أحمد فايق يكتب: مصر وحدها في المواجهة

مقالات الرأي



1- 30 سنة فسادًا وفقرًا

2- جماعات المصالح

3- دول تفرض رغبتها على استقلال القرار السياسي

السيسى يرفض بيع أراضى العاصمة الجديدة للمستثمرين ويشترط حق الانتفاع لـ٤٩ سنة

■ عدادات كهرباء ذكية لمنع سرقة التيار توفيرا لـ٥ مليارات جنيه وتفصل الكهرباء تلقائيا عند ارتفاع الأحمال

■ توقعات بدخول ٥٥ مليار دولار إلى البنك المركزى زيادة فى ٢٠١٧ من النفط وتحويلات المصريين فى الخارج والسياحة

■ اختفاء خِزَن حفظ الأموال قبل التعويم من المحلات التجارية لأن البيوت تحولت إلى بنوك

■ تطبيق الكروت الذكية للبنزين وترخيص التوك توك والجرارات الزراعية لضمهما للمنظومة


طلب من الجميع التواجد فى مصنع البولى إيثيلين الجديد قبل الموعد بساعتين، الموعد كان فى العاشرة صباحا والتواجد فى الثامنة، المكان فى العامرية بعد بوابات الإسكندرية بخمسة كيلومترات، توقعت أن يمتلئ طريق الإسكندرية الصحراوى بمئات من الجنود ومركبات الشرطة والجيش والحرس الجمهوري، لكن خاب توقعي، الطريق كان مزدحما بالسيارات على غير العادة، ولم أر الشرطة والجيش والحرس الجمهورى إلا قبل مصنع البولى إيثيلين بثلاثة كيلو مترات تقريبا، مررنا بكل إجراءات التفتيش التقليدية، المشهد كان هكذا فى شهر أغسطس الماضى.

قبل وصول رئيس الجمهورية بنصف ساعة طلب الحرس من الحضور الدخول إلى القاعة والالتزام بالأماكن، دارت أحاديث بين بعض الحضور حول التزام السيسى بالمواعيد وأنه لا يحب التأخير، وجرت مقارنته برؤساء كانت تغلق لهم القاعات قبل وصولهم بأربع ساعات على الأقل.

على المقعد المخصص لكل ضيف كانت هناك ورقة مكتوب عليها برنامج الحفل، قرآن كريم ثم فيلم تسجيلى عن مجمع البترو كيماويات ثم كلمة لوزير البترول.

أجرى الرئيس مداخلة على كلمة وزير البترول، أعاد ملحوظاته الدائمة للحكومة بأنها لا تجيد تسويق القرارات أو المعلومات للشعب، فوجئ الحضور بعد ذلك بكلمة للرئيس، كانت مرتبة وليست ارتجالية، هى من المرات النادرة التى يتحدث فيها السيسى من واقع ورق فى جيب البدلة، فضل الحديث بالعامية فى الأوراق الصغيرة كانت أفكارًا وأرقامًا صاغها الرئيس بطريقته.

هى المرة الأولى للسيسى منذ توليه الحكم التى يتحدث فيها بكم كبير من المصارحة والشفافية، عادة كان يستخدم جملاً من نوعية «نحن فى أزمة» لكنه كان يفضّل أن يخوض المواجهة وحده خلف الستار حتى لا تحدث فوضى، لقد اختار السيسى ذكرى فض اعتصام رابعة لعمل هذا الخطاب التاريخي، نعم تاريخى سواء كان إيجابيا أو سلبيا، لأن مصر بعد هذا الخطاب ستختلف عن مصر قبله، أثناء الخطاب همست فى أذن صديقى الإعلامى خالد مرسى رئيس قناة النهار اليوم «هذا الخطاب إما أن يؤدى إلى ثورة شعبية أو سيدفع مصر إلى الأمام ألف خطوة». 

اختار السيسى توقيت ذكرى فُض رابعة ليؤكد أن من اتخذ قرارا بفض رابعة لن يتردد فى اتخاذ إجراءات إصلاح اقتصادى حقيقية. 

التوقيت الآن مناسب لأن الشارع أكثر أمانا والإخوان ليسوا موجودين مثل السابق، لكنه كان يريد ذلك منذ البداية، مبارك أراد الحفاظ على مكانه فى الحكم فظل رافضا لأى إجراء فيه إصلاح اقتصادي، السادات قبله لم يصمد أمام انتفاضة الخبز فى 1977. 

تأجيل إجراءات إصلاحية سيدفع مصر فى اتجاه اليونان، وهى دولة وقف وراءها مليارات ونفوذ الاتحاد الأوروبى وأبقوا عليها حتى الآن، فى مصر الوضع سيختلف، ولن يستطيع أحد إنقاذ 90 مليون مواطن من أزمة اقتصادية كبيرة. 

فى فترة مبارك كانت الأموال تأتى إلى مصر من تحويلات المصريين بالخارج والسياحة وبيع القطاع العام وقناة السويس.

الآن لم تعد هناك سياحة أو تحويلات مصريين بالخارج، فقد تأثرت تحويلات المصريين بالخارج من انهيار سعر الجنيه وتلاعب التنظيم الدولى للإخوان بالعملة المحلية فى الخارج. 

الأرقام تقول أن الوضع تحسن لكننا مازلنا فى كارثة، نسبة النمو فى عام 2010 كانت4.6 وانهارت فى 2011 وأصبحت 1.8 وفى 2012 بلغت 2.2 وفى 2013 كانت 2.1 وفى 2014 وصلت إلى 2.2 ، وحدثت قفزة فى 2015 ووصلت إلى 4.2 ومن المتوقع أن تصل فى 2016 إلى 4.4. 

البطالة فى 2010 كانت 8.9 ٪ ووصلت إلى ذروتها  فى 2013 بـ 13.3 وتناقصت إلى 12.8 هذا العام، مع ملاحظة الزيادة السكانية الرهيبة، الأجور قبل ثورة 25 يناير كانت 85 مليار جنيه الآن أصبحت 212 مليارا، وانضم 900 ألف موظف إلى الجهاز الإدارى للدولة دون الحاجة لهم، الدعم قبل يناير كان 103 مليارات جنيه، وفى عهد الإخوان وصل إلى 229 مليارا، وهذا العام بلغ 199 مليارا.

من السهل جدا أن تقف موقف الناقد الذى يحلل ويشرح ومن الصعب أن تقف موقف صانع القرار، بلد الاحتياطى النقدى الخاص به فى أدنى مستوياته، فوضى فى الشوارع، كهرباء تنقطع ست ساعات فى اليوم على الأقل، الواردات تبلغ ٧٦ مليار دولار والصادرات ٢٠ مليار دولار فقط، دخل قناة السويس انخفض بسبب حركة التجارة العالمية وانهيار أسعار البترول، دخل السياحة انهار بسبب الحصار الدولى على مصر، تحويلات المصريين فى الخارج التى كانت تبلغ ١٧ مليار دولار ذهبت كلها إلى السوق السوداء، المصانع متوقفة بسبب عدم وجود طاقة، انخفاض أسعار النفط عالميا أدى إلى تقليص العمالة المصرية بالخليج. 

الصورة ليست سوداء هكذا، فحينما التزمت الدولة بدفع الديون المستحقة عليها لشركات البترول والغاز زاد نشاط التنقيب عن الغاز والبترول، ووصلت النتيجة إلى اكتشاف أكبر حقل غاز فى المتوسط وهو «ظهر»، وسيبلغ صافى دخل مصر من النفط فى العام الواحد ٢٥ مليار دولار، لكن هذه الأموال لن تبدأ فى الظهور قبل شهر يونيو المقبل، تعويم الجنيه سيؤدى إلى دخول تحويلات المصريين بالخارج إلى مصر بشكل شرعى وتبلغ ١٧ مليار دولار، متوقع انتعاشة فى السياحة، وهذا يعنى أن مصر ربما تستقبل العام القادم حوالى ٥٥ مليار دولار زيادة عن العام الجارى، هذا الرقم كفيل بوصول الدولار إلى سعره العادل أمام الجنيه المصرى وهو مابين ١٠: ١١ جنيها. 

مصر الآن تقف وحدها والبديل الوحيد هو أن يحدث تأثير على استقلال  القرار السياسى والاقتصادى أو أن نتحمّل، اختارت الدولة أن نتحمّل دون أن يؤثر هذا على كرامة واستقلال الوطن. 

هناك فارق كبير بين مصر كقوة إقليمية فى الشرق الأوسط لها كلمتها المؤثرة وبين كونها تابعة لدولة أخرى، إن العلاقة بين الدول تقوم على المصالح المشتركة، ولا تمنح دولة لأخرى شيئا دون مقابل، وما حصلت عليه مصر من السعودية أو الإمارات مؤخرا ليس فقط من باب الإخوة والصداقة، لكن أيضا من باب المصالح المشتركة، وهذا ما أكدته تصريحات المسئولين فى السعودية والإمارات، فسقوط مصر يعنى سقوط المنطقة كلها. 

ولا تستطيع أن تنسى مصر ما فعلته السعودية ودوّل الخليج وبعض الدول الأخرى مثل الجزائر وقوفا إلى جوارنا بعد ثورة ٣٠ يونيو. 

لقد بدأت الخلافات الاقتصادية حينما تم إعلان أن الإمارات ستتولى تنفيذ العاصمة الإدارية الجديدة وسيستثمر رجال الأعمال الإماراتيون فيها، رجال الأعمال أرادوا الحصول على قروض من بنوك مصرية لتنفيذ المشروع، وبالتالى ستقل نسبة الاستثمار الخارجى، وأرادوا أيضا شراء الأراضى ملكية كاملة وربما تخصيصها بأرقام زهيدة، رفض السيسى أن يتم تكرار نموذج مبارك فى الفساد، اشترط زيادة نسبة الاستثمار الخارجى وتقليل القروض من البنوك المصرية، واشترط أيضا تطبيق ما يتم فى كل بلاد العالم، وهو تخصيص الأراضى بحق الانتفاع لمدة ٤٩ سنة، على أن تعود الملكية إلى الدولة بعدها، رفض الشريك الإماراتى عمل هذا ورفضت مصر أيضا أن ترضخ للشروط، لتبدأ جماعات المصالح فى الهجوم على الدولة باعتبارها  معطلة للاستثمارات الخارجية ٠٠٠٠! 

نجحت مصر رغم كل شىء فى الاتفاق مع الجانب الصينى بالشروط المصرية، كل هذا لم يكن سيتم والبلد فيها أزمة كهرباء، هذه الأزمة وحدها استهلكت نسبة ضخمة جدا من الأموال التى أتت إلى مصر بعد ٣٠ يونيو. 

لقد ذهبت الأموال فى محطات الكهرباء وآلاف الكيلو مترات طرق، لقد ذهبت فى ١٣٠٠ مشروع كبير تم الانتهاء من بعضها وجار تنفيذ الباقى، منها الأنفاق وسحارة سرابيوم التى تصل إلى سيناء بمياه النيل، والإسكان الاجتماعى، والإسكان المتوسط، ومساكن بديلة للعشوائيات ومطارات. 

بعد تعويم الجنيه الثمن الحقيقى للتر البنزين لا يقل عن ١٢ جنيها، ويتم بيعه الآن بثلاثة جنيهات وخمسين قرشًا وتتحمل الدولة فارق التكلفة، ثمن أنبوبة البوتاجاز الحقيقى ٥٥ جنيها وتبيعها الدولة بسعر لا يتجاوز عشرة جنيهات، هناك ٨٠ مليون بطاقة تموين فهل هذا يعنى أن هناك ٨٠ مليون مصرى يستحقون الدعم؟! 

هل يعقل أن يحصل الموظفون بالسفارات والهيئات الأجنبية فى مصر على البنزين والبوتاجاز المصرى المدعمين، حينما يبدأ أى كلام عن الإصلاح تتنكر طبقة المصالح، تعلن الحرب بلا هوادة، يتحدثون باسم الغلابة وهم من يدعمون الفساد فى مواجهة الفقر. 

الخطوة القادمة فى الإصلاح هى تطبيق منظومة الكروت الذكية فى البنزين، وطوال الأشهر الماضية حصل الملايين على كروت الدعم، لكن واجهت الدولة أزمة التوك توك والجرارات الزراعية، فليس من حقهم الحصول على الكروت الذكية، وإذا طبقت المنظومة سيؤدى ضغطهم إلى سوق سوداء، وجود التوك توك فى مصر أصبح واقعًا يحتاج إلى تقنين وتنظيم وتهذيب، لذا من المتوقع أن يسمح بتراخيص التوك توك والجرارات الزراعية، سيريح هذا الدولة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، فسينتهى الزمن الذى يختطف فيه سائق توك توك مجهول فتاة ويغتصبها أو يسرقها. 

لقد اختفت الخزن فى مصر مؤخرا وأصبح سعرها خمسة أضعافها لأن المصريين حولوا بيوتهم إلى بنوك وتحول الدولار إلى سلعة يتم تداولها، هناك من باع الجاموسة فى البلد واستبدلها بدولارات، وهذا مؤشر مرعب، وأدى قرار التعويم إلى عودة الدولار كعملة وليس كسلعة. 

لقد فشلت عدادات الكهرباء مسبقة الدفع، وسرق البعض التيار الكهربائى من الوصلات الفرعية، وبلغت خسائر مصر سنويا من سرقة التيار ٥ مليارات جنيه، وتم الاتفاق على عمل منظومة عدادات ذكية جديدة تبلغ فورا شرطة الكهرباء بسرقة التيار، ونفس المنظومة ستفصل الكهرباء تلقائيا عن المنزل الذى يستخدم أحمالاً كثيرة فى وقت الذروة، هذه المنظومة ستمنع تماما السرقة وقطع الكهرباء العشوائى.