الافراج عن >...الحلقة الأخيرة من مسلسل استبدال الجواسيس

أخبار مصر


بعد شهور وسنوات من المفاوضات العقيمة شهد هذا الأسبوع اثنين من أكبر عمليات تبادل الأسرى والجواسيس بين مصر وفلسطين وإسرائيل، الأولى كان بطلها الجندى الإسرائيلى «جلعاد شاليط «الأسير لدى حماس منذ سنوات...والثانية بطلها «الجاسوس» الأمريكى الإسرائيلى «إيلان جرابيل»، الذى قبضت عليه السلطات المصرية فى مايو الماضي.

الجاسوس فى الخيال الشعبى هو صاحب أحقر مهنة ومرتكب للخيانة العظمى التى تعد أكبر الكبائر فى قوانين العقوبات، أما أسير الحرب فهو بطل نبيل يقوم بأطهر عمل وهو الدفاع عن الوطن...ولكن فى عرف رجال السياسة والمخابرات فإن الاثنين لا يختلفان كثيرا، كل منهما مجرد بيدق فى لعبة الشطرنج الكبري.

فى عالم السياسة لا قيمة للأشخاص فى سبيل المصلحة العامة، أو فى سبيل الرسالة التى تريد الدولة أن تبعث بها إلى أصدقائها وخصومها...وبقدر ما تسعى الدولة لاستعادة أسراها فى الحرب لتطمئن شعبها أنها لا تترك أبناءها، بقدر ما تسعى إلى إنقاذ أرواح الجواسيس الذين يعملون لصالحها لتؤكد لعملائها المستقبليين بأنها لن تتخلى عنهم.. بالإضافة إلى أسباب كثيرة أخرى نجدها وراء كل قصة لتبادل الأسرى والجواسيس.

فيما يتعلق بإطلاق سراح «جرابيل» فإن الصفقة لم تقتصر على استعادة أكثر من ثمانين سجينا مصريا فى إسرائيل، من بينهم ثلاثة صبية، معظمهم متهم بالتسلل إلى إسرائيل للإتجار فى المخدرات، ولكن أيضا بصفقة تسليح مع أمريكا تحصل مصر بمقتضاها على 25 دبابة من طراز «إبرامز M1A1»، واتفاق باستمرار التعاون فى إنتاج هذا النوع من الدبابات فى مصر بنسبة 40% مصرية و60% أمريكية، بالإضافة إلى عدد آخر من نظم التسليح 256 إم وبنادق وقطع غيار وصيانة ومعدات أخرى منها قنابل الغاز المسيل للدموع التى تستخدم فى فض المظاهرات!

هذه الصفقة كان من المفترض أن تتم مع الولايات المتحدة بغض النظر عن مصير «جرابيل»، ولكن تم تأجيلها لتصبح ضمن صفقة تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين...خاصة بعد جهود عضو الكونجرس «جارى أكرامان» الذى يقع «جرابيل» فى نطاق نشاطه وتدخل وزير الدفاع الأمريكى «ليون بانيتا»، وكلاهما قاما بنفى أى نشاط مخابراتى لـ«جرابيل» وطالبا بالافراج عنه، ولوحا بصفقة الأسلحة خلال ذلك.. ومن المؤكد أن إسرائيل أيضا وضعت اسم «جرابيل» ضمن مفاوضات الإفراج عن «شاليط» والتى لعبت مصر دوراً كبيراً فى نجاحها.

تبادل الجواسيس، أكثر من تبادل أسرى الحرب، يخضع لمفاوضات سياسية واقتصادية كثيرة، وهى أمور متعارف عليها حتى فى عز الحرب بين الدول، ومن المعروف أن «جمال عبدالناصر» سلم عددا من الجواسيس إلى إسرائيل مقابل المئات من الأسري، خاصة بعد حرب 1967.. ولعل أشهر قصص استعادة الجواسيس بين البلدين هى قصة «مارسيل نينو» اليهودية المصرية التى كانت بطلة أوليمبية وتم تجنيدها عام 1951 فى شبكة تجسس وتخريب إسرائيلية كان من أشهر عملياتها تفجير عدد من دور العرض السينمائية اليهودية فيما يعرف بعملية «لافون» لدفع اليهود المصريين إلى الهجرة إلى إسرائيل، وقد تم القبض على الشبكة وحكم على بعض أفرادها بالإعدام كما حكم على «مارسيل» بالسجن المؤبد 15 عامًا.. وفى عام 1968 تم تسليمها إلى إسرائيل ضمن صفقة كبيرة لاستعادة مئات الأسرى المصريين، واشترط الرئيس «عبد الناصر» عدم إعلان إسرائيل عن تسليمه لـ«نينو»، ولكن بعد عدة سنوات، وبسبب قيام رئيسة الوزراء الإسرائيلية بحضور حفل زفاف فتاة بسيطة عمرها 45 عامًا، استطاع أحد الصحفيين الاسرائيليين معرفة القصة وقام بنشرها.

ومن أشهر الجواسيس الذين سلموا إلى إسرائيل فى عهد عبد الناصر العالم الألمانى «فولفجانج لوتز» وزوجته اللذان كانا يقيمان فى مصر وتمت مبادلته بأكثر من 500 من أسرى حرب 67!

وفى عهد «السادات» أكثر من عملية تبادل للجواسيس من أشهرهم المصرية «انشراح على موسى» الصعيدية التى حكم عليها بالإعدام مع زوجها، ولكن تم تخفيف الحكم عليها ثم دخلت ضمن صفقة لتبادل الجواسيس والأسرى ورحلت إلى إسرائيل لتستبدل اسمها باسم عبرى، ومن أشهرهم أيضا الجاسوس المصرى فى إسرائيل المعروف باسم «آيد»، والذى حصلت عليه مصر.

وبالرغم من أن «السادات» كان أكثر «مرونة» مع إسرائيل، إلا أنه رفض الافراج عن الجاسوسة الشهيرة «هبة سليم» وسارع بإعدامها رغم محاولات إسرائيل وأمريكا، بل وسمح بنشر قصتها وعمل فيلم عن حياتها يعد من أهم أفلام الجاسوسية المصرية، ومن المعروف أن عدم الإفراج عن بعض الجواسيس مهما كانت الإغراءات والتهديدات والإصرار على عقابهم هو أيضا نوع من توجيه الرسائل وتحقيق أهداف سياسية.

ومع أن «مبارك» سمح بالإفراج عن كل سجين وجاسوس إسرائيلى تقريبًا، ومن بينهم عائلة «مصراتي» الشهيرة، إلا أنه تمسك بعدم الإفراج عن «عزام عزام» قبل أن يرضخ أخيرًا ويسمح بإعادته لإسرائيل عام 1996 مقابل الإفراج عن ستة طلبة مصريين اعتقلتهم إسرائيل...حسب ما قيل وقتها.

هناك بعض القواعد والأعراف المتعلقة بتبادل الجواسيس، رغم أن المعاهدات الدولية مثل اتفاقية «جنيف» الخاصة بأسرى الحرب لا تتضمن الجواسيس، ورغم أن الانتربول الدولى ليس لديه سلطة على نشاط أو تسليم أو مفاوضات تبادل الجواسيس، ومن القواعد المتعارف عليها أن يكون التسليم متزامنًا وأن يكون فى أرض محايدة أو على الحدود...ومن المعروف أن أكبر عمليات للتجسس وأكثر عمليات لتبادل الجواسيس كانت بين الأمريكان والروس، وقد جرت عمليات تبادل كثيرة أيام الحرب الباردة كان آخرها عام1986 والتى جرت فوق جسر جلينيك فى برلين للمنشق اليهودى أنا تولى شارانسكى مقابل جواسيس شيوعيين سجنوا فى ألمانيا الغربية.

وقد سبق هذه العملية عمليات تبادل جواسيس مع بعض الدول الأخرى منها أمريكا وبريطانيا وألمانيا وكانت أهم هذه العمليات عملية إطلاق سراح العقيد فى المخابرات الروسية رودلت أبل الذى قبض عليه فى أمريكا وتمت مبادلته مع الطيار الأمريكى جارى باورز الذى أسقطت روسيا طائرته وتمت عملية المبادلة عام 1962 على جسر جلينيك بين ألمانيا الشرقية والغربية أيضا.

كما عقدت بريطانيا اتفاقًا لتبادل الجواسيس مع روسيا عام 1969 تم فيه تبادل الزوجين كروجر اللذان اتهما بالتجسس لصالح السوفيت مقابل جيرالد بروك الذى قبض عليه فى الاتحاد السوفيتى بتهمة التجسس لمصلحة بريطانيا.

وفى العام الماضى فقط جرت عملية كبيرة لتبادل الجواسيس بين الغريمين الكبيرين روسيا وأمريكا، والتى جرى بمقتضاها تبادل شبكة جواسيس تعمل لصالح روسيا مكونة من عشرة أفراد بأربعة من جواسيس أمريكا وبريطانيا فى روسيا، وجرت عملية التبادل فى مطار فيينا فى يوليو 2010، حيث حضرت طائرتان تحملان الجواسيس وتمت تبادلهم خلال وقت لا يتجاوز الساعة...وقيل وقتها إن أمريكا تعمدت فضح شبكة الجواسيس ثم تسليمهم فى ذلك الوقت تحديدًا من أجل توجيه رسائل معينة بأنها ترفض الرئيس الروسى السابق «بوتين» وتؤيد «ميدفيديف»!