دعوة للبسمة في صحبة الرسول

مقالات الرأي



بالمؤمنين رءوف رحيم .. بهذه الكلمات النورانية وصف الحق سبحانه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، النبي الذي حمل أعظم رسالة في الوجود بكل ما فيها من عناء وأمانة نأت عن حملها السماوات والأرض والجبال.. ومع كل ذلك كان هاشا باشا مع كل ما خلق الله، أنقى وأطهر بشريه عرفها الوجود كان يتباسط مع صحابته، وكانوا يسعدون بصحبته دنيا ودين.. فهيا بنا نرى نموذجا لصحابي عرف بأنه طالما رسم البسمة على الوجه الشريف لرسول رب العالمين.. وكيف كان يمثل حالة من البسط والبشر بين صحابته صلى الله عليه وسلم.. هيا لنبتسم مع الصحابي الجليل نعيمان بن عمرو ومع بعض طرائفه في صحبة الرسول.

فعن أم سلمة أن أبا بكر رضي الله عنه خرج تاجرا إلى بصرى, ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكان سويبط على الزاد, فجاءه نعيمان فقال: أطعمني, قال: لا حتى يأتي أبو بكر، وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا، فقال: لأغيظنك, فذهب إلى أناس جلبوا ظهرا (الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال) فقال: ابتاعوا (اشتروا) مني غلاما عربيا فارها، وهو رعّاد ولسّان، ولعله يقول: أنا حر –أي إذا أقبلتم لتأخذوه سيقول أنا حر فلا تصدقوه-!

فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لي، لا تفسدوا عليّ غلامي، فقالوا: بل نبتاعه منك بعشرة قلائص (والقلوص هي الناقة الشابة القوية)، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال: دونكم هذا –أي خذوا الفتى، فجاء القوم فقالوا لغلام أبي بكر: قد اشتريناك!! فقال: سويبط: هو كاذب، أنا رجل حر, فقالوا: قد أخبرنا خبرك، فطرحوا الحبل في عنقه وأخذوه، فذهبوا به، فجاء أبو بكر، فذهب هو وأصحاب له، فرد القلائص وأخذوه، فلما أخبر النبي بالقصة ضحك , وظل يضحك وأصحابه كلما تذكر تلك الواقعة حولا كاملا...

لقد أحب نعيمان رضي الله عنه رسولنا حبا جما شأنه شأن صحابته جميعا ولكنه لم يكن يملك مالا حتى يهدي رسول الله أية هدية في حين أنه يرغب في كل جميل وكل شيء قيم أن يقدمه للنبي.. فماذا يفعل؟

يحدثنا محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال: كان بالمدينة رجل يقال له نعيمان, وكان لا يدخل في المدينة رسل ولا طرفة إلا اشترى منها, ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله , هذا هدية لك...


فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه من نعيمان جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعط هذا ثمن هذا , فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لم تهده لي . فيقول: يا رسول الله لم يكن عندي ثمنه, وأحببت أن تأكله!! فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم , ويأمر لصاحبه بثمنه..

ومن مواقفه رضي الله عنه مع سيدنا عثمان بن عفان وكان حينئذ أميرا للمؤمنين.. ما حدثنا بها عبد الله بن مصعب.. بأنه كان هناك رجل يقال له مخرمة بن نوفل وكان شيخاً كبيراً بالمدينة أعمى, وكان قد بلغ مائة وخمس عشرة سنة, فقام في المسجد يريد أن يبول فصاح به الناس: المسجد! المسجد! فأخذ نعيمان بن عمرو بيده, وتنحى به ثم أجلسه في ناحية أخرى, فقال له: بل هاهنا. فلما همّ أن يقضي حاجته, وهو يحسب أنه قد خرج من المسجد صاح به الناس. فقال: ويحكم!! من أتى بي إلى هذا الموضع؟ قالوا: نعيمان. قال: أما إن لله علي – أي عهد عليّ- إن ظفرت به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت, فمكث ما شاء الله حتى نسي ذلك.

ثم أتى مخرمة يوما بجوار نعيمان وهو لا يعرفه وكان سيدنا عثمان قائم يصلي في ناحية المسجد, وكان عثمان إذا صلى لم يلتفت فقال نعيمان لمخرمة الضرير: هل لك في نعيمان قال: نعم أين هو؟ دلني عليه.

فأتى به حتى أوقفه على عثمان فقال: دونك! هذا هو, فجمع مخرمة يديه بعصاه, فضرب عثمان فشجه, فقيل له: إنما ضربت أمير المؤمنين عثمان, فسمعت بذلك بنو زهرة فاجتمعوا في ذلك, فقال عثمان: دعوا نعيمان ... فقد شهد بدراً..

تلك كانت لمحات تشير إلى سماحة الرسول وسماحة صحابته، وأن سماحتهم كانت فوق كل هم وفوق كل نكد وحزن وضيق، كانت فوق كل غيظ وطبائع بشريه تورث العبوس.. فلنبتسم ولنصلى على سيدنا محمد القائل:

تبسُّمك في وجه أخيك صدقة ..