مى سمير تكتب : فى الحب «كيمياء وفيزياء وفلسفة»

مقالات الرأي



البحث عن الحب فى «جوجل».. محرك البحث العالمى يصدم العشاق


■ ينافس «الإيبولا» و«دلو الثلج» فى الجماهيرية الإلكترونية ■ حالة عصبية قوية مثل الجوع أو العطش

لن تعرف المعنى الحقيقى للحب إلا إذا وقعت فيه، لن تدرك سر المعادلة الصعبة إلا إذا أصبحت أحد عناصرها، ولن تشعر بذلك الشغف إلا إذا اجتاحت جسدك رجفة بمجرد رؤياك حبيبك، كل هذه الشروط لم تمنع العالم من محاولة البحث عن إجابة واضحة ومحددة لمعنى الحب.

بحسب موقع جوجل الشهير فإن سؤال «ما هو الحب؟» كان من ضمن أكثر الأسئلة التى تم البحث عن إجابة لها على الإنترنت فى عام 2014.

احتل سؤال ما هو الحب؟ المرتبة الثالثة فى قائمة أسئلة «ما هو» وسبقه فى القائمة سؤال «ما هو مرض الإيبولا؟» وسؤال «ما هو تحدى دلو الثلج؟».

وسط الحروب، الاضطرابات الاقتصادية، التوترات السياسية، وعصر الهواتف المحمولة، لا يزال العالم يبحث عن الحب ويفتش عن الرومانسية. سؤال واحد ولكن إجاباته متعددة، وبين علم الفيزياء، النفس، الروحانيات، الفلسفة، حاولت جريدة الجارديان البريطانية العثور على إجابة لهذا السؤال الذى شغل العالم.

1- معادلة كيميائية

الحب هو كيمياء، هكذا يؤكد العلم. من الناحية البيولوجية فإن الحب حالة عصبية قوية مثل الجوع أو العطش، لكنه يستمر لفترة أطول. ويرى العلم أن الحديث عن أن الحب أعمى أو أن مشاعر الغرام غير قابلة للسيطرة عليها، لا يتعارض مع الحقائق العلمية التى تؤكد أن مشاعر الحب هى عملية كيميائية تخضع لقواعد ومعايير علمية. يفصل العلم بين مشاعر الإعجاب العابر الناتج عن الشعور بجاذبية تجاه الطرف الآخر وبين مشاعر الحب الحقيقية. عند الشعور بالإعجاب بالطرف الآخر لجماله فإن الجسد يطلق مجموعة متزايدة من المواد الكيميائية مثل التستوستيرون وهرمون الاستروجين. لكن فى حالة الحب الحقيقى حيث يتعلق الحبيبان ببعضهما البعض ويحدث بينهما ترابط ومشاعر تتخطى مجرد الإعجاب بالمظهر الخارجى، فى تلك الحالة فإن الدماغ يفرج عن مجموعة كاملة من المواد الكيميائية مثل الفيرومونات، الدوبامين، السيروتونين، الأوكسيتوسين، الفاسويريسين.

من وجهة نظر أكثر تطورا وعمقا، من الممكن النظر إلى الحب كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، فكرة ابتكرها الإنسان لكى يستطيع الحفاظ على علاقات طويلة الأمد، أسلوب دفاع مشترك لحماية الأسرة والأطفال وتعزيز مشاعر الأمن والطمأنينة. من وجهة نظر العلم، فإن الحب ليس إحساساً لكنه معادلة كيميائية من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو فكرة ابتكرها لكى لا يبقى وحيداً، لكى يضمن أن هناك طرفاً آخر سوف يشاركه الحياة وينتمى إليه.

2- حالة نفسية

من وجهة نظر الأطباء النفسيين فإن الحب له العديد من المظاهر. على العكس من الحضارة الحديثة، فإن الثقافات القديمة لم تقتصر المشاعر بين الرجل والمرأة على فكرة الحب. كان للحب الكثير من المظاهر المختلفة التى لم تقتصر على معنى واحد.

كانت هناك تعبيرات عديدة ومختلفة للتعبير عن أنواع مختلفة من الحب. تم استخدام كلمة «فيليا» للتعبير عن الحب الأخوى أو الصداقة الحميمة التى تجمع بين شخصين وتدفعهما للدفاع عن بعضهما البعض دون أن يكون هناك رابط عائلى يربطهما، وكانت تستخدم فى الأساس للإشارة للترابط العميق الذى يربط الجنود فى الجيش الواحد وتنشأ بينهم مشاعر قوية مع خوض المعارك القتالية مع بعضهما البعض. بينما يشير تعبير «لودس» إلى فكرة الإعجاب بالمظهر الخارجى والرغبة فى تقضية وقت دون التزام بارتباط طوال العمر. أما تعبير «براجما» فهو هذا الحب الناضج الذى يتطور على مدى فترة طويلة من الزمن بين الأزواج وينطوى على مشاعر الالتزام والتوافق والتفاهم. ويشير تعبير «أجابى» إلى حب البشرية بشكل عام. أما تعبير «فيلاتيا» يعنى حب الذات ولكن ليس فى صورة سيئة أو حب أنانى ولكن حب طبيعى للذات يجب الاعتراف به، فالإنسان فى الأصل يحب نفسه وهذا الحب يكون أساساً لقدرته على حب الآخرين، ففاقد الشىء لا يعطيه، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يحب نفسه فهو لن يكون قادراً على حب غيره. وأخيرا يأتى تعبير «آروس» وهو اسم إله الحب عند الإغريق ويشير إلى ذلك الحب القائم على الرغبة والشغف، وإذا لم يتحول «آروس» إلى «براجما» أو «فيليا» فإن هذا الحب لن يستمر وسوف يقضى على نفسه. الرغبة والشغف غير كافيين لاستكمال دائرة الحب التى تحتاج لمشاعر أخرى مثل الاحترام، التفاهم، الالتزام.

ويرى الطب النفسى أن تعبير الحب فى العصر الحديث أصبح يجمع كل هذه المفاهيم الستة المختلفة، وبشكل عام فإن الحب الكامل يتضمن هذه المعانى المختلفة، ومن الصعب أن تعيش كل هذه المعانى مع شخص واحد ومن هنا تكمن أهمية الأسرة والأصدقاء والمجتمع.

3- فلسفة الحب

فى الفلسفة فإن الحب هو التزام عاطفى. من وجهة نظر الفلاسفة فإن العثور على إجابة محددة لسؤال «ما هو الحب» لا يزال بعيد المنال. يرجع ذلك أن الحب ليس أمراً واحداً، فهناك حب الله، الوالدين، شريك الحياة، الأطفال، الوطن، الجيران، وغيرهم من الأشكال المختلفة للحب. كما أن للحب طبيعة متغيرة ومختلفة، فهناك حب أعمى، وآخر من طرف واحد، وحب مأساوى، وحب مجنون، وحب قوى وآخر مضلل. لكن تتفق كل أنواع الحب فى أنها نوع من الالتزام العاطفى الذى يحتاج إلى الاهتمام والرعاية حتى يكون قادراً على التطور والبقاء على قيد الحياة. فى هذا الإطار فإن الحب أكثر من مجرد مشاعر قوية، بدون الالتزام فإن الحب يصبح مجرد افتتان، وبدون عاطفة يصبح الحب مجرد تفان، وبدون رعاية يذبل الحب إلى أن يموت فى النهاية.

4- أدب العشق

فى الأدب فإن الحب هو المحرك الرئيسى لأعظم الأحداث الإنسانية، هو أساس الحياة والدافع وراء الإقدام على أى عمل. هناك نظرية تشير إلى أن الأدباء هم الذين اخترعوا فكرة الحب وذلك لكى تكتسب رواياتهم نكهة خاصة وتجذب القارئ الذى يقع أسير تلك المشاعر الغامضة ويظل طوال عمره يبحث عنها.. دون أن يدرك أن لا وجود لها.

وبحسب الروائى جوجو مويس- الحائز مرتين على جائرة أفضل روائى رومانسى- فإن الأدب تعامل مع مشاعر الحب باعتبارها المشاعر الإنسانية الأكثر قوة، والأهم فإن الحب هو المحرك الرئيسى لجميع القصص العظيمة، وليس المقصود ذلك الحب الرومانسى ولكن أيضا حب الوطن، الأبناء، الوالدين. إن المرحلة التى تسبق الحب هى التى تصنع منه حالة استثنائية، تلك العواقب التى تقف أمام الحب، تلك المشاكل التى تحيط به، ذلك العذاب الذى يأتى معه، كل هذا يصنع من الحب حالة استثنائية. وفى قائمة أكثر الكتب مبيعا على موقع الأمازون الشهير فإن الكتب التى تحتل قائمة أكثر الكتب مبيعا ما بين الكتب الرومانسية هى تلك الكتب التى تقدم للقارئ دليلاً للعثور على الحب أو الحفاظ عليه. وعلى الرغم من أن آلاف الروايات والأعمال الأدبية التى تناولت قصص الحب والغرام، فلايزال الإنسان يبحث عن المعنى الحقيقى للحب وكيفية العثور عليه. من أشهر هذه الكتب كتاب «خمس لغات للحب» الذى ترجم للعديد من اللغات ولايزال يحتل المرتبة الأولى على الرغم من صدوره منذ عدة سنوات. يقدم الكتاب خمس لغات يجب إتقانها من أجل الحفاظ على الحبيب أولها المجاملة، ثم تخصيص وقت خاص للحبيب، الهدايا، المساعدة وأخيرا اللمسات الدافئة.

5- الأسطورة

لكن قبل ظهور العلم والأدب والفلسفة، كانت الأسطورة هى التى تحرك مشاعر الإنسان فى العصور القديمة، وصنعت كل حضارة قديمة آلهة للحب والغرام، ونسجت قصصاً وحكايات عن تلك الآلهة.

فى الأساطير القديمة كان للحب مكانة خاصة وقصص ارتبطت بعالم العشق والهوى، ومع اسم يعنى «زهرة الريش الثمينة» كانت كسوتشيكيتزال هى آلهة الحب عند المكسيك. لايزال المكسيكيون يحتفلون بعيدها كل ثمانى سنوات، وكانت فى البداية رمزاً للجمال والأنوثة وبحسب الأسطورة المكسيكية كانت زوجة لإله المطر تلالوك ولكن آله الليل اختطفها لجمالها وتزوجها لتصبح بعد ذلك آلهة للحب.

ومن أشهر أساطير الحب فى أوروبا، أسطورة سيلينا آلهة الحب فى أيرلندا القديمة التى وقعت فى حب شاب وسيم وتخلت عن عالم الآلهة من أجله ونزلت إلى الأرض من أجل العيش معه. عندما علمت بقية الآلهة بهرب سيلينا قاموا باختطافها عن طريق البحر، ولايزال الأيرلنديون يطلقون على أمواج البحر العاتية اسم موجة سيلينا والتى لاتزال تحاول العودة إلى الأرض من أجل رؤية حبيبها.

فى الحضارة الفرعونية القديمة كانت حتحور هى آلهة الحب وكذلك آلهة السماء والخصوبة، وكان يطلق عليها سيدة الغرب لأنها تستقبل الموتى عند دفنهم فى الوادى الغربى. عندما نقل الإغريق عن الحضارة الفرعونية فكرة الآلهة قاموا بتحويل حتحور إلى أفروديت، بينما أطلق الرومانيون على نسختهم من حتحور اسم فينوس.

فى الحضارة الرومانية أنجبت فينوس آلهة الحب والجمال كيوبيد إله الحب الذى كان يصور عادة كطفل صغير بجناحين قليل الحظ يحاول أن يسعد من حوله بإطلاق سهام الحب فى قلوبهم، وفى بعض الأحيان كان يصور أعمى فى إشارة إلى أن الحب الأعمى.

فى النسخة الإغريقية كان نظير كيوبيد هو الإله آروس ابن أفروديت، الطفل الصغير العاشق لأمه والذى يسعى لنشر الحب بين البشر عبر سهامه. وبحسب الأسطورة الإغريقية فقد ولدت فتاة أطلق عليها والديها اسم روح وكانت شديدة الجمال إلى درجة أن الناس اعتبروها نسخة من أفروديت وهو الأمر الذى أثار غضب الآلهة الذين طلبوا من آروس النزول إلى الأرض ودفعها للوقوع فى غرام أكثر الرجال بشاعة كعقاب لها. عندما رأى آروس الفتاة الأرضية وقع على غرامها وهرب معها ثم تزوجها. أخفى آروس حقيقة هويته عن زوجته التى غلبها الفضول إلى أن اكتشفت حقيقته مما أثار غضبه ودفعه لمغادرة المنزل. أخذت الزوجة تبحث عن زوجها دون جدوى لتلجأ فى النهاية إلى أفروديت التى ساعدتها فى العثور على آروس وسمحت لهما بالبقاء فى أرض الآلهة.