أطفال الشوارع يكتبون نهاية المشير

أخبار مصر



سيد المليجي

«اطفال الشوارع كان لهم دور كبير فى ميدان التحرير» هذه هى الجملة التى قالها ماك آبى الممثل القطرى لمؤسسة بلان انترناشيونال التى تهتم بالمهمشين أثناء المؤتمر الذى عقدته بمصر فى منتصف مايو الماضى وشارك فيه 14 مؤسسة وجمعية مصرية تهتم باطفال الشوارع منها: أنا المصري، بناتي، الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية وغيرها، وقتها قال ممثل المؤسسة فى كلمته إن اطفال الشوارع جزء من المجتمع، وبالنسبة لى أفضل مجتمع رأيته هو مجتمع ميدان التحرير خاصة أن أطفال الشوارع لعبوا دورا مهمًا جدا فى أثناء الثورة.

هذه هى التهمة التى تلاحق اطفال الشوارع الآن.. ويجرى الانتقام منهم بسببها، هذه هى التهمة التى دفعت اجهزة الأمن المصرية للقبض على 16 طفلا واعطت للتليفزيون الحكومى حق إذاعة اعترافاتهم حصريا، اطفال الشوارع شاركوا فى اسقاط الدولة الفاسدة.. شاركوا فى كسر غرور الشرطة.. شاركوا فى حرق مراكز نفوذها، وقد يصل الأمر إلى اتهامهم بأنهم من دبروا ونفذوا الثورة.

الأدلة كثيرة.. 300 صورة فوتوغرافية لاطفال شاركوا فى أحداث الثورة منذ اندلاعها وباحداث شارع محمد محمود وفض اعتصام مجلس الوزراء، فيديوهات لأطفال يقذفون قوات الأمن بالحجارة، وآخرين يقفون بالقرب من مبان تحترق.

لكن يبقى السؤال: لماذا يشارك أطفال الشوارع فى المظاهرات والاعتصامات وما هى اسباب مشاركتهم فى ثورة يناير؟

بامكان ثوار التحرير أن يعرفوا الإجابة لأنهم كانوا جزءًا من مجتمع اطفال الشوارع لمدة 18 يومًا قبل تنحى مبارك.. كانوايتشاركون الهتاف ضد النظام.. ويتقاسمون الطعام والنوم على الأرصفة والإحساس بالخطر.. لم يكن شبح الموت يميز بينهم، والفارق الوحيد أن الثوار غادروا الميادين والشوارع بعد خطاب التنحي.. لتخلو مرة اخرى لسكانها القدامي.. الآن اتذكر الجملة التى قالها واحد من اطفال الشوارع لثائر بعد أن جذبه من طرف ملابسه «انتو هتسيبونا وتمشوا».. كانت الكلمات قاسية بقدر الحزن الذى يكسو ملامح وجهه.

إن 30 عاما من الفساد والظلم كانت كافية لأن يسكن الشوارع مليوناً طفل يطاردهم لقب اطفال الشوارع وفق تقديرات المنظمات غير الحكومية ومليون و800 ألف وفق مسح أجراه الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء قبل عامين وكان 73 % منهم ذكور والبقية من الإناث، وهو الرقم الذى ذكره تقرير وزارة الخارجية الأمريكية فى ذات العام.. ورغم اختلاف الارقام اتفق الجميع على أن شوارع وميادين القاهرة تستحوذ على النصيب الأكبر من هؤلاء الأطفال بنسبة 31,6 % يعيشون بين شقى رحي.. مواطنين يخشون التعامل معهم أو الأقتراب منهم، و أجهزة أمن قمعية تلقى القبض عليهم من وقت لآخر ويجرى تجميعهم فى قسم شرطة الأزبكية.. وهو القسم الذى يعد نقطة تجميع كل من يقبض عليه من اطفال الشوارع فى المحافظة ليحتجز ويخضع للتعذيب والانتهاك قبل تسليمه لدور الرعاية والتأهيل.. وهو القسم الذى جرى إحراقه مرتين.. واحدة فى جمعة الغضب 28 يناير والثانية بعدها بشهر.

أطفال الشوارع كانوا يشعرون بالعداء تجاه أجهزة الأمن التى تعذبهم والمواطنين الساكتين عما يجرى لهم والرافضين حتى التعامل معهم، لكن جاءت الثورة لتدفع بالشباب للخروج من بيوتهم ليعتصموا فى الشوارع والميادين.. بيوت أطفال الشوارع، وقتها وجد هؤلاء الاطفال انفسهم محاطين باحضان الثوار.. اكتشفوا أنهم لا يرفضونهم كما اعتقدوا فى السابق.. كان الثوار يطالبون برحيل رئيس الجمهورية وليس أطفال الشوارع.. كانوا يهتفون ضد الداخلية التى تعذبهم، لذلك قرروا أن يهتفوا معهم.. أصبحوا يتقاسمون الأرصفة وقت النوم ويتقاسمون الطعام وقت الراحة.. لقد أدرك الثوار وأطفال الشوارع أنهم ابناء مجتمع واحد.

ذهبت مشاعر العداء من قلوب وعقول أطفال الشوارع تجاه المواطنين.. وكلاهما أدرك أن الأجهزة الأمنية هى العدو المشترك، خاصة أن وزارة الداخلية رفضت أن يحمل ضحايا الثورة من أطفال الشوارع أو من وصفتهم بأرباب السوابق لقب شهيد، وهو ما زاد من غضب هذه الفئة التى لم تحصل حتى الآن على أى شيء.. لأنهم ببساطة لم يكن لهم مطالب سوى الثأر ممن لايزالون يعذبونهم ويطاردونهم بنفس التهم وصمهم بها النظام السابق.

أطفال الشوارع اختاروا أن يكونوا جزءًا من الثورة التى جعلت الشباب يهتمون بهم.. جعلت واحدة من ثوار التحرير وهى «نازلى حسين» تنصب خيمة فى اعتصام يوليو وجعلت منها مدرسة لتعليم هؤلاء الاطفال الرسم.. كانت ترعاهم وتهتم بامرهم.. كانت تستمع إلى حكاياتهم وما يواجهونه من معاناة، «كوكي» الذى استشهد قبل يومين و«بدر» الذى يرفض مغادرة ميدان التحرير.. وغيرهما الكثير ممن أصبحوا اصدقاء لنشطاء سياسيين، كان لديهم نموذج يقتدون به، وأسرة يحتمون بها، لم يكن هؤلاء الاطفال بحاجة إلى المال ليشاركوا فى الثورة لأنهم اعتادوا على توفير ما يحتاجونه من خلال عملهم كباعة جائلين قبل وبعد الثورة، بل إن «حسين» أحد هؤلاء الاطفال عرض عليه ناشط سياسى مبلغًا من المال ليعود إلى منزله حتى لا يتعرض للايذاء بعد اقتحام قوات الأمن لميدان التحرير فى أحداث مجلس الوزراء، لكنه أخذ المال وعاد ليقذف الطوب فى وجه من اعتادوا على ظلمه، هذا الطفل شاهد الناشط السياسى صورته فى اليوم التالى ضمن من استشهدوا ولم يجد أسرة تتسلم جثمانه من المشرحة حتى الآن.

اطفال الشوارع ليسوا بلطجية لأنهم أكثر شجاعة من هذه الفئة، وليسوا مأجورين لأن مشاركتهم وأداءهم لم يتغير طوال احداث الثورة، اطفال الشوارع اصبحوا أكثر إيمانا بالثورة لأنها منحتهم فرصة الاندماج فى المجتمع.. ومنحتهم فرصة لتصدر المشهد بعد أن عاشوا مهمشين.. حتى لو كانت هذه الصدارة تعنى مزيدا من التهم.. لأنهم لا يخشون من يطلقونها.. ولا من يعذبونهم، إنهم مثلنا يتمسكون بآخر أمل فى التغيير والحلم بحياة أفضل إذا تحققت مطالب الثورة