ريح ضميرك يا أستاذ فهمى

مقالات الرأي



كلنا نعرف الصراع بين القلب والعقل، ومعظمنا عاش توابع هذا الصراع، وجرب لحظة أن يطيح طوفان المشاعر بكل أساسات التفكير العقلى السليم. وعندما تستقيظ بعد فوات الأوان على صوت العقل، يكون الصوت واهنا وقادما من بعيد جدا. لأنك ببساطة تكون مرهقا ومتعبا من نزيف حاد نتيجة طعنة حادة فى قلبك.

ولكن الأستاذ فهمى هويدى يأخذنا بطريقته الحاذقة والمراوغة إلى نوع آخر وجديد ومثير من الصراع. وهو الصراع بين العقل والضمير.

فقد وقع الأستاذ فهمى بعد أحداث الأحد الدامى فى صراع بين صوت العقل وصوت الضمير. ووجه الصراع المثير أن صوت عقل الأستاذ هويدى مع دعم المجلس العسكرى وعدم بقائه لحين تسليم السلطة وهناك أيضا تقدير عقل الأستاذ فهمى لانحياز المجلس لمطالب الثورة.

ولكن صوت ضميره المرهف (ضمير الأستاذ فهمى) يعذبه مع مشاهد الأحد الدامى.

وبعد تحليل طويل يصل الأستاذ لسؤال أنقل لكم نصه: (كيف يستطيع المرء أن يستجيب لنداء عقله ويرضى ضميره فى نفس الوقت؟ ــ أعنى كيف يمكن أن يظل المرء متضامنا مع المجلس العسكرى ومحتفظا بسخطه واحتجاجه على ما نسب إليه من ممارسات؟).

ريح ضميرك يا أستاذ فهمى، فليس هناك تعارض بين صوت العقل الموضوعى غير المنحاز، وصوت الضمير النقى فى قضية واضحة وضوح شمس يوليو الحارقة. فالانحياز لدور المجلس أو بقائه لايجب أن يكون مطلقا، وكأنه شيك على بياض. ولكنه انحياز مشروط بأداء الدور المنوط به لانتقال السلطة. والتقدير التاريخى المستحق للمؤسسة، لا يمنع من نقد المجلس إذا أوقعتنا بعض أخطائه على شفا فتنة طائفية. وخلافا للتعارض المثير (بتاع) الأستاذ هويدي. فالقاعدة العامة تؤكد أنه كلما علا التقدير لمؤسسة أو لشخص كان انتقاد أخطائه أعظم واشد.

ريح ضميرك يا أستاذ فهمى

فالضمير الذى تربى على احترام وتقدير المؤسسة العسكرية المصرية هو نفس الضمير الذى يأبى لهذه المؤسسة أن تتجاهل ما لحق بها فى كارثة الأحد الدامى. وصوت الضمير والعقل معا يا أستاذ فهمى هو الذى يدفعنا بالمطالبة بالتحقيق الجاد الشفاف لما حدث، والاعتذار المسبق لأن أرواح 27 شهيداً ونحو 300 مصاب كانت ثمنا باهظا للتصرف الخاطئ والخطير وغير المسبوق تحت مسئولية المجلس. فليس هناك عاقل لا يعرف خطورة تجاهل توابع الأحد الدامي.

ريح ضميرك يا أستاذ فهمى

فإن صوت العقل والضمير معا كان يجب أن يدفعك لمطالبة المجلس صراحة بأن يتملك روحا مبادرة للتعامل مع هذه الكارثة. لا أقصد انتظار التحقيقات حول المدرعة ومن سرقها أو حرقها أو قادها، ولكننى أتحدث عن فعل سياسى وأخلاقى يجمع بين صوتى العقل والضمير معا. فعل يترجم مدى الأسى الذى يشعر به المجلس لهذه الكارثة. فعل لا يسعى ليمحو من الأذهان كارثة الأحد الدامي. ولكنه يكرم شهداءها فى عمل وطنى يحفظ وحدة مصر. تصور مثلا يا أستاذ هويدى لو ترجم المجلس أسفه إلى بناء كنيسة تحمل اسم شهداء ماسبيرو.. كنيسة جديدة نصلى فيها جمعيا صلاة الاعتذار والأسى. وتبقى شاهدة فى تاريخ مصر على أسفنا واعتذارنا على خطئية أحداث الأحد الدامى. وتذكر كل مواطن وكل مجند وكل شرطى كيفية التعامل الحذر مع المتظاهرين أقباط كانوا أو مسلمين.

ريح ضميرك يا أستاذ فهمى فأنت كاتب إسلامى كبير، وتعرف بالطبع الحديث الشريف حول نصرة الأخ ظالما أو مظلوما، وتعلم أن نصرة الأخ الظالم تكون برده عن الظلم، وليس تبرير هذا الظلم. أو إدخال القارئ فى أزمة تناقض وهمى ومفتعل بين صوت العقل وصوت الضمير.

ريح ضميرك يا أستاذ هويدي.

فلا صوت العقل ولا صوت الضمير ولا صوت الأخلاق يرضى بهذه المساومة الخفية فى مقالك. مساومة بين التخويف من بقاء مصر بدون مجلس عسكرى، أو نبقى نحن بدون ضمير. ريح ضميرك أو نحية جانبا فالقضية أخطر من خلق تناقضات وهمية أو مواءمات سياسية