أحمد فايق يكتب: حائط البطولات

مقالات الرأي



كان الهاتف يرقص لأنه يتصل بي، هى لحظة أشعر فيها بالبهجة، فقد انتهى الساحر من مشاغله ويريد مقابلتى، المكالمة كانت قصيرة جدا: إنت فين؟

فى الجريدة؟

-عاوز اشوفك دلوقتى ممكن تقابلنى فى البيت بعد ما تخلص شغل أنا محتاج اقعد معاك ضرورى. 

لم أنتظر حتى نهاية عملى وتحركت فورا لمقابلته فى منزله بالشيخ زايد، المنزل الذى لا تستطيع أن تجلس فيه لنصف ساعة دون أن تأكل، لأنه لن يسمح لك بغير ذلك، المنزل الذى تخجل من الجلوس فيه من أدب وكرم أهله الإعلامية بوسى شلبى وكريم محمود عبدالعزيز، وابن والده محمد محمود عبدالعزيز. 

المنزل الذى لا تستطيع أن تجلس فيه خمس دقائق دون أن تضحك وتشعر بالانتماء إليه. 

دخلنا إلى غرفة مكتبه، وأخذ يتحدث معى بطريقة لم أعد أشعر بغرابة منها، محمود عبدالعزيز كان خليطا من جميع الشخصيات التى قدمها فى حياته، أحيانا تشعر بأنه الشيخ حسنى وفى احيان أخرى ترى رأفت الهجان، لقد وصل إلى مرحلة من الجنون الإبداعى غير المسبوقة، الجلوس معه متعة، الاستماع إلى ما يحكيه لحظات تحسد نفسك عليها، إذا قررت أن تغلق أذنيك وتشاهده وهو يتحدث إليك  بهجة، إذا أغلقت عينيك واستمعت إليه ستشعر بالسعادة .

لكن كل هذا الجبروت الإبداعى والموهبة الطاغية يجعلك تقف حائرا أمام شعوره بأنه تلميذ يبحث عن كل ما هو جديد كى يتعلم، قال لى: المكتب مليء بعشرات السيناريوهات لا أعرف أيها مناسب لى ٠٠ مش عارف اعمل إيه؟ 

ممكن تقرأ وبعدين تقولى انت حبيت إيه أنا مش كسول بس عاوز أختار. 

قلت له : لا أحب الكلام من نوعية مافيش ورق أكيد فى أفكار وموضوعات محترمة تصلح لك. 

ابتسم الساحر وقال لى انظر إلى خلفك. 

وجدت لوحة فى مكتبه فيها صور من جميع الشخصيات التى لعبها فى حياته، لقد تحدانى الساحر أن أجد شخصية لم يلعبها، نظرت إلى اللوحة وكأننى أمام حائط بطولات، لو كنت ممثلا ولى ربع هذه اللوحة لشعرت بالعظمة، هو الجاسوس والخائن وضابط المخابرات والطيار الحربى والعامل البسيط والكفيف والعبيط والجان وتاجر المخدرات والموظف والزوج المقهور. 

هو موجود فى أى وجه من وجوه المصريين وشخصياتهم وأحلامهم، هو الضحكة الحلوة ودموع الفرح والحزن، هو الحياة والموت والألم والراحة.

لقد أيقن المصريون أن فن محمود عبدالعزيز يسرى فى دمائهم، هو الاصطباحة وسهرة الأصدقاء والحب الأول.. هو لمة العائلة والأب والجد والخال والعم والابن،  لقد خسرت مصر جسده تاركا لها حائط بطولاته تتفاخر به إلى الأبد .