عصام زكريا يكتب : هذا الخيال المريض!

مقالات الرأي


أتقلب محموما بين كتب التاريخ وأبحث عن فترة تشبه الصورة التى يتكلم عنها المتطرفون فلا أجد سوى فتاوى وتأويلات للدين لم تتحقق أبدا على أرض الواقع ولم يكن لها مكان يذكر سوى فى خيال أصحابها المريض الذى يكره الحياة والبشر ويعبد الموت والجدب ورمال الصحراء الصفراء.

أبحث جاهدا عن تلك الصورة التى تعشش فى أذهانهم مثل فأر فى جحر، فلا أجد لها وجودا لا فى الغرب ولا فى الشرق لا فى العصور الحديثة ولا فى أظلم عصور الظلام ظلاما.

ليس هناك سلطة ولا قوة فى العالم استطاعت أن تمنع الصور الجنسية ولا الأفكار الكافرة من التسلل إلى أكثر العقول تعففا وزهدا.. حتى عقول الرهبان فى صوامعهم والمعتزلين فى آخر بقاع الأرض.. وليس هناك فترة فى تاريخ البشرية تحققت فيها هذه الرؤية المتطرفة المنحرفة التى تجتاح هذه العقول.. وأتحدى أن يأتى أى منهم بفترة تاريخية خلت من الجنس غير الشرعى أو من شرب الخمر ولعب الميسر أو من وجود الكفار والزنادقة.

على العكس.. كلما بحثت أكثر أرى بوضوح لا يحتاج إلى المحاججة أنه بقدر ما تحاول السلطات الدينية والسياسية قمع الناس، بقدر ما يزدادون تشوها وانحرافًا، وحين أقلب فى صفحات التاريخ أجد أن الحرية الدينية والجنسية كانت أحد المعالم الأساسية للحضارة الإسلامية فى عصرها الذهبى فى الوقت الذى كانت تعانى فيه أوروبا المكبوتة والمقهورة من ويلات التخلف.

أبحث عن العصر الذى كانت تتخفى فيه جميع النساء فلا أراه، وعن العصر الذى لم يكن فيه الرجل يرى سوى زوجاته الأربع فلا أجده، وعن العصر الذى تجردت فيه النساء من أنوثتهن ورغباتهن فأشعر أننى فى كابوس من كوابيس أفلام الخيال العلمي.

لا حاجة بى إلى تكرار ما هو بديهى ومعروف، إلا للجهلة بأبسط حقائق الحياة. ولا حاجة بى إلى ترديد أن الكبت الجنسى يساوى الانحراف العقلى والمرض النفسى الذى يتجسد فى تلك النزعة السادى -مازوخية التى يعانى منها المتطرفون دينيا. ولكن للأسف هناك ملايين المتعلمين فى بلدنا لا يعلمون ما أتحدث عنه وينظرون إلى ذلك السعار الجنسى فى شوارع مصر باعتباره شهوة سببها فجور النساء وإلى ذلك العنف الوحشى الذى يمارس ضد النساء باعتباره غيرة على الدين.

لم أسمع أن أحدا من الغيورين على الدين يجتاح الشوارع هائجا بحثا عن اللصوص والمرتشين والقتلة، ولكننى أرى ذكورا تعميهم الشهوة ونساء يحرقهن الكبت يجوبون كالضباع بحثا عن كتف عار أو ساق مكشوفة تصلح للالتهام!

هذه يا سادة رغبات جنسية تمارس نهارا جهارا فى الطريق العام، وهى أكثر فضائحية وحرمانية بمئات المرات من لمسات الأيدى والقبلات المختلسة فى الظلام التى يتبادلها العشاق على الكورنيش أو فى الشوارع المهجورة. المتطرف دينيا يتحول فى الغالب إلى إنسان عنيف يمارس القسوة على الآخرين ويخضع بسهولة للقسوة التى تمارس ضده. هو ديكتاتور أو عبد لديكتاتور وغالبا هو الاثنان معا.. وأبسط صورة له تتمثل فى الضابط الذى يطيع أوامر قادته بدون مناقشة ثم يمارس السلطة الغاشمة على من تحته.. وهو الموظف الذى ينافق رئيسه ثم يستمتع بنفاق مرءوسيه.

هذا العنف المبالغ فيه الذى يمارسه المتشددون دينيا ضد «الخارجين على الدين» هو فى حقيقة الأمر نوع من الممارسة الجنسية الشاذة تتحول فيه الرغبات المكبوتة إلى طاقة عدوانية مدمرة.. بمعنى آخر يحتاج المتطرف دينيا دائما إلى امرأة «منحلة» يصب عليها لعناته وعدوانه حتى تهدأ الرغبات المستعرة داخله.. ويحتاج الذى لا يملك أن يراقب عقله إلى عمل فنى أوكتاب يصب عليه جام غله وكرهه ليكفر عن الصور القذرة والأفكار الممنوعة التى يمتلئ بها رأسه