هل الايمان يسبق الاسلام ام العكس؟

منوعات



الجواب يتوقف على تعريف كل كلمة ، ثم بيان العلاقة بينهما ، ومن أبدع ما ذكره أهل العلم في هذا كله ما ذكره الإمام الغزالي في ( الإحياء ) حيث قال في هذا ثلاثة مباحث: بحث عن موجب اللفظين في اللغة، وبحث عن المراد بهما في إطلاق الشرع، وبحث عن حكمهما في الدنيا والآخرة، والبحث الأول لغوي، والثاني تفسيري، والثالث فقهي شرعي.

البحث الأول: في موجب اللغة؛ والحق فيه أن الإيمان عبارة عن التصديق؛ قال الله تعالى وما أنت بمؤمن لنا أي؛ بمصدق، والإسلام عبارة عن التسليم والاستسلام بالإذعان والانقياد وترك التمرد والإباء والعناد، وللتصديق محل خاص وهو القلب، واللسان ترجمان. وأما التسليم فإنه عام في القلب واللسان والجوارح فإن كل تصديق بالقلب فهو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الاعتراف باللسان وكذلك الطاعة والانقياد بالجوارح. فموجب اللغة أن الإسلام أعم والإيمان أخص فكان الإيمان عبارة عن أشرف أجزاء الإسلام؛ فإذن كل تصديق تسليم وليس كل تسليم تصديقاً.

وبناء على هذا البحث اللغوي فإن الإيمان أسبق من الإسلام.

البحث الثاني: عن إطلاق الشرع؛ والحق فيه أن الشرع قد ورد باستعمالهما على سبيل الترادف والتوارد ، وورد على سبيل الاختلاف ، وورد على سبيل التداخل

1- أما الترادف ففي قوله تعالى فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ولم يكن بالاتفاق إلا بيت واحد وقال تعالى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة عن الإيمان فأجاب بهذه الخمس.

2- وأما الاختلاف فقوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ومعناه استسلمنا في الظاهر، فأراد بالإيمان ههنا التصديق بالقلب فقط وبالإسلام الاستسلام ظاهراً باللسان والجوارح، وفي حديث جبرائيل عليه السلام لما سأله عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره، فقال: فما الإسلام؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس فعبر بالإسلام عن تسليم الظاهر بالقول والعمل. وفي الحديث عن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أعطى رجلاً عطاء ولم يعط الآخر؛ فقال له سعد: يا رسول الله تركت فلاناً لم تعطه وهو مؤمن؟ فقال صلى الله عليه وسلم أو مسلم ؟! فأعاد عليه فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم

3- وأما التداخل فما روى أيضاً أنه سئل فقيل أي الأعمال أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام، فقال: أي الإسلام أفضل، فقال صلى الله عليه وسلم: الإيمان وهذا دليل على الاختلاف وعلى التداخل وهو أوفق الاستعمالات في اللغة لأن الإيمان عمل من الأعمال وهو أفضلها، والإسلام هو تسليم إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح وأفضلها الذي بالقلب وهو التصديق الذي يسمى إيماناً والاستعمال لهما على سبيل الاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف كله غير خارج عن طريق التجوز في اللغة.

البحث الثالث: عن الحكم الشرعي. والإسلام والإيمان حكمان أخروي ودنيوي. أما الأخروي فهو الإخراج من النار ومنع التخليد إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وقد اختلفوا في أن هذا الحكم على ماذا يترتب؟ وعبروا عنه بأن الإيمان ماذا هو؟ فمن قائل إنه مجرد العقد ومن قائل يقول إنه عقد بالقلب وشهادة باللسان ومن قائل يزيد ثالثاً وهو العمل بالأركان ... وقد استعرض الإمام الغزالي الدرجات المختلفة باختلاف أصحابها ثم انتهى إلى درجة من يقول بلسانه لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكن لم يصدق بقلبه فلا نشك في أن هذا في حكم الآخرة من الكفار وأنه مخلد في النار، ولا نشك في أنه في حكم الدنيا - للذي يتعلق بالأئمة والولاة - من المسلمين لأن قلبه لا يطلع عليه، وعلينا أن نظن به أنه ما قاله بلسانه إلا وهو منطو عليه في قلبه.