هل يؤدي تعيين رئيس وزراء جديد في اثيوبيا الى انفراجة في ملف مياه النيل ؟

أخبار مصر



أثارت وفاة رئيس وزراء اثيوبيا ملس زيناوي تساؤلات حول مستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية بشكل خاص وعلاقات مصر مع دول حوض النيل بشكل عام وكذلك حول امكانية حدوث انفراجة فيما يتعلق بالخلافات حول الاتفاقية الاطارية الشاملة لدول حوض النيل وذلك بعد أن تصدرت اثيوبيا في ظل حكم زيناوي قائمة دول المنبع المطالبة بتوقيع واقرار هذه الاتفاقية والتي تضع قواعد جديدة بشأن مياه حوض النيل.

واعتبر مراقبون هنا أن زيناوي لعب دورا رئيسيا في حث ودفع دول المنبع على توقيع هذه الاتفاقية في أوغندا عام 2010 والتي وقعتها سبع دول حتى الان وترفض دولتا المصب وهما مصر والسودان التوقيع عليها .

وبالرغم من اعلان المتحدث باسم الحكومة الاثيوبية بيريكيت سيمون امس بأن سياسات الحكومة الجديدة التي سوف يشكلها رئيس الوزراء الجديد هيلا مريام ديسالين والذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في عهد زيناوي بعد ادائه اليمين القانونية خلال ايام أمام البرلمان، لن تتغير بعد وفاة زيناوي، الا ان ثمة تقارير لوسائل الإعلام تدفع بأن وفاة زيناوي ربما تحرك ملف المفاوضات الجامد حول مياه النيل بين دول المنبع والمصب.

وتشير التقارير الى أن زيناوي كان منتقدا لحصة مصر من مياه النيل ويطالب بمراجعة اتفاقية عام 1929 قائلا إنها تعطي لمصر والسودان حصة الأسد من مياه النيل، كما قال مرارا ان القاهرة تعارض بناء سدود على نهر النيل لتوليد الطاقة الكهربائية وتنمية البلاد بالرغم من اعلان مصر موافقتها المبدئية على بناء سد النهضة الاثيوبي على النيل الازرق شريطة التأكد من انه لن يلحق اضرارا بدولتي المصب وهما مصر والسودان.

ومع ذلك قللت مصادر دبلوماسية متابعة لملف مياه النيل من احتمالات حدوث تغيير يذكر في سياسات رئيس الوزراء الجديد ديسالين عن سياسات سلفه زيناوي فيما يتعلق بملف مياه النيل مشيرة الى أن تصريحات ديسالين في عهد سلفه زيناوي تشير الى تمسكه بنفس الموقف ولا تنبىء بامكانية حدوث تغيير كبير علاوة على انه ينتمي لنفس الحزب الحاكم في اثيوبيا وتصريحاته التي تشير الى انه سوف يواصل سياسات زيناوي.

وتشير المصادر الدبلوماسية الى ان ديسالين طالب مصر والسودان في تصريحات سابقة متكررة بقبول الاتفاقية الاطارية بشأن استخدام نهر النيل والتي يفترض انها ستحل محل اتفاقيتي 1929 و 1959 قائلا انه لن يكون هناك اي تعديل بها. كما يتبنى ديسالين فكرة تحقيق مكاسب للجميع من مياه النيل دون الاضرار بأي طرف ، حيث قال في تصريحاته ان هناك تفاهما مقبولا على نطاق واسع بأن مياه النيل يمكن تقاسمها بدون التأثير على مزايا الطرف الاخر. وقال يتعين على (بعض الدول) التخلي عن سياسات الازمنة القديمة التي تقول اذا كسب طرف، يخسر الطرف الاخر. والعالم قد تغير ويمكننا ان نستفيد جميعا. كما أن قبول اتفاقية مبادرة حوض النيل سيكون حلا مفيدا للجميع .

لكن ما يناقض هذا الرأي أن ديسالين كان نائبا لزيناوي ووزيرا لخارجيته وبالتالي ينفذ سياساته، وقد يتبنى سياسات مختلفة عندما يقود الحكومة الجديدة رسميا بعد ان يؤدي اليمين القانونية خلال جلسة طارئة امام البرلمان الاثيوبي والتي ستدعو الحكومة الى عقدها خلال ايام، بما يتيح لديسالين ان يشغل مؤقتا بموجب الدستور الاثيوبي منصب رئيس الوزراء وذلك عقب وفاة رئيس الوزراء ملس زيناوي. وسوف يشغل ديسالين هذا المنصب لمدة ثلاث سنوات وهي المدة المتبقية من فترة رئيس الوزراء زيناوي الاخيرة البالغة خمس سنوات والتي قضى منها زيناوي عامين على ان تجرى انتخابات برلمانية جديدة بعد ذلك.

وشغل ديسالين (47 عاما) منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في عام 2010 وكان مستشارا خاصا لرئيس الوزراء قبل ذلك. وبرز ديسالين سريعا في صفوف الحكومة عندما تحول الى عالم السياسة ليشغل منصب حاكم ولاية أمم وشعوب جنوب اثيوبيا الواقعة في جنوب غرب البلاد في الفترة من 2001 الى 2006 وعين بعد ذلك مستشارا لزيناوي.

واختاره زيناوي نائبا له بشكل مفاجىء في عام 2010، كما حل محل زيناوي في رئاسة عدد من اللجان البرلمانية خلال السنوات القلائل الماضية وهو مؤشر على تفضيل رئيس الوزراء له.

وكانت الخلافات بين دول المنبع والمصب قد احتدمت عندما اخفق اجتماع مشترك لوزراء تلك الدول عقد في شرم الشيخ في مايو 2010 في تقريب وجهات النظر بين الجانبين حول النقاط الخلافية في وثيقة الاتفاقية والتي اعدتها دول المنبع واعقبها التوقيع المنفرد على هذه الوثيقة من اثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا واوغندا وتبعتها بوروندي فيما عارضتها دولتا المصب وهما مصر والسودان.

وتتيح الاتفاقية للدول الواقعة عند منبع النهر إقامة مشاريع للري والطاقة الكهربائية من دون الحصول على موافقة مسبقة من مصر .

وكان محور الخلاف بين مصر ودول المنبع هو تمسك مصر بالاتفاقية القديمة المبرمة في 1929 والتي تمنح مصر حق الاخطار المسبق بالمشاريع التي تبنى على النيل خارج أراضيها وحق الاعتراض على إقامتها، وكذلك تمسك دولتي المصب باتفاقية أخرى موقعة بين مصر والسودان في 1959 وتمنح مصر حصة تبلغ حوالي 5ر55 مليار متر مكعب من المياه كل عام وتبلغ نحو حوالي 87\% من منسوب النيل فيما تمنح السودان 5ر18 مليار متر مكعب.

ومع ذلك شهدت العلاقات المصرية الاثيوبية انفراجة في عهد زيناوي بعد زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية عقب ثورة 25 يناير العام الماضي والتي وصفت بأنها صفحة جديدة في العلاقات مع إثيوبيا حيث قرر زيناوي تأجيل التصديق على الاتفاقية الاطارية حتى تشكيل حكومة جديدة واختيار رئيس جديد بمصر ووافق ايضا على تشكيل لجنة ثلاثية تضم خبراء من مصر واثيوبيا والسودان واستشاريين دوليين لدراسة ومعاينة سد النهضة الإثيوبي لطمأنة المصريين.

ومازال الجانب الاثيوبي يؤكد عزمه توقيع الاتفاقية الاطارية حيث اعلن وزير شؤون الاتصالات شيملز كمال يوم 22 يونيو الماضي ان الاتفاقية هي بانتظار عملية التصديق عليها ، موضحا أن الحكومة الاثيوبية كانت قد علقت عملية التصديق عليها حتى تظهر للشعب المصري والسلطات المصرية انها لا تستغل الازمة في مصر للتعجيل باقرار الاتفاقية . واشار الى ان الحكومة كانت قد اعلنت تعليقها عملية التصديق على الاتفاقية حتى تشكيل حكومة شرعية في مصر، وأن اثيوبيا ستبدأ في عملية التصديق عليها بعد انتهاء العملية الانتخابية في مصر وتشكيل الحكومة الجديدة .

لكن من الأهمية مواصلة البناء على النهج الايجابي في العلاقات بين مصر واثيوبيا ودفع وتعزيز التقارب الايجابي والذي بدأ مع زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية بعد ثورة 25 يناير، ويؤشر رد الفعل الرسمى المصرى بإعلان ارسال وفد رفيع المستوى للمشاركة فى العزاء على عزم مصر مواصلة تحسين العلاقات المصرية الإثيوبية بشكل كبير والدفع بها لصالح شعبي البلدين.