حكومة نتنياهو الرابعة.. ولادة متعثرة وصراع من أجل البقاء

العدو الصهيوني

بوابة الفجر



نجح زعيم حزب الليكود اليميني الفائز في الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في 17 مارس الماضي بنيامين نتنياهو في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء مهلة الـ42 يوما التي يحددها القانون لتشكيل الحكومة في تشكيل ائتلاف حكومي جديد يضم إلى جانب الليكود (30 مقعدا في الكنيست) أحزاب "البيت اليهودي" اليميني (8 مقاعد) و"شاس" الديني لليهود الشرقيين (7 مقاعد) و"يهودوت هتوراه" الديني لليهود الغربيين (6 مقاعد) و"كلنا" الوسطي المنشق عن الليكود ولديه 10 مقاعد.

غير أن النجاح الذي حققه نتنياهو قد يكون لحظيا وخروجا من عنق الزجاجة الذي وضع نفسه فيه عندما أعلن بشكل قاطع رفضه تشكيل حكومة وحدة وطنية مع "المعسكر الصهيوني" الذي حل ثانيا في الانتخابات (24 مقعدا) والمكون من تحالف حزبي العمل بزعامة اسحاق هيرتسوج والحركة بزعامة وزيرة القضاء السابقة تسيبي ليفني.

وبحسب محللين ووسائل إعلام عبرية، سيواجه نتنياهو تحديات جمة للحيلولة دون انفراط عقد حكومته الهشة كونها حكومة حد أدنى (61 من أصل 120 نائبا في الكنيست) وهو ما سيجعلها معرضة للسقوط أمام أي ضغوط سواء من داخلها أو من خارجها.

وخضع نتنياهو من أجل بقائه رئيسا للحكومة لطلبات شركائه في الائتلاف، وهو الأمر الذي سيجعله أسيرا لابتزازهم، خصوصا حزب "البيت اليهودي" اليميني بزعامة نفتالي بينيت المعروف بمواقفه العنصرية ورفضه لقيام دولة فلسطينية وتشجيعه للاستيطان والذي أجبره على تعيين زميلته في الحزب اييلت شكيد وزيرة للقضاء.

ويعلق المحلل السياسي الفلسطيني توفيق أبو شومر على تشكيلة حكومة نتنياهو قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط :"نتنياهو لم يغير شيئا رغم فوزه بالانتخابات..حكومته ضعيفة جدا ولن تستمر طويلا وسيبقى خاضعا لابتزاز أحزاب اليمين لأن أغلبية 61 عضو كنيست لا تشكل ضمانا كي تعمل بشكل مستقر".

وأضاف "حكومة نتنياهو الضيقة تستند إلى صوت واحد، وهو ما يوفر الفرصة للمعارضة لعرقلة كل عملياتها وتقصير عمرها".

ويحكم نتانياهو (66 عاما) منذ عام 2009، وحكومته الجديدة هي الثالثة على التوالي ، والرابعة في الإجمال بعد ولايته الأولى ما بين 1996-1999.

وبعدما كان يطمح لتشكيل ائتلاف يحظى بأغلبية 67 نائبا، أتى إعلان افيجدور ليبرمان وزير الخارجية السابق انه لن ينضم وحزبه "إسرائيل بيتنا" اليميني القومي (6 مقاعد في الكنيست) للائتلاف الحكومي ليخفض سقف آماله إلى أغلبية 61 نائبا فقط.

وترى وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو سيكون بمثابة "جنرال بدون جنود" وسيخضع لسيطرة أي نائب في الائتلاف الحكومي يستطيع إسقاط الحكومة في حال رغب في ذلك.

وتوقع أبو شومر أن يسعى نتنياهو إلى توسيع الائتلاف خلال الشهور المقبلة،وقال "أمامه خياران الأول السعي لإحداث انقسام في حزبي "إسرائيل بيتنا" و"هناك مستقبل" بزعامة وزير المالية السابق يائير لابيد من خلال تقديم إغراءات لأعضاء في الحزبين بالكنيست للانضمام إلى حكومته، ونفس الشيء مع "المعسكر الصهيوني" فى حال قدم مغريات لبعض أعضائه.

وأضاف "الخيار الثاني هو التفاوض بشكل مباشر مع "المعسكر الصهيوني" من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى لو اضطر إلى تقاسم رئاسة الوزراء مع زعيم المعارضة وحزب العمل هيرتسوج".

وأبقى نتنياهو وزارة الخارجية في يديه، لتكون بمثابة "الرشوة القادمة" لضم حزب آخر للحكومة، كما سارع إلى تمرير قانون زيادة عدد وزراء الحكومة لأكثر من 18 وزيرا وعدد نواب الوزراء لأكثر من 4 نواب لتفادي حدوث تمرد داخل حزب الليكود في أعقاب السخط العارم الذي ساد بين قادة الحزب الذين يرون أحقيتهم في شغل حقائب وزارية.

وسخر الصحفي الإسرائيلي والمحلل السياسي في صحيفة "معاريف" شالوم يروشالمي من تشكيلة حكومة نتنياهو قائلا:"بودي أن أعلن الآن عن المرشح الرئيسي في الانتخابات القادمة التي قد تجري في مايو أو يونيو 2016 لان حكومة الـ 61 عضو كنيست لن تصمد أكثر من عام..هل تصدقون ذلك؟. 

وتحت عنوان "حكومة الكابوس "، كتب يروشالمي :"ستكون هذه الحكومة كابوسا لنتنياهو حيث سيستغل شركاء الائتلاف الحكومي ضعفه لابتزازه والحصول على كل ما يريدون، وقد بدأ نفتالي بينيت هذا الابتزاز حتى قبل أن يرى الائتلاف النور بفترة طويلة".

وتابع:"نتحدث عن معجزة سياسية تجري أمام ناظرينا فقد خسر "بينيت" في الانتخابات الأخيرة ثلث قوته البرلمانية ولاذ بعد هذه الهزيمة بالصمت وأظهر الكثير من الود والاستعداد للتصالح مع الآخرين وجلس ينتظر المكالمة الهاتفية من نتنياهو لكن هذه المكالمة لم تأت فقد تصرف نتنياهو كعادته خلال المفاوضات الائتلافية بالتهور والتسرع المعروف بهما وأبقى "بينيت" في آخر صف المتحدثين مفضلا عليه موشيه كحلون (زعيم حزب كلنا المنشق عن الليكود) والكتل المتدينة "الحريديم".

واعتبر أن استقالة "ليبرمان" جاءت لتمنح "بينيت" القوة العظيمة واستغل ضغط الزمن وقرب حلول الموعد النهائي لتقديم الحكومة ولعب جيدا بأعصاب نتنياهو المتوترة أصلا وخرج من المفاوضات الائتلافية في الدقيقة التسعين بالضبط مع ثلاث حقائب وزارية "التعليم،القضاء،الزراعة ولواء الاستيطان وهي المؤسسة الهامة جدا للمستوطنين" ما يعني أن "بينيت" حصل مع مقاعده الثمانية في الكنيست على ما لم يحصل عليه حين كان معه 12 مقعدا (في البرلمان السابق).

وبحسب المحلل الإسرائيلي، لو أراد "بينيت" أن يجبر نتنياهو على توقيع اتفاقية تناوب على رئاسة الوزراء لحصل على ذلك بسهولة لكنه لسبب ما لم يطلب ذلك لأنه ربما هو نفسه أدرك بان إسرائيل تتجه نحو حكومة قصيرة العمر فليس من المنطق حرمان نتنياهو من عدة أشهر إضافية في السلطة والحكم.

واعتبر الفلسطينيون على مختلف توجهاتهم أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة حكومة حرب وتوسع استعماري استيطاني في القدس والضفة وعدوان وحصار على قطاع غزة وضد السلام والاستقرار في المنطقة.

وقالت الرئاسة الفلسطينية إن على الحكومة الإسرائيلية الجديدة "أن تختار بين السلام وبين الاستيطان والفوضى"، في حين اعتبرت حركة حماس التي لا تعترف بإسرائيل أنها "تعكس ازدياد الروح العنصرية والتطرف بين الإسرائيليين، وهذا يستدعي ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية، وإنهاء مشروع التسوية مع الاحتلال".

وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إن "المطالب الفلسطينية واضحة لإخراج العملية السياسية من مأزقها الحالي وهي القبول بمبدأ حل الدولتين ووقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية ووقف سياسة العدوان والانتهاكات والإجراءات التعسفية بحق شعبنا".

وحول فرص استئناف المفاوضات في ظل الحكومة اليمينية الاستيطانية في إسرائيل، يقول المحلل السياسي الفلسطيني توفيق أبو شومر انها ستكون "صعبة للغاية" باعتبارها حكومة غلاة المتطرفين والمستوطنين،مؤكدا أنها سوف تواصل سياساتها الاستيطانية في القدس والضفة.

ولم تكد حكومة نتنياهو ترى النور حتى أصدر المستوى السياسي الإسرائيلي تعليماته لما تسمى بـ "اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في القدس" بإقرار بناء 1500 وحدة استيطانية بمستوطنة "رامات شلومو" شمال القدس المحتلة بعد تجميد الإجراءات القانونية لأكثر من عام، إضافة إلى حوالي 77 وحدة أخرى بمستوطنتي "بسغات زئيف" و"النبي يعقوب" داخل المدينة المقدسة.

وقال "المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان" التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية إن اللجنة لم تتأخر عن الاستجابة للتعليمات وصادقت يوم الجمعة الماضي على بناء 900 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "رامات شلومو" المقامة على أراضي بلدة شعفاط في القدس المحتلة.

وبحسب أبو شومر فإن أمام السلطة الفلسطينية 3 خيارات في مواجهة حكومة نتنياهو الأول بقاء عملية التفاوض مجمدة كما هي عليه الآن ومواصلة التحرك على الصعيد الدولي للانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية والتقدم مجددا إلى مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار لإنهاء الاحتلال،بالإضافة إلى إعداد الملفات للتقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وتابع:"الخيار الثاني هو العمل على توحيد الصف الفلسطيني من خلال تفعيل المصالحة مع حركة حماس ، وهذا الخيار يساعد فى تعزيز وتقوية الموقف الفلسطيني".

أما الخيار الثالث ، فهو الرفض المطلق للمفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية مستندة في ذلك الى فشل المفاوضات التي جرت برعاية أمريكية قبل أكثر من عام.لكنه – بحسب أبو شومر- من الصعب لجوء السلطة إلى هذا الخيار في ظل الضغوط الدولية الكبيرة التي تواجهها من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لحثها على العودة لطاولة التفاوض من جديد وعلى رأس الضغوط التلويح بورقة الدعم المالي.

وتوقفت عملية المفاوضات بشكل نهائي في 29 أبريل 2014 بانقضاء مهلة التسعة أشهر التي حددتها الإدارة الأمريكية التي رعت مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولم تحقق أي نتيجة تذكر، وانتهت بتوجه الفلسطينيين للحصول على عضوية العديد من المنظمات الدولية،وآخرها محكمة الجنايات، بعد أن رفضت إسرائيل تنفيذ ما عليها من التزامات وعلى رأسها تجميد الاستيطان وإطلاق سراح آخر دفعة من الأسرى القدامى الذين اعتقلتهم قبل اتفاق أوسلو الموقع عام 1993.

ويطالب الفلسطينيون لاستئناف أية مفاوضات مستقبلية أن يحدد المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة سقفا زمنيا للتفاوض بحلول نهاية عام 2017 على أساس مبدأ حل الدولتين.

ولم يستبعد أبو شومر إقدام نتنياهو على شن عدوان جديد على قطاع غزة مدعوما من أحزاب حكومته اليمينية في حال اذا كان الثمن بقاءه في منصبه.

وقال :"غزة قد تكون طوق نجاة لنتياهو بافتعال أزمة من خلال اطلاق صاروخ من القطاع باتجاه المستوطنات القريبة أو شن عمليات نوعية في الضفة ضد الاحتلال على غرار اختطاف المستوطنين الثلاثة بالخليل في يونيو من العام الماضي والذي تبعه شن عدوان "الجرف الصامد" الذي استمر 51 يوما في الصيف الماضي".

ونبه إلى وجود دعوات في إسرائيل للتهدئة وتخفيف الحصار على غزة وآخرها دعوة رئيس مجلس الأمن القومي السابق الجنرال احتياط "غيورا ايلاند" والذي تحظى أطروحاته باحترام كبير لدى صناع القرار في الدولة العبرية.
وقال "ايلاند" في مقال نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" تحت عنوان "حماس..من أجل الأمن" قبل أيام إن "مصلحة إسرائيل في غزة مصلحة أمنية فقط لا غير وتتجلى هذه المصلحة بشكلين الأول الحفاظ على الهدوء أطول فترة ممكنة،والثاني خفض مستويات ووتيرة تسلح حماس ولا يوجد لإسرائيل مصالح أخرى في غزة سواء اقتصادية أو إقليمية أو سياسية" .

وأضاف "يمكن تحقيق هذه المصلحة الإسرائيلية بثلاث طرق هي اتفاق نهائي ودائم مع السلطة تجد في سياقه قضية غزة والوضع فيها حلها، مواصلة الضغط الاقتصادي على غزة حتى انهيار نظام حكم حماس، وتعزيز المصلحة المشتركة مع حماس التي تسعى إلى منع وقوع جولة عنف أخرى، ويبدو أن الطريقة الثالثة هي الأكثر واقعية" (حسب قوله).

واعتبر أن الإصرار الإسرائيلي والدولي على تسليم السلطة الفلسطينية كافة الموارد الخاصة بإعمار غزة كان خطأ قاتلا.

وقال "كان من المفترض على إسرائيل أن تقود عملية الإعمار الدولية وتسليم الموارد الخاصة بمشروع الاعمار إلى الحكومة الفاعلة والمسيطرة في غزة وهي حكومة حماس ولان مصلحتنا هناك أمنية خالصة كان يجب أن نظهر سعة صدر في كل مجال أخر بما في ذلك قضية إقامة ميناء بحري في غزة وفي المقابل أن نصر على إقامة جهاز دولي قوي يناط به مهمة منع استخدام غير صحيح للموارد والمواد المتدفقة على غزة ولان مثل هذا الجهاز ليس قائما حاليا فان الاسمنت الذي تدخله إسرائيل لغزة سيجد طريقه بسهولة إلى الأنفاق" .

واختتم "غيورا ايلاند" مقاله بالقول "من يرد توسيع دائرة المصالح الإسرائيلية في غزة وان يضع أهدافا سياسية مثل تعزيز مكانة أبو مازن في غزة فانه يعرض المصلحة الوطنية الإسرائيلية الوحيدة والحقيقية وهي المصلحة الأمنية للخطر".