عدد من الدول الأوروبية جاء قرارهم هذه المرة بالاعتذار.

ويبقى فى النهاية أن نتأمل عددًا من الأفلام التى تواجدت بالمهرجان وحملت إبداعًا خاصًا مثل: الفيلم السويسرى (قطعة من السماء)، الذى أرى أنه من الممكن أن يقتنص الجائزة الكبرى التى أُعلنت مساء أمس. من اللقطات التى استقرت فى الوجدان وتعثر فيها على مفتاح الفيلم هذا الحوار:

(هل تؤمن بوجود الله)؟.

هكذا سألت الطفلة زوج أمها وهو على فراش الموت، فقال لها: (أعتقد بوجود الله).

ردت: (لماذا إذن لم يشفِك)؟

لم يجب، فقالت: (أنا أومن بالسحاب والسماء والثلج)، هذا هو عالمها المادى الذى تراه وتؤمن به.

المخرج مايكل كوخ يقدم فيلما تجرى أحداثه فى جبال الألب.. رجل وامرأة حسناء ولها ابنة من علاقة سابقة.. الخط المحورى يمزج بين الريف وهذا الانزواء التدريجى لبطل شاب مفعم بالحيوية والحياة والفحولة الجسدية، وفجأة يُطل شبح الموت بينما هو يتمنى الحياة.

حرص المخرج على أن يقدم الكورال أغنيات جنائزية تتخلل الأحداث، كلما اقترب من الموت زادت مساحتها وارتفع إيقاعها.

التماثل بين الثور فى المزرعة التى يعمل بها وبين الشاب، حتى إنهما يودعان الحياة معا وكأنه يتناول عبثية الحياة.. فيلم من بين اللمحات السينمائية القليلة جدا إلى حد الندرة فى تلك الدورة الاستثنائية حتى فى فقرها الفنى!!.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).