"نقطة نظام".. رواية جديدة لصبحي موسى عن الدار المصرية اللبنانية

الفجر الفني

صبحي موسى
صبحي موسى

صدر مؤخرًا للكاتب المصري صبحي موسى عن "الدار المصرية اللبنانية"، روايته السادسة "نقطة نظام" والتي تنتهي أحداثها بقيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، إذ استعرض من خلالها الأسباب التي أدت إلى انهيار البلاد في نهايات عصر مبارك ، وفي مقدمتها زيادة هيمنة القبضة الأمنية على كل مقدرات البلاد.

 

جاء ذلك الاستعراض من خلال أحداث جرت في قرية وصفها المؤلف بأنها قرية مجهولة لا يسمع بها أحد على الخريطة، لكن ما رصده من أحداث بها كان مؤثرا على العاصمة التي اهتزت بمسئوليها الكبار والصغار، ليس لأن اختفاء جانب من هذه القرية بما عليه من منازل وسكان يشغلهم في شيء، ولكن خوفا من أن يتكرر الحادث في شارع كالقصر العيني بما فيه من وزارات ومجالس نيابية.

 

تقوم "نقطة نظام" على رصد اختلال التوازن، ليس في النظام السياسي فقط، ولكن في الكون نفسه، حيث غاب العدل وتطاول الرعاة في البنيان واختفت الرحمة من القلوب، وهو ما أدى إلى أن يسعى الجميع لاستحضار المهدي المنتظر، بدءا من أصحاب السحر الأسود ذوي العلاقة الوطيدة بالمردة من الجان، وصولا إلى المتصوفة المنوط بهم حراسة أرجاء الكون كلل، ومن ثم عملوا على إفساد خطط السحرة، مؤكدين أن الجن لا تأتي بالمهدي، وأنهم بوصفهم رعاة السلام والخير عليهم أن يخرجوا المهدي للوجود من بينهم.

 

تدور أحداث "نقطة نظام" وصراع الجن والمتصوفة حول إخراج المهدي إلى النور في الوقت الذي قررت فيه الحكومة برتبها احتلال القرية المجهولة وعزلها عن العالم، وذلك لمعرفة أسباب اختفاء الناس والمنازل، ومن ثم يصف الكاتب مشهد تدحرج الرتب على سلالم الوزارة لتأتي إلى القرية المجهولة بحثا عن أي سيناريو يقنع الرجل الكبير أن الحادث لا يزيد عن كونه شجارا بين تجار مخدرات، مما أدى إلى انفجار أنبوبة غاز على عربة كارو. لكن العجائز في القرية كانوا يعلمون أن الحرب بين قوى الخير والشر قد بدأت، وأن يوم القيامة أصبح وشيكا.

 

اعتمد موسى على حيلة فنية تجعل القارئ مشاركا في الحدث وليس مجرد متلق، فهو يشغلنا في البداية بأنه صحفي يرغب في كتابة رواية، وبعد تجارب طويلة يتمكن من كتابة صفحتين عن مجذوب في قريتهم، والمدهش أن ما كتبه ينال إعجاب زوجته وأصدقائه اليساريين، فيقرر أن يذهب إلى قريتهم التي لا يعرفها أحد على الخريطة كي يرى مسرح أحداث روايته القادمة، لكن في الوقت الذي يحتضنه فيه والده العجوز يقع الانفجار العظيم، ويجد الصحفي القادم من القاهرة لزيارة مسرح أحداث روايته على الخروج من القرية، إذ يصبح هو نفسه جزءا من الأحداث بمجرد أن يرسل خبرا إلى الجريدة التي يعمل بها عن الانفجار الذي هز أركان القرية وأخفى حي الأثرياء فيها، ورغم عدم نشر الخبر إلا أن الحكومة برتبها الكثيرة جاءت لتحتل القرية وتبحث عن الفاعل ذي القدرات الخارقة.

 

رغم الإطار الفنتازي "لنقطة نظام" إلا أن هناك العديد من الأحداث الواقعية التي رصدها المؤلف في روايته، من بينها واقعة معركة المياة التي جرت في إحدى قرى المنوفية في نهاية الخمسينات، والتي اجتاحت الشرطة البلدة بسببها، واستباحتها مدة أربعين يوما بحثا عن المتمردين، هذا الاجتياح الذي تكرر أكثر من مرة في هذه القرية، والتي كان آخرها منذ شهور حين قتل أحد أفراد تجار المخدرات الشهيد محمد عيسى العلمي، فانتفض الأهالي وقطعوا الطريق ونزلت الحكومة وفرضت حظر التجوال، هكذا تكهنت نقطة نظام بما وقع في القرية المجهولة قبل وقوعه بنحو خمس سنوات، فقط وقع مقتل العليمي في نهايات 2016، بينما انتهى المؤلف من كتابة روايته في نهايات 2011. فقد رصد ثورة الأهالي الذين خرجوا يحملون مهديهم المنتظر على أكتافهم باحثين عن العدل وإعادة التوزان ليس في السياسة فقط، ولكن في الوجود كله.

 

يذكر أن صبحي موسى شاعر وروائي صدرت له خمس مجموعات شعرية هي (يرفرف بجانبها وحده، قصائد الغرفة المغلقة، هانيبال، لهذا أرحل، في وداع المحبة)، كما صدرت له خمس روايات من قبل هي (صمت الكهنة، حمامة بيضاء، المؤلف، أساطير رجل الثلاثاء، الموريسكي الأخير).