البرلمان يثير الجدل من جديد بـ"إجهاض المغتصبة"

تقارير وحوارات

مجلس النواب
مجلس النواب


أستاذ الشريعة الإسلامية: يجوز إجهاض المرأة المغتصبة قبل بلوغ عُمر الجنين 120 يومًا
فقيه دستوري: غير قانوني إلا في حالة تفادي المرأة من خطر جسيم يهدد صحتها بالموت
أخصائي أمراض نفسية: الإجهاض الحل للوقاية من الأمراض النفسية.. لكن بشرط


الإجهاض يعد جريمة بشكل عام بل اعتداء على حق الجنين في الحياة، فإن كانت القوانين الجنائية الوضعية قد اتفقت إلى حد ما على حكم معين بصدد جريمة قتل الإنسان الحي، فإنها لم تتفق بذات على حكم جريمة إجهاض المرأة الحامل عن عملية اغتصاب.

 الاتجاهات التشريعية الجنائية تتغير بتغير أوجه المظاهر السائدة في المجتمع، ويرجع أساس هذا التغير لاختلاف آراء علماء الدين وفقهاء القانون وغيرهم حول مسألة الإجهاض فالبعض يؤيد والآخر يعارض، فالأول يرى أن من حق المرأة التخلص من الجنين لحريتها وسلامتها من الأمراض النفسية التي تلازمها كالظل طيلة حياتها ولكن بشروط طبية، وفي المقابل يرى المعارضون عكس ما يراه المؤيدون حيث يؤكدون أن الإجهاض في جميع الحالات غير قانوني لاسيما وأنه من الممكن أن يؤدي بها إلى الموت.


ورصدت الفجر" في هذا التحقيق  رداً على طلب من البرلمان المصري لإبداء الرأي الشرعي والقانوني حول مقترح إحدى النواب بإباحة إجهاض المغتصبة لمساعدتها على التخلص من آثار هذه الجريمة البشعة، ووضع بندًا يتيح للفتاة التي اغتصبت وتبين حملها، بإجهاض نفسها.


يجوز بشروط
وحول ذلك قال الدكتور محمد المنسي، أستاذ الشريعة بكلية دار علوم جامعة القاهرة، إن إجهاض المرأة المغتصبة جائز، ولكن قبل أن يبلغ عمر الجنين 120 يوم،  وبعد ذلك حرام ولا يجوز نظرًا لأن بعد 120 تنسخ فيه الروح، وإجهاضه يكون قتل للنفس البشرية وهذه قضية أخرى.

وأوضح "المنسي"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن إجهاض الحمل الناتج عن الاغتصاب من باب الضرورات التي تبيح المحظورات، باعتبار أن وجود طفل ناتج عن هذا الفعل في بطنها يعرضها للكثير من المآسي كالحالة النفسية التي تظل تحت رحمتها طوال الحياة، ناهيك عن مشكلة النسب والتي تعد قضية أخرى، ففي هذه الحالة يجوز الإجهاض لكن بشرط ألا يتعدى 120 يوم.


وأشار المنسي، إلى أهمية إنشاء مراكز طبية لاستقبال الحالات "المغتصبة"  لتقوم هذه المراكز بالعمل الطبي نحو عملية الإجهاض في هذه الحالة قبل أن يستفحل أمرها، وتتفرع المشكلة.


غير قانوني
وعلى صعيد الفقه قال المستشار رمضان بطيخ، الفقيه الدستوري، إن الإجهاض في جميع حالته محرم شرعًا وقانونيًا، موضحًا أن  لا فرق بين أن يكون الإجهاض لامرأة متزوجة، أو مغتصبة، ويعد من جرائم الاعتداء لأن الضرر الناتج عنه يصيب كائنًا حيًا، حتى وإن كان جنينًا لم يخرج بعد إلى نور الحياة، بصرف النظر عن أنه جاء بشكل شرعي أو غير شرعي.

وأضاف "بطيخ"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن الإجهاض جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس، طبقًا للمادتان 261، 262 من قانون العقوبات المصري، حيث تنص المادة 261على أن "كل من أسقط عمدًا امرأة حبلى؛ بإعطائها أدوية، أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك، أو بدلالتها عليها، سواء كان برضائها أو لا، يعاقب بالحبس"، بينما المادة262 تنص على" المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها، أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها، أو مكّنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها، وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة، تعاقب أيضا بالحبس"، مشيرًا إلى أن القانون واضح للجميع ولا يختص بالمتزوجة فقط بل شامل وصريح.


وأكد "بطيخ"، أن إباحة الإجهاض فقط في حالة إنقاذ المرأة الحامل من خطر جسيم يهدد صحتها بالموت، وبشرط أن يكون الإجهاض هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياتها من هذا الخطر، وذلك على أساس أن الخطر في هذه الحالة يعد مانعًا من موانع المسؤولية الجنائية حسب القانون المصري.


اضطرابات نفسية شديدة
على المستوى الطبي يروي الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة، أنه بالفعل يعالج بنت في العقد الثاني من عمرها تعرضت لحالة اغتصاب ونتج عنه حمل، وأصيبت الفتاه بضربات عقلية شديدة لمدة ستة أشهر، وبعد أن أفاقت وعلمت بحدوث الحمل دخلت في حالة اكتئاب مما أدى إلى محاولات الانتحار لأكثر من مرة، ولازالت تحت المراقبة.

وأوضح "فرويز"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن الاضطراب الشديد الذي يصيب المرأة عقب الاغتصاب تداعياته السلبيه جثيمة ممكن أن تؤدي بحياتها للموت، خوفًا منها أن هذه الحالة تحدث مرة أخرى ولاسيما في منطقة العشوائيات تتحول البنت فيها إلى كائن ضعيف لفاعلي هذه الجريمة، فضلا عن جهل الآباء اللذين يعرضون حياتها للخطر المباشر عن طريق الإجهاض الخاطئ لدى غير متخصصين طبيًا مما يجعلها فريسة سهلة للموت، لذا الحل يكمن في اتاحة إجهاضها ولكن ليس من نفسها بل تحت إشراف طبي ومختصين بهذا الشأن.

واستطرد "فرويز"، قائلا: " إن المشكلة الثانية أن هذا الطفل لابد وأن ينسب لأبيه (طفل الفراش)، وبهذه الحالة لا يوجد "والد" له ولو اتنسب لأببيه فهذه مشكلة ميراث أخرى، ناهيك عن الكابوس النفسي الذي لن تفيق منه طوال وجود هذا الطفل إضافة إلى أن مشاعر الأمومة ستتحول لحالة كره لظروف لأنها دائما ستعيش في مأساة نتيجة لتذكرها ظروف الاغتصاب وما تعرضت له من امتهان لكرامتها.

ولفت فرويز"، إلى أن الأمراض التي تصيب المغتصبة الحامل هي "الاكتئاب، والانفصام في الشخصية، والهوس الدائم"، وذلك طبقا للاستعداد الجيني الذي تمتلكه.


فتوى بجواز إجهاض جنين المغتصبة
وكان الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، أفتى بجواز اجهاض الفتاة أو المرأة التي تتعرض للاغتصاب في أي وقت عندما يتبين أنها أصبحت حاملا‏، استناداً لاعتراف قواعد الشريعة الإسلامية بمبدأ الأعذار الشرعية‏.

كما استند في فتواه على أن الفتاة لا تتحمل أي وزر إزاء تخلصها من ثمرة هذه الجريمة الوحشية‏,‏ ولا تعتبر  بأي حال من الأحوال  قاتلة للنفس التي حرم الله تعالي قتلها إلا بالحق‏.‏

وأضاف "طنطاوي" أن هذا الحكم الشرعي يستلزم لتحققه أن تكون ضحية الاغتصاب قد بذلت ما تستطيع للدفاع عن نفسها‏,‏ والحيلولة دون أن ينال منها الجاني‏.‏

وتابع  شيخ الأزهر ‏:‏ أن الإجهاض هنا يندرج تحت مبدأ‏(‏ الحق‏)‏ الذي يجيز قتل النفس البشرية‏,‏ وهو استثناء لا يتجاوز حالة المغتصبة إلي غيرها ممن ترتكب جريمة الزنا‏,‏ وتحمل سفاحا، مؤكدًا أن حق المغتصبة في الإجهاض لا يرتبط فقط بفترة نفخ الروح‏,‏ وإنما يجوز أن يتم فور اكتشافه في وقت لاحق، مشيراً إلى تأييد الأزهر الشريف لإجراء أي تعديل قانوني ينظم هذا الاستثناء الشرعي ويبيحه‏.‏
قانون لإتاحة إجهاض المغتصبة

يذكر أن النائبة  إلهام المنشاوي، تقدمت باقتراح بضرورة إصدار قانون يسمح بإجهاض المغتصبة نفسها، الأمر الذي أثار جدلا بين الفقهاء والقانونيين، وعلماء النفس.

و أوضحت أن  إجهاض الفتاة أو المرأة نتيجة عملية "اغتصاب": "إحنا كده بين حالتين: الأولى إن القتل النفس وده حرام، والتانية إن فى واحد هيتظلم، والحالتين أصعب من بعض".

وتابعت: "أعتقد إن لو الفتاة اِغتُصِبَت وثبت  ذلك بالأدلة، يبقى خلاص بقى، ومتهيألى يبقى مفيش مشكلة لإجهاضه، لأن اللي جاي في حياته هيكون أسوأ".

وأضافت: "فيه ناس ممكن تحب تحتفظ بالجنين، وناس تانية هتشوف ده وصمة عار، وممكن نعمل بند يتيح إجهاض الجنين فى الحالة دى.. افرض واحدة مش مستحملة تفتكر حاجة حصلت لها زى كده؟ يبقى إحنا كده هنظلمها مرتين".