عاطف حسانين يكتب: مصر بين أيوب وإخوة يوسف!

مقالات الرأي



الاقتصاد ينهار.. وتنهار معه حياء البسطاء من ابناء هذا البلد

المصريون البسطاء الذين مسهم الضر. من فقر وعوز ومرض وفساد بطول البلاد وعرضها..

ومصر تشبه زوجة أيوب التي باعت كل شيء من أجل زوجها العليل

لم يبق لمصر سوى جدائلها التي لفها الحزن كي تبيعها لأجل هذا الرجل عزيز النفس الذي انحنى، وصار طريح الفراش

فماذا ينتظر المخربون والهادمون وأصحاب الحرائق من هذا البلد، ومن أيوب هذاالزمن الحزين..

فما معنى أن تثور على الظلم؟

هل معناه أن تحرق بيتك انتقاما من كل ظالم؟

هل معناه أت توجع قلب أمك التي آوتك لعل الحريق يصل إلى قلب من تعاديه؟

إن قلب مصر يحترق، ومازال الكذابون والمنافقون وأصحاب المصالح وأصحاب الأجندات يضحكون من هؤلاء الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الغاضبين الذين لا يجدون إلى الحقيقة سبيلا.!

إن ما حدث ليس اعتصاما يؤيده الثوريون بل هلاكا لمصر وطغيانا على أصحاب الحقوق الأصلية في هذا البلد..

إن الله ابتلى مصر بلعنة اسمها فضائيات تزعم تأييد الثورة والثوار والاعتصامات؛ ولو كانت بلا هدف ولا قيمة، ولو أضرت بمصلحة وطن يقطن فيه أكثر من خمسة وثمانين مليون نسمة.

فلماذا يريدون عودة مصر إلى الوراء؟

هل قامت الثورة لكي تزيد من فقر الفقراء ومعاناة أهل المعاناة وهم السواد الأعظم من هذا الشعب، وبعد أن التف الناس حول الثوار الحقيقيين فإن ما يحدث يزيد من كراهية الناس للثورة وللثوار وللفضائيات وللصحفيين والإعلاميين الذين ينادون ليل نهار بخراب مصر وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..

ألا يفهم هؤلاء أن المواجهة الآن لم تعد بين المجلس العسكري وجماعة من المعتصمين الاستفزازيين؟ بل صارت بين الجيش وهؤلاء..

المصري يقتل المصري في شوارعنا التي لفها الاكتئاب ولونتها الدماء بلون الكراهية..

والجندي الذي يضربه المعتصمون بالحجارة هو شاب دخل الجيش لكي يؤدي خدمته العسكرية، وهو مقهور على تنفيذ الأوامر، بلا تفكير وإلا حوكم عسكريا...

إن الحالة اليوم معناها أن الشعب يواجه الشعب

ومنذ أن بدأت الثورة تأتي أكلها قلنا إن هناك فرقا كبيرا أيها الثوار بين الروح الثورية، والروح الثأرية، ولكنكم لم تسمعوا،حتى استطعتم بفضل تمسككم بالحقد المقدس أن تحولوا واو العطف.. إلى همزة قطع.. فقطعتم حبال المودة بين أفراد الشعب ممثلين في جنود القوات المسلحة.. وبين مجموعة من أفراد الشعب منهم الذي يعرف ما يريد ومنهم لا يعرف لماذا هو هنا يجلس على قارعة الطريق..

وهكذا تبكي مصر أيوبها، ذلك الرجل البسيط الذي انهارت حياته.. وسقط صريعا بين مصالح هؤلاء وهؤلاء، ولا أحد يفكر في صدرمصر، وصدر أيوبها اللذين اصابهما السعال من النوم في العراء.

أما إخوة يوسف.. فهم الدول العربية.. ولاسيما دول الخليج

تلك الدول التي ترى فقر مصر وآلام مصر ومواجعها، وتنتظر أن يذهب المصريون إليها عبيدا عمل، لا إخوة مكرمين.

إنهم اليوم يغضون الطرف عن مصر، ولا يقدمون المساعدة لها لتقف على قدميها، أو حتى لتدفع رهن البيت الذي أوشك على الانهيار.

وكإنهم يريدون أن تبقى مصر هي خادمتهم اليتيمة، وحارسهم الذي ينام على أعتاب قصورهم

يرتدون العباءات المقصبة وينتظرون أمام بئر الفقر ليتأكدوا أن مصر لنتقوم لها قائمة ليخلو لهم وجه الزعامة المنشودة..

إن مساعدة مصر وتقديم يد العون لها فرض عين عليكم ايها الراشدون، الذين أتخمهم الطعام وغرهم الذهب الأسود الذي لون قلوب مترفيهم.

إن أيوب في مصر يموت جوعا، وأنتم ترقصون بأموالكم على موائد أوربا، وتقدمون لأمريكا أشهى ممتلكاتكم طوعا لترضى عنكم ولتسيروا مرفوعي الرؤوس.. ونسيتم مصر التي طالما تحملت عنكم ودفعت الغالي والنفيس من أبنائها وأموالها في سبيلكم..

فلا تأخذنكم أموالكم والراحة في قصوركم عن أداء الحق المفروض عليكم

وأنتم تعلمون أن ما أوقف الفرس عن التهامكم طويلا سوى بأس مصر.. فكيف بكم اليوم تتركونها مهلهلة الثياب تنام في الطرقات في ليالي الشتاء الباردة.

إن مصر لو سقطت ستسقطون معها واحدة تلو الأخرى، ولو أصابها هشاشة العظام سوف تمتد آثاره في أجسادكم وضمائركم.. فأفيقوا وابسطوا لمصر أيديكم، لأنها عضدكم وساعدكم، أفيقوا يا إخوة يوسف قبل أن يأتي سقوطها عليكم خرابا ودمارا، ووفوا لها باسم دينكم، وباسم عروبتكم، وباسم رجولتكم، وباسم ضمائركم، وظني أن فيكم بقايا من ضمير حي.

واعلموا أن الشمس والقمر يسجدون في محراب هذا البلد الأمين، فأيقظوا ضمائركم يا كواكب الشرق التي سوف يأتيها الغدر من كل جانب لو سقطت مصر..

أفيقوا يا إخوة يوسف من العرب..

وأيقظوا ضمائركم يا قتلة أيوب بالحسرة، وأنتم لا تشعرون.