ثقافة الدم والنار ...الموروث الاعمى يختار خيرة الرجال

مقالات الرأي



حوادث الثأر البشعة تجدد مشاعر الحقد بين كثير من العائلات والقبائل التى تشكل النسيج الاجتماعى للصعيد بعدما اصبحت هذة المذابح عنوانا يداعب خيال بعض ابناء الصعيد الذين يطلبون القصاص والثأر لذويهم فى كيفية انتقام رجال العائلة لشرف عائلتهم وتحقيق هيبتها بين العائلات والقبائل الاخرى وبذلك ينتقل الاخذ بالثأر فى كونة كموروث اجتماعى يسعى لتحقيق القصاص والعدالة فى قتل القاتل الى ساحة جديدة يختلط فيها الاخذ بالثأر ودفع الظلم الى ساحة الانتقام وابادة الاخرين وتلك هى الطامة الكبرى اذا اننا نجد انفسنا امام حروب ثأرية لا تختلف عن مثيلاتها التى وقعت قبل الاسلام و استمرت اربعون عاما كحروب داحس والغبراء العربية وربما ظهرة داحس والغبراء فى كثير من قرى الصعيد التى تحتم الخصومة بين عدد من عائلاتها ويختلط فيها قيمة الشرف والكراهية بتصورات معينة عن الدين والقصاص والعدل وبينة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وتقود الى تقديم العائلة على الفرد بل وتقدم العائلة على الدولة ويحتل الثأر بما يخلفة من موت وخراب.

مكان القلب منة المراة الصعيدية لا تكاد تخلع الملابس السوداء طول عمرها ولا تقتصر مراسم الحداد على الملبس الاسود فقط بل يمتد الامر الى المأكل وكل اوجة الحياة المتعددة فتغلق اجهزة التلفاز داخل منزلها وتتوقف حفلات الزفاف وتختفى ملامح الفرح ولا تقل فترة الحداد عن عام كامل وربما يمتد الحزن مدى الحياة اذا كان الفقيد زوجا فى منتصف العمر او ولدا فى مقبل الحياة واذا ما حاول احد الخروج عن تلك التقاليد الصارمة يعتبر ذلك خيانة عظمة لذكرى روح الفقيد وتعتبر المراة الصعيدية هى الحارس على خزانة الاحزان والمقاوم بعنف لاى محاولة لخرق المراسم العتيقة

وبالرغم من انتشار التعليم فى محافظات جنوب الوادى الصعيدى ووجود جامعة جنوب الوادى وجامعة سوهاج واسوان خلال السنوات الاخيرة ووصول معظم الخدمات الاساسية والبنية التحتية فأن عادة الثأر لم تتراجع عن واجه الحياة الصعيدية فى تلك المنطقة القاسية بجنوب مصر خاصة فى محافظ قنا تلك المحافظة التى توجد فى احضان الصعيد

بل ان هذا التعليم الجامعى تم توظيفة لتطوير عملية الاخذ بالثأرتحول المتعلمون الى مكان مايمكن ان نسمية جناحا سياسيا للعائلات وقبائل محافظة قنا حيث يقوم هؤلاء الاشخاص بالتخطيط وادارة عملية الثأر وما يعقبها من اجراءات قضائية امام المحاكم بينما يتولى الافراد الاقل تعليما فى العائلة دور الجناح العسكرى حيث يقومون بشراء الاسلحة واخفائها حتى تحين ساعة الانتقام بالاخد بالثأر فى حين يتولى التمويل اثريا العائلة من التجار وملاك الاراضى .

المطالبة بالثأر لها ضوابط معروفة فى قنا فالابناء هم الحق فى اخذ بالقصاص لدم ابيهم يليهم الاخوة الاشقاء فالاخوة غير الاشقاء واذا لم يكن للقتيل ابناء او اشقاء فحق المطالبة بالثأر .

اما فيما يتعلق بمن يتم اخذ الثأر منة فالامر الاكثر تعقيدا ففى الغالب يتم استهداف القاتل باعتبارة المسؤل عن اندلاع الخصومة الثأرية .

وتختلف عائلات قنا فى تعاملها مع قضية الثأر بحسب قربها او بعدها عن المناطق الجبلية فالقرى القريبة من المدن تقتصر عملية الثأر داخلها على الدائرة الضيقة والقريبة من القاتل ولا يخج الامر عن القاتل او احد اشقائة او ابناؤة وكذلك الامر بالنسبة لصاحب الثأر فمن يقوم بأخد الثأر هم من ابن شقيق القتيل او احد ابناء عمومة

اما القرى الاكثر وعورة والتى تقع فى احضان الجبل فتتسع الدائرة لشمل جميع افراد القبيلة او العائلة الذين يشركون جميعا فى اخذ الثأر او تحمل الدم بل انهم غالبا ما يتلقون المعونة والدعم من جانب العائلات الاخرى التى يرتبطون معها بعلاقات نسب ومصاهرة ولا يسقط حق الثأر باتقادم حتى لو ظل القاتل سنوات طويلة مختفيا او خلف القضبان

ترتبط ظاهرة الثأر فى صعيد قنا الجوانى ارتباطا مباشرا بعادة اقتناء السلاح المتأصلة لدى قبائل وعائلات المحافظة فمعظم ابنائهم ممن فوق سن العاشرة يجدون استخدام السلاح بمهارة

.. القودة ... المفر الوحيد من الثأر

يرفض القنائيون قبول الدية عوضا عن الثأر ويعتبرونة بيعا لدم القتيل مقابل حفنة من المال ولكنهم فى الوقت ذاتة يقبلون ما يسمى القودة وهى عادة قبائلية قديمة يقوم فيها المطالب باخذ الثأر او زعيم عائلتة بحمل ثوب من القماش الابيض الكفن ويذهب مع افراد العائلة الى منزل اصحاب الثأر ويقدم لهم الكفن حاملة على زراعية ويتم نحر الذبائح اعلانا عن نهاية الخصومة وسقوط الثأر وفى بعض الاحيان تتضمن طقوس القودة قيام القاتل بوضع الكفن على الارض ووضع رأسة فوقة وبجوارة خروف ثم يقترب منة صاحب الثأر حاملا سكينة ويقترب منة فى بطء وبدلا من قطع رقبة القاتل ينحر الخروف وذلك دليلا على قدرتة على العفو والمقدرة

اما الواقع الاكثر خطورة فهو انتشار ظاهرة جديدة ألا وهى نقض المصالحات الثأرية مما بعد خيانة للمطالب بالثأر بعد ان اطمئن بالعفو اصحاب الثأر