السيسي وأوباما في لقاء "تصفية الحسابات" بنيويورك بعد مراحل من التوتر



هند خليفة



اتسمت العلاقات المصرية الأمريكية بالتوتر الشديد بعد ثورة 30 يونيو، ولم يتضح موقف حقيقي للرئيس الأمريكي باراك أوباما مما يحدث في مصر، فبعض الوقت يعبر عن دعمه للرئيس السيسي والحكومة المصرية في تحقيق الاستقرار والديمقراطية واستكمال خارطة المستقبل التي رُسمت بعد الثورة، بينما في أحيان أخرى يهدد بقطع المعونة، وتتهم الإدارة الأمريكية السيسي باستخدام تلك المعونة واستغلالها في قمع جماعة الإخوان، وبين هذا الموقف وذاك كانت هناك مواقف عديدة بين البلدين تؤكد أن علاقتهما متوترة.

في الرابع من يوليو 2013، وبعد البيان الرسمي للقوات المسلحة والقوى السياسية بعزل الرئيس محمد مرسي والإعلان عن فترة انتقالية، في إشارة من أوباما لقطع المعونة الأمريكية لمصر، تساءل الرئيس الأمريكي: هل تدخل الجيش المصري سيكون له تأثير علي المعونة الأمريكية لمصر ، وأعرب عن قلقه من خطوة القوات المسلحة المصرية بعزل الرئيس محمد مرسي والاعتقالات تجاهه هو ومؤيديه، وتعليق العمل بدستور البلاد، مؤكداً على أن بلاده لا تقف بجانب صف أو فئة معينة وتحترم إرادة الشعب المصري، وطالب أوباما بعودة سريعة إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

بينما تغير الموقف الأمريكي في السابع من يوليو، حيث أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده لا تدعم أي حزب أو مجموعة سياسية في مصر، مديناً في الوقت نفسه، أعمال العنف التي حدثت في مصر حينها، ونافياً خلال اجتماع تم بينه ومجلس الأمن القومي الأمريكي، قيام بلاده بتوجيه العملية الانتقالية في مصر عبر العمل مع بعض المجموعات أو الأحزاب السياسية.

واتخذ الرئيس الأمريكي باراك أوباما قراراً بتأجيل تسليم طائرات إف 16 في 23 يوليو، بسبب الأحداث من بعد ثورة 30 يونيو، حيث كان مقرراً أن تتسلمها مصر بموافقة فريق الأمن القومي بالإجماع .

وفي 31 يوليو 2013، طلب الرئيس أوباما من جون ماكين وليندسي جراهام العضوين الجمهوريين البارزين بمجلس الشيوخ ولجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، السفر إلى مصر للاجتماع مع قادتها العسكريين والمُعارضة، وقال البيت الأبيض لاحقا، إنهما يمثلان نفسهما ومجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكي، وليسا وسطاء من قبل الرئيس باراك أوباما أو الإدارة الأمريكية.

ولم يتضح الموقف الأمريكي هل هو مع أم ضد 30 يونيو، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في الأول من أغسطس، إن الجيش المصري لم يستولى على السلطة، ولكنه قام باستعادة الديمقراطية في مصر، وأن الملايين من المصريين طلبوا من الجيش التدخل لأنهم كانوا يخشون أن تنزلق البلاد إلى العنف.

واستكمالاً لذلك في الـ 9 من أغسطس، تلقى المستشار عدلي منصور ، رئيس المحكمة الدستورية ورئيس الجمهورية المؤقت بعد عزل مرسي، برقية تهنئة بروتوكولية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمناسبة عيد الفطر.

وفي الـ 10 من أغسطس 2013، كتب ماكين وجراهام بعد عودتهما من مصر في صحيفة الواشنطن بوست ، أنهما يجدان من الصعوبة وصف الظروف التي عزل فيها مرسي من منصبه بأنها أي شئ آخر سوى انقلاب ، قائلين إن خطراً يكمن في رغبة المتطرفين والقوى الرجعية، بعضهم من داخل الدولة المصرية وآخرون من أنصار مرسي، في جر البلاد نحو مسار مظلم من العنف والقمع والانتقام، جاعلين أزمات مصر تسير حتما للأسوأ مهددة مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.

وفي يوم فض اعتصام أنصار جماعة الإخوان في ميداني رابعة والنهضة في 15 أغسطس 2013، والذي كان بالمشاركة بين قوات الجيش والشرطة، أصدر الرئيس الأمريكي بيانا مسجلا تطرق فيه إلى الأحداث الأخيرة في مصر، داعياً جميع الأطراف المتنازعة إلى وقف العنف، منددًا بتدخل الجيش المصري لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، ودعا وزير خارجيته أيضاً إلى رفع حالة الطوارئ في أقرب وقت ممكن وحث كل الأطراف على العمل للتوصل إلى حل سياسي.

واستكمالاً لتنديده بما حدث في فض رابعة والنهضة في 16 أغسطس 2013، أعلن الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي مخصص للشأن المصري إلغاء مناورات النجم الساطع العسكرية المشتركة مع مصر، والتي كان مقرراً بعد شهر من الأحداث، مهددًا بإجراءات أخرى على سبيل إعادة النظر في العلاقات، مؤكدًا ضرورة احترام الحقوق العالمية وحقوق الإنسان.

وتراجع الموقف الأمريكي مرة أخرى في الـ24 من سبتمبر، وقال أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن محمد مرسي أظهر عدم قدرته على حكم مصر، وأن الحكومة المؤقتة التي حلت محله استجابت لرغبات ملايين المصريين الذين رأوا أن الثورة اتخذت منحنى خاطئا، مشيرًا إلى أن أمريكا هوجمت من قبل كافة الأطراف في ذلك الصراع الداخلي بدعم الإخوان المسلمين، ولكنها تجنبت عمداً الانحياز إلى أي جانب لتشجيع تكوين حكومة تعكس بشكل شرعي إرادة الشعب المصري، والاعتراف بالديمقراطية الحقيقية، والتي تتطلب احترام حقوق الأقليات، وسيادة القانون، وحرية التعبير والتجمعات، ومجتمع مدني قوي.

وصعّدت الإدارة الأمريكية الأمور في الأول من أكتوبر، حيث قررت إدارة أوباما حجب تسليم طائرات مقاتلة ودبابات وطائرات هليكوبتر وصواريخ، بالإضافة الى 260 مليون دولار من المساعدات لمصر، مع مواصلة تقديم بعض المساعدات للقاهرة بما في ذلك قطع الغيار العسكرية وتدريب ضباط الجيش واموال لتشجيع التنمية الصحية والتعليمية والاقتصادية.

وفي 20 أكتوبر، استنكرت جماعة الإخوان موقف أوباما، حيث قالت إنه تنكر للوعود التي قطعها على نفسه في جامعة القاهرة عام 2009 بتحسين العلاقة مع العالم الإسلامي والتمسك بمبادئ الديمقراطية، عندما انحاز للديكتاتورية وتعاون مع ما أسموهم بـ الانقلابيين القتلة ، على حد وصفها، متهمين حكومات دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بتحريض الجيش على التدخل لعزل مرسي وإنهاء النظام.

وفي 21 نوفمبر، قال جون كيري، إن جماعة الإخوان في مصر سرقت ثورة 25 يناير التي أسقطت مبارك، وأن الإدارة الأمريكية سعيدة بتقدم مصر نحو استعادة الديمقراطية، وحجب جزء من المعونات العسكرية لا يقصد به فرض عقاب على النظام الجديد.

وفي رد فعل للإدارة الأمريكية بعد قرار الحكومة المصرية بإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية في 31 من ديسمبر، أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء ذلك القرار.

وفي الـ 12من فبراير 2014، كانت اللطمة الكبرى على وجه أوباما والإدارة الأمريكية، حيث قاما كلاً من عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك ووزير الخارجية نبيل فهمي بزيارة لموسكو التقيا فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، والتي أكد فيها بوتين دعمه لترشح السيسي لرئاسة مصر، وقال فهمي بعدها بأيام إن رد الفعل الأمريكي تجاه زيارته برفقة السيسي لروسيا يحمل عدم ارتياح، وإنه لم يفاجأ به، وتنمية علاقات مصر مع روسيا ليست نكاية في أمريكا وعلى الجميع أن يدرك ذلك.

وكخطوة لمصالحة مصر، أعلنت الإدارة الأمريكية في 22 إبريل أنها ستقدم 650 مليون دولار في صورة تمويل عسكري لمصر، في خطوة تقتضي أن يشهد وزير الخارجية الأمريكي أن مصر تحافظ على معاهدة السلام التي تربطها بإسرائيل، وأشارت واشنطن إلى أنها سترسل عشر طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي إلى مصر لمساعدتها في مكافحة المتشددين، إلا أنها استمرت في حجب مساعدات أخرى بمئات الملايين من الدولارات، إضافة إلى معدات أخرى طلبتها مصر من بينها صواريخ من طراز هاربون وطائرات مقاتلة.

ولم تكتفي الإدارة الأمريكية بالتدخل بالأمور السياسية فقط بل تدخلت أيضاً في الحكام القضائية، حيث علق وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في يوم 29 أبريل، على حكم محكمة المنيا بإعدام 37 متهما من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم وإحالة أوراق 683 آخرين للمفتي تمهيدا لإصدار حكم قد يقضي بإعدامهم، وقال: إنه على الرغم من اتخاذ مصر خطوات هامة نحو الديمقراطية كإقرار الدستور وبدء عملية الانتخابات فإن القرارات القضائية الأخيرة في مصر تمثل تحديات جادة أمام الجميع .

وفي 28 مايو، أكد أوباما في خطاب حفل تخرج دفعة جديدة في الأكاديمية العسكرية الأمريكية، أنه سيستمر في الضغط لتحقيق الإصلاحات التي طالب بها الشعب المصري.

وعقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية مباشرة في الـ 4 من يونيو، وفوز المشير عبد الفتاح السيسي، وصف البيت الأبيض في بيان له، الانتخابات الرئاسية المصرية بأنها سلمية وهادئة، ودعا السيسي إلى تبني إصلاحات ديمقراطية، تشمل الحكم بالمساءلة والشفافية وحماية القانون والحقوق، معربًا عن تطلعه العمل مع الرئيس الجديد.

وقال البيت الأبيض في الـ 10 من يونيو، إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصل هاتفيا بالرئيس المصري الجديد عبدالفتاح السيسي عقب حفل تنصيبه، مؤكدًا التزامه بشراكة استراتيجية بين البلدين، واستمرار الدعم للطموحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري.

وكانت زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأولى إلى مصر بعد تنصيب السيسي يوم 22 يونيو، وقال أن سبب زيارته هو التأكيد على قوة وأهمية العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى أهمية الشراكة بين البلدين لمحاربة المخاطر التي تواجه المنطقة وعلى رأسها الإرهاب.

ووجه البيت الأبيض دعوة لمصر، في الـ14 من يوليو، لحضور قمة للقادة الأفارقة في واشنطن بعد فترة من توتر العلاقات بين البلدين عقب عزل محمد مرسي.

وفي 15 يوليو، أشاد الرئيس الأمريكي، بالمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، معربًا عن أمله في أن تتيح هذه المبادرة العودة إلى الهدوء، وأكد أوباما على تأييده لجهود مصر في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، مشيرًا لحزنه الشديد لمقتل المدنيين في القطاع، معتبرًا أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها في مواجهة الهجمات بالصواريخ.

واعترضت مصر في الـ 3 من أغسطس، على التصريحات التي أدلت بها نائبه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية التي اتهمت فيها مصر باستخدام المساعدات الأمريكية لقمع المتظاهرين، حيث أرسلت الحكومة المصرية احتجاجاً رسمياً يفيد بذلك إلى الولايات المتحدة، نفت فيه تصريحات ماري هارفي، نائبه المتحدث الامريكي، وجاء في مذكره الاحتجاج التي طلب وزير الخارجية، سامح شكري، من سفارة مصر بواشنطن تقديمها أن التصريحات تنم عن جهل بالوضع في مصر .

وعودة للتدخل في الشأن المصري، دعا الرئيس الأمريكي، في الـ 7 من أغسطس لإطلاق سراح صحفيي قناة الجزيرة الثلاثة المسجونين في مصر بتهمة دعم جماعة الإخوان المسلمين.

وذهب السيسي في الـ 12 من أغسطس للمرة الثانية روسيا خلال شهور للقاء الرئيس بوتين، ما من شأنه حسب محللين أن يجدد مخاوف الولايات المتحدة من التقارب المصري الروسي، وعقدهما صفقة مبدئية للأسلحة بمقدار 3.5 مليار دولار أعلن عنها مسؤول روسي ولم تعلن عنها مصر.

وفي 20 من أغسطس، أعلنت مصر متابعتها عن كثب تصاعد أعمال العنف بين الشرطة الأمريكية والمتظاهرين في مدينة فيرجسون بولاية ميزوري، بعد مقتل الشاب الأسود مايكل براون، وبعدها أبدى الرئيس الأمريكي استياءه الشديد من بيان الخارجية المصرية الذي طالب الولايات المتحدة بضبط النفس، معتبرًا أن السيسي يحاول الانتقام منه بسبب موقفه مع جماعة الإخوان، وتدخل في الشأن الأمريكي.

وفي 31 أغسطس، أعلن باراك أوباما، عن موافقته على شحن الطائرات الأباتشي العشر التي اتفق على تسليمها لمصر في أبريل الماضي، لتمكين الجيش المصري من التصدي للإرهابيين في سيناء.

وسافر الرئيس عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى إلى الولايات المتحدة يوم الأحد 21 سبتمبر للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة، وطلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الاثنين 22 سبتمبرعقد لقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، أثناء وجوده في نيويورك حاليًا، لإجراء محادثات مهمة بين الجانبين، ويتقرر أن يتم عقد اللقاء بين الرئيسين، الخميس المقبل، على أن يكون لمدة ساعة، يعقبه مؤتمر صحفي بين الرئيسين لمدة 15 دقيقة للإعلان عن تفاصيل اللقاء المرتقب، وينتظر المصريون هذا اللقاء الذي سيتضح من خلاله الموقف الأمريكي وشكل العلاقات بين البلدين مستقبلاً.