لماذا خسر اليسار والليبراليون الانتخابات؟

أخبار مصر


أحمد عبد الجليل _ شيماء جلال

مصطفى يسرى _ شيماء صالح

ليس جلدًا للذات إنما خطوة نحو تصحيح أوضاعها فى المستقبل

■ الأحزاب المدنية تكشف أسباب تراجعها أمام التيارات الإسلامية فى انتخابات برلمان الثورة

أبوالعز الحريرى: الأحزاب القديمة انهزمت لأنها من فلول المعارضة

■ محمد أبو حامد: لم نستطع شرح مفهوم الليبرالية للشارع

عبد المنعم إمام: عجز الخطاب الليبرالى واليسارى فى التعبير عن احتياجات رجل الشارع

■ عبد العال: التصويت الطائفى والدينى سبب هزيمة التيارات الأخرى



كشفت نتائج مجلس الشعب عن عدة حقائق أبرزها التأكيد على أن العديد من «أحزاب ما قبل الثورة» كانت مجرد أحزاب كرتونية بلا لون أو طعم أو رائحة، أنشئت لتسبح فى فلك النظام السابق قلبًا وقالبًا رغم زعمها بتنوع أطيافها، كما كشفت النتائج عن حقيقة الأحزاب الليبرالية أو اليسارية التى كانت تطلق على نفسها «أحزاب معارضة»، وتبرر عدم فاعليتها بممارسات النظام السابق ضدها، وعلى رأسها أحزاب «عريقة» مثل الوفد والتجمع والناصرى وغيرها، فقد حصدت التيارات الإسلامية بأطيافها «إخوان وسلفيون ووسط، وجماعة إسلامية» نحو 366 مقعًدا بينما حصلت الأحزاب الليبرالية واليسارية قديمها وحديثها مجتمعة على 99 مقعدًا فقط.. وإن كان للأحزاب الوليدة أو «أحزاب ما بعد الثورة» أعذارها فما هى أعذار الأحزاب «العريقة» التى تلعب فى الساحة السياسية منذ عقود طويلة.. ولماذا فشلت الأحزاب التى تعبر عن القوى المدنية فى تحقيق ما كان مأمولا منها فى انتخابات مجلس الشعب؟

أبوالعز الحريري، القيادى البارز فى حزب «التحالف الشعبى الاشتراكي»، أرجع مبدئيا عدم حصول تلك الأحزاب على المقاعد التى تناسبها فى البرلمان لتزوير نتيجة الانتخابات، مشيرًا إلى أنها ليست انعكاسًا للتمثيل الحزبى أصلا، ومعتبرا الأحزاب الليبرالية واليسارية القديمة مثل التجمع والناصرى والوفد من «فلول المعارضة» وفاقدة المصداقية فى الشارع نتيجة الصراعات الداخلية وتواطؤها مع النظام السابق، ومضيفا أن الأحزاب الجديدة لم تأخذ وقتها فى النضوج، فهى حديثة الولادة، وقد حاصرها الإخوان والسلفيون بالإسراع من إجراء الانتخابات بالتواطؤ مع المجلس العسكرى لقتل فرصة الشباب الذين قاموا بالثورة من الأساس، كما ساندوا المجلس العسكرى كمجلس أعلى للثورة المضادة، بالإضافة إلى وقوف التدعيم الأمريكى الخليجى الذى حظى به الإخوان والسلفيون لإجراء انتخابات قبل وضع الدستور.

وأرجع الحريرى ما حدث للأحزاب الوليدة لسوء النظام الانتخابى الذى وضعه المجلس العسكري، مؤكدا أنه نظام انتخابى غير عادل، قتل فرص الأحزاب الجديدة، والتى لا تتلقى تمويلات خارجية، فى خوض الانتخابات، بينما منحها للأحزاب الدينية التى تتلقى تمويلات خارجية.

ومن ناحية أخرى يضيف الحريرى أن انكباب الأحزاب على المصلحة البرلمانية والسعى وراء مقاعد البرلمان جعلها تضرب بالمبادئ ـ التى قامت عليها من الأساس ـ عرض الحائط، فالوفد الليبرالى تحالف مع الإخوان المسلمين المختلف معه أيديولوجياً بل ذهب لأبعد من ذلك بمهاجمته العلمانية لليبرالية فى جريدته وموقعه، واعتمد فى قوائمه على الرأسماليين والعصبيات والعائلات، أما حزبا الكرامة والغد فقد تحالفا مع الإخوان سعيًا للمقاعد، ومن ثم خسرا الشارع.

ومن جانبه قال محمد سرحان نائب رئيس حزب الوفد إن الإخوان والسلفيين فى فترة حكم مبارك كانوا يعملون تحت السطح وكانوا متكتلين ويمتلكون الدعم، وبالتالى كونوا قاعدة قوية، فى الوقت الذى كانت تعمل فيه الأحزاب السياسية فى النور، وكانت تختنق من ضغط الحزب الوطنى والحكومة، مما أدى إلى ضعف الأحزاب وغياب كوادرها فى الشارع السياسي، فالكوادر كانت تخشى الانضمام لأى حزب سياسى خشية أن تسقط فى الانتخابات، أما بعد الثورة فقد فوجئت الأحزاب الجديدة أنها تقوم على كوادر شابة غير مدربة وليس لها سابق سمعة فى الشارع السياسي، ولا تمتلك القدرة على إقناع الجماهير، فى المقابل نجد أن الأحزاب القديمة لا تمتلك سوى قلة من الكوادر!

وأضاف سرحان أن الموضوع سينتهى خلال الأربع سنوات المقبلة لأننا سنجد أن الأداء الموجود فى الأحزاب خارج البرلمان، سيكشف للجمهور الأحزاب القادرة على شغل المنصب السياسى فى مصر.

بينما أرجع سيد عبدالعال، الأمين العام لحزب التجمع، السبب فى تراجع تمثيل الأحزاب المدنية فى مجلس الشعب إلى أن الانتخابات أجريت على أساس دينى وليس على أساس برامج سياسية، حيث إن الدعاية الانتخابية استخدمت فيها كل الأساليب التقليدية من قبل الإخوان والسلفيين بداية باستخدام المساجد والزوايا فى الدعوة لمرشحيهم ومرورا بتوزيع الرشاوى الانتخابية فى صور شنط وهدايا، وبما أن الانتخابات لم تجر على أساس سياسي، لا يمكن القول إن القوى المدنية والديمقراطية كانت أضعف من القوى الدينية، حيث إن الأخيرة استغلت حب الناس للدين فى الانتخابات فى مواجهة خصومهم السياسيين، وفى المقابل كان هناك ضعف وعدم وضوح لبرامج الأحزاب، كما أن الشعارات المدنية العامة التى استخدمتها هذه الأحزاب وهى «دولة مدنية حديثة» غير كاف لفهم الناس لطبيعة المنافسة.

وأضاف عبد العال: كنت أرى ضرورة تركيز الدعاية على المطالب الاقتصادية للجمهور إلى جانب الدولة المدنية، فالجانب الاجتماعى المسكوت عنه، وهو أحد أهداف الثورة، لم يتحقق منه شيء حتى الآن، إضافة لمطلب العدالة الاجتماعية والحد الأدنى للأجور، واللذين غابا عن الدعاية العامة للأحزاب.

وأشار عبد العال إلى أن غياب الأحزاب وابتعادها عن الناس وعدم معايشة قضاياهم اليومية أثرت سلبا عليها، بينما انتبه الإخوان والسلفيون لذلك، فكانوا أكثر ارتباطا بالشارع عبر كثير من المؤسسات التى يمتلكونها كمؤسسة الزكاة والمؤسسات الصحية، حيث حلوا محل الحكومة فى قطاع خدمات المواطنين منذ انسحبت الدولة وأهملت هذا القطاع تماما طوال ثلاثين عاما.

د. السعيد كامل رئيس حزب الجبهة الديمقراطية يرجع نتيجة الانتخابات للطائفية التى روّج لها البعض، ويرى أن ما حدث لأحزاب ما بعد الثورة جاء نتيجة عدم حصولها على فرصة كافية لتتواصل مع الجمهور والناخبين وتستطيع أن تعرض ما لديها من برامج وحلول لكسب تأييد الشارع المصري، موضحا أننا خرجنا من الثورة، وأنهكنا فى مظاهرات ومليونيات من أجل تصحيح مسار الثورة، ثم استدرجنا إلى انتخابات طائفية وعنصرية، ولم تكن التيارات والأحزاب السياسية مستعدة سياسيا أو ماديا لمثل هذه المعارك، ناهيك عن أنها لم تعد كوادرها جيدا، وأضاف كامل أن هذه النتائج لا تعبر عن قوة تيارات سياسية أو ضعف تيارات أخري، لأن الانتخابات اعتمدت على لعبة سلاح المال والدين، وفى النهاية أصبح هناك فريق له أغلبية وفريق آخر معارض، وبالتالى يستطيع الأخير أن يعرض ما لديه ويرتب صفوفه ويستعد للانتخابات القادمة.

يرى د. محمد أبو حامد، نائب رئيس حزب المصريين الأحرار، أن أسباب سقوط القوى الليبرالية فى البرلمان ونجاح القوى الإسلامية يرجع إلى بعض النقاط المهمة، ومنها قيام كل القوى الليبرالية بتعليق مشاركتها فى الانتخابات حتى يتم إيقاف العنف عن الثوار فى أحداث شارع محمد محمود، والتأخر فى النزول إلى الشارع وإعلان البرامج الانتخابية على الناخبين، عكس القوى الإسلامية التى استمرت فى جولاتها الانتخابية، ثانيا: عدم إمكانية مرشحى القوى الليبرالية فى الرد على ادعاء الإسلاميين بأن الليبرالية هى كفر أو حرام، وشرح معنى الليبرالية ومفهومها للشارع المصري، وأنه ليس المقصود بها الكفر بالله أو الابتعاد عن الدين الإسلامي، مضيفا أن النظام السابق أعطى الحرية للإسلاميين للتحدث من خلال المساجد، على عكس ما كان يقوم به مع القوى الليبرالية والمعارضة بتشويههم وإلصاق العديد من الاتهامات بهم وسحلهم فى المعتقلات.

أما عبد المنعم إمام، عضو الهيئة العليا لحزب العدل، فيرجع ما حدث لحالة التشتت التى عاشها الناخبون من أنصار الدولة المدنية- ليبراليين كانوا أو يساريين- حيث وجدوا أنفسهم مشتتين بين عشرات الأحزاب التى تدعو لنفس الفكر وتتنافس فيما بينها، فى حين كان الناخبون من أنصار التوجه الإسلامى أمام خيارين فقط، إما الإخوان أو السلفيين، لذلك وقع التيار المدنى فى مصيدة تفتت الأصوات، وكان من المفروض أن يتوحد فى كتلة واحدة أو قائمة واحدة.

ويضيف إمام أسبابا أخرى يوجزها فى وجود فلول على قوائم الأحزاب الليبرالية واليسارية، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية واستخدام لغة متعالية من التيار الليبرالى لم يتقبلها الشارع، موضحا أنهم اهتموا بالدعاية التليفزيونية والظهور الإعلامي، وابتعدوا عن الاحتكاك الجماهيرى فجاءت النتيجة مخيبة للآمال.

من جانبها ربطت الدكتور كريمة الحفناوي، أمين عام الحزب المصرى الاشتراكي، تراجع دور القوى المدنية فى السنوات الأخيرة بالظروف العامة التى رسخها النظام وسلطاته سواء فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات أو الرئيس السابق حسنى مبارك، من منع القوى المدنية، بخاصة اليسارية منها من التواصل مع الشارع، وفى المقابل عقدت هذه السلطات اتفاقًا ضمنيًا مع الجماعات الإسلامية وتركتها للتواصل مع المواطنين بالعمل الدعوى الدينى كيفما تشاء بشرط عدم انخراطها فى السياسة ودعوة المواطنين لعدم الخروج على الحاكم.

وقالت الحفناوى إن تراجع القوى المدنية التى ولدت بعد الثورة يعود لظروف خاصة منها ضيق الوقت وانحساره فى 8 شهور فقط للتواصل مع المواطنين، فضلا عن نقص التمويل والدعم المالي. مضيفة أن الأحزاب المدنية المتواجدة قبل الثورة لم تستطع التواصل بنجاح مع المواطنين بسبب اختراق هذه الأحزاب أمنيا، وتقديم المصالح الشخصية لبعض قياداتها عن الصالح العام، واعتبرت الحفناوى أن النتائج عادلة إلى حد ما رغم الظروف التى تعرضت لها القوى المدنية.

ما رأته الحفناوى عادلا يراه المهندس أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكى غير ذلك، ويقول: إن الظروف التى وفرت للقوى الإسلامية لا تقارن بالظروف التى هيئت للقوى المدنية، فالجماعات الإسلامية كانت تعمل بلا قيود ولا حدود وتملك موارد مالية ضخمة تساعدها على تحقيق النجاح، مضيفا أن فشل القوى المدنية فى تحقيق النتائج المأمولة فى الانتخابات لا يقتصر على الصعوبات التى وضعت أمامها من ضيق الوقت وقلة المال وحسب، إنما لعيوب أخرى كثيرة منعت تواصلها مع المواطنين، منها عدم تجديد خطابها الانتخابى والسياسي، موضحا أن حديثها النظرى المنمق المنتشر فى الإعلام لا يصلح لقطاعات كبيرة من الشعب المصرى تعانى الفقر والأمية، ومطالبا بضرورة ربط خطابها بلقمة العيش حتى تستطيع التأثير على المواطن البسيط.

نفس الأمر قاله أمين إسكندر، أمين عام حزب الكرامة، الذى يرى أن أحزاب اليسار لم تهتم بالتواصل مع الجماهير بشكل مباشر، واكتفت بالحديث عن قيم العدالة الاجتماعية القديمة، مضيفا أنه بعدما تأكد للجميع أن صوت المواطن الحر بإمكانه رسم الخريطة السياسية، حان الوقت لتتوجه القوى المدنية إلى بناء مؤسسات لخدمة الجماهير وتبنى قضايا تهم المواطن المصري.

أما منى عزت، عضو الهيئة العليا بحزب التحالف الشعبى الاشتراكي، فترى أن النتيجة التى حققتها الأحزاب اليسارية والليبرالية الجديدة فى الانتخابات مرضية جدا، مبررة ذلك أن عمر تلك الأحزاب لم يتجاوز شهورًا، فضلا عن أن التيارات الإسلامية تمتلك الآلية التنظيمية والتمويل الضخم الذى جعلهم يستخدمون الطريقة المباشرة فى التعامل مع الجمهور عن طريق إنشاء العيادات وتوفير السلع الأساسية، وهو ما لم يتوافر للأحزاب اليسارية التى تعانى نقص الإمكانيات المادية، كما وضعت فى أولوياتها قضايا الرأى والدفاع عن الشهداء والمصابين وأحداث ميدان التحرير والاشتباك مع المجلس العسكرى فى قضايا الثورة، وهو ما تخاذلت عنه التيارات الإسلامية من الذين رفضوا المشاركة فى أى أحداث بالميدان فى فترة الانتخابات مما جعلهم ينفردون بالشارع فترة طويلة، بينما انهمكت الأحزاب القديمة فى مشاكلها الداخلية وحواراتها الهزلية التى عزلتها عن الشارع وحرقت أرضيتها الجماهيرية.