روح الالتراس النبيلة تتجلى بين دموع وطن ودموع الساحرة المستديرة

محافظات



بين دموع وطن ودموع كرة القدم الساحرة المستديرة واللعبة الشعبية الأولى للمصريين تجلى الشعور الوطنى والتحلى بالمسئولية لدى شباب الالتراس الذى فقد ارواحا طاهرة منذ أسبوع واحد فى فاجعة استاد بورسعيد والنهاية المآسوية للمباراة الأخيرة بين فريقى الأهلى والمصرى.

واذا كانت رابطة الالتراس للنادى الأهلى التى عرفت بألتراس اهلاوى كانت فى طليعة روابط الالتراس عندما اسست بمصر عام 2007 فإن فاجعة استاد بورسعيد أثبتت رغم مآسويتها تمسك هذه الرابطة بالروح النبيلة للالتراس حيث توصف روح الالتراس عالميا بأنها تلك الروح المقدامة المثابرة والعاملة فى صمت وجهد لتحقيق اهداف عظيمة .

والالتراس فى مصر هم جزء من بنية المجتمع وتتراوح اعمار اغلبهم بين 16 و25 عاما وعرفوا بوطنيتهم المتأججة بقدر ما برهنوا دوما على حسهم الوطنى الذى يجمع ما بين التشجيع الحماسى لفرقهم الرياضية والانتماء الأصيل لمصر والغيرة الحميدة على الوطن الجامع فيما تحتفظ الذاكرة المصرية وتحفظ بالاعزاز أدوارهم البطولية وقدراتهم على التنظيم والحشد فى لحظات فارقة اثناء ثورة 25 يناير .

وتبدو ظاهرة الالتراس التى تتصاعد فى العالم مركبة ومعقدة فهى تجمع ما بين سياقات الرياضة والثقافة والسياسة فهى ظاهرة اجتماعية بقدر ما هى ظاهرة رياضية وثقافية أما من منظور اللغة فكلمة الالتراس لاتينية الأصل وتعنى تجاوز العادى والشىء الفائق أو الزائد عن الحد المألوف وكل ماهو فوق الوضعية المعتادة فى مرحلة ما.

وفى الواقع الرياضى عرفت عناصر الالتراس بالانتماء والولاء الشديد لفرقها الكروية وباتت اغانيها وهتافاتها الحماسية علامة تميزها وتبعث البهجة وتكسر الرتابة واذا كانت روابط الالتراس قد ظهرت فى بعض الدول وخاصة بالغرب وامريكا اللاتينية منذ عقود مبكرة فى القرن العشرين فإن العالم العربى لم يعرف هذه الظاهرة الا فى السنوات الأخيرة ومع بدء الألفية الثالثة .

وفى البدء تكونت اغلب روابط الالتراس العربية فى الفضاء الافتراضى لشبكة الانترنت ثم انتقلت لأرض الواقع الفعلى كمجموعات منظمة تتكاتف وتتعاون لدعم وتشجيع فرق نواديها فيما باتت الحرية احد مكونات ثقافة الالتراس جنبا الى جنب مع العمل الجماعى والميل للابداع والابتكار فى طرق التشجيع وصياغة اللافتات.

ولأنها حريصة على استقلالها وحريتها تعتمد روابط الالتراس على تبرعات ومساهمات اعضائها دون اللجوء لأى مصادر خارجية ومن ثم يصعب التأثير من اى جهة على توجهاتها حتى لو كانت مجالس ادارات الأندية التى تشجعها هذه الروابط ناهيك عن احتوائها.

ولعل عشق افراد الالتراس للحرية كقيمة انسانية سامية كان وراء عدم انضمامهم كروابط لأى حزب او الانتساب لتيار سياسى بعينه رغم دورهم المشهود وتضحياتهم النبيلة فى غمار ثورة 25 يناير الشعبية المصرية.

ومن ثم لايمكن القول ان الالتراس فصيل سياسى وانما الأقرب للدقة انهم فصيل وطنى بامتياز يضحى من اجل الوطن دون انتظار لأى مكاسب سياسية وهو جزء لايتجزأ من شعب مصر ويعبر عن سجايا الشهامة والنبل والتضحية وعمق الانتماء.

وقبل اندلاع الثورة التونسية كان نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن على قد اصدر قرارا بحل روابط الالتراس ومنع افرادها من دخول الملاعب كما تعرضت روابط الالتراس المصرية للعديد من الوان التعسف والجور واحيانا التنكيل فى ظل النظام السابق بمجرد ان افصحت هذه الروابط عن توجهاتها الوطنية والقومية ودفاعها عن قضايا الحرية والكرامة والعدالة.

وفيما تتوالى شهادات الالتراس عن فاجعة بورسعيد والدماء الزكية التى هزت الضمير الوطنى المصرى وأدمت قلب مصر اتفقت جموع المصريين على ضرورة القصاص العادل للأرواح الطاهرة والحفاظ على كيان الوطن وعدم السماح بتنفيذ المخطط الآثم لاسقاط الدولة وسط ترقب لنتائج لجان تقصى الحقائق وتحقيقات النيابة العامة.

وفى كتاب هو الأول من نوعه عن ظاهرة الالتراس يتحدث المؤلف محمد جمال بشير عن مشجعى فرق كرة القدم فى مصر الذين يتمتعون بدرجة كبيرة من الوعى السياسى وكانوا فى طليعة المؤازرين لثورة 25 يناير الشعبية فيما يشكل الكتاب جهدا محمودا للتعرف على ثقافة وعقلية الالتراس وما يتصل بأسلوب حياة الأفراد المنتمين لهذه الجماعات الكروية.

ونوه محمد جمال بأن كتابه يأتى بعد عدة سنوات قضاها داخل مجتمع الالتراس فى مصر منذ بدايات التكوين فضلا عن تعرفه عبر رحلات خارجية على واقع الالتراس فى العالم، موضحا أنه من بين الملايين المنتمية لفرقها والتى لايستطيع أحد التشكيك فى حبها وولائها لهذه الفرق وتجد مجموعات الالتراس وقد تجاوزت مجرد الانتماء لناد وتشجيعه فى السراء والضراء لما هو ابعد واعمق من ذلك.

ويرى مؤلف هذا الكتاب المشوق الذى يقع فى 235 صفحة ان الالتراس لايجمعهم حب ناديهم فقط ولا احساس المجموعة بل يجمعهم شعور قوى باحتياج كل منهم للآخر ليكونوا كيانا مميزا قد يحتاجه الكثيرون ليشعروا بمعنى الحياة فيما يؤكد أن مجموعات وروابط الالتراس ليسوا أبدا شراذم همجية لاتتوقف عن الغناء والعراك من اجل فرقها كما انهم ليسوا مجموعات من مشعلى الألعاب النارية والمفرقعات والشماريخ وانما هم فى الحقيقة تجسيد لمعنى الوطن والانتماء والعطاء بلا حدود دون انتظار المقابل.

وتجلى معنى الانتماء فى احجام عناصر التراس النادى الأهلى الذى عرف دوما منذ تأسيسه عام 1907 كقلعة من قلاع الوطنية المصرية عن أية اعمال او ممارسات تخريبية فى سياق تداعيات فاجعة بور سعيد التى ادمت قلوب المصريين.


ورغم كل التأكيدات على أهمية الفصل بين الرياضة والسياسة فإن الواقع يبدو مغايرا وها هى الولايات المتحدة تشهد جدلا فى خضم الاستعدادات لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة حول اوجه التشابه بين مباريات كرة القدم والانتخابات فيما يحلو


لبعض خبراء الصحافة والمعلقين السياسيين الشكوى من جنوح الاعلام نحو تغطية الأحداث السياسية بطريقة تشبه اسلوب البعض فى الصحافة الرياضية عندما يكون التركيز كله على الفوز والخسارة دون معالجة بالعمق لمجريات المباراة .


وامتدت اوجه الشبه فى اسلوب التعامل الاعلامى حتى على مستوى التنبؤات بنتائج الانتخابات ونتائج مباريات كرة القدم فى ظل عدم اليقين الذى يميز الحالتين ويبقى عادة حتى انتهاء الانتخابات او المباراة على المستطيل الأخضر مع ان المعلومات قد تساعد على التنبؤ فى الحالة الانتخابية اكثر من الحالة الكروية.

وهكذا أيضا يذهب بعض الباحثين الى انه لايمكن فهم تطور حركة الالتراس دون فهم السياق السياسى المصاحب معيدين للأذهان ان المتغيرات السياسية الحادة مثل انهيار الاتحاد السوفييتى فى مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم وماعرف بموت الايديولوجيا افضت لظهور قطاعات عريضة من الشباب خارج الاطر التقليدية للمشاركة السياسية كالأحزاب فيما توالت هذه المتغيرات الحادة مع الأزمة المالية العالمية الأخيرة كمؤشر خطير على فشل الرأسمالية بعد سقوط المنظومة الشيوعية.

وتقول الباحثة الدكتورة امل حمادة مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان جماعات الالتراس وهى فى سمتها الغالبة جماعات لاسياسية تنظر لوسائل الاعلام على انها الحليف التقليدى والطبيعى لرموز صناعة لعبة كرة القدم وتغليب الأفكار الرأسمالية فى ادارتها وهو مايراه الالتراس من اهم المثالب التى ظهرت واثرت فى اللعبة الشعبية الأولى فى العالم.

وعقب فاجعة بورسعيد دعا الناقد الرياضى حسن المستكاوى لمراجعة اساليب الصياغة والكتابة فى الاعلام الرياضى وشكل البرامج الرياضية وصولا الى القضاء على ظواهر التعصب ومظاهره وتوحد وتكاتف روابط المشجعين بدلا من التناحر والتفاخر بهذا التناحر مؤكدا أهمية تطبيق القانون على حالة الاختراق الدائمة للقانون فى كل ملعب وكل ساحة.

ويجمع الالتراس فى ربوع مصر بين الحب الشديد للرياضة والتشجيع الحماسى لفريق ما وبين حمل هموم الوطن والاستعداد للفداء من أجل مصر الخالدة والباقية مابقى الزمان والمكان..وهاهى عناصر الالتراس تؤكد بالقول والفعل انها خط دفاع منيع عن مصر بقدر ما تشكل خط الدفاع الأخير عن فرق ناديها واسم النادى.

إنهم شباب الالتراس نبت طاهر من ارض طيبة شاركوا فى مسيرة شعب مصر وتطلعاته للدولة الديمقراطية وكانوا جزءا اصيلا من ثورة يناير المجيدة وهم عشاق كبار للوطن رغم ان اعمار اغلبهم تقع بين 16 و25 عاما..فليفتح الوطن أرحب ابوابه لعشاقه وفلذات الأكباد واغلى الزهور..سلام على كل الشهداء وحمى الله مصر وشبابها من شرور المحن والفتن.