هشام صادق.. المبدع المستنير

العدد الأسبوعي

الدكتور هشام صادق
الدكتور هشام صادق


لم أكد أتمم صلاة القيام والتدبر فى تلاوة الإمام فى الآية الكريمة «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير».

حتى تلقيت للتو خبر وفاة أستاذنا الجليل الدكتور هشام صادق حينها استجمعت الذكريات فكنا طلبة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية – أشهد وسأظل طيلة حياتى أذكرها كم كان الطلاب يعشقون محاضرته وكأنهم ينتظرون العيد – فبرغم صعوبة مادة القانون الدولى الخاص – إلا أنه كان بأسلوبه التربوى العلمى الهائل – وانفتاحه على العالم بعلم وفير كل هذا كان يساعد الطلاب على تذوق علم مادته وتربى لدى الطلبة الجانب النفسى نحو أستاذهم من حب وتقدير.

لغته العربية واطلاعه على أحدث أحكام محكمة النقض المصرية من فهم للواقع القانونى والنزاعات بين الدول وكان أحد أهم أبرز المشرعين حين يقول القانون ليصير التحكم الدولى شريعة تجمع الدول تحت مظلة قانونية واحدة.

لم يتطرق أستاذنا الجليل قط فى إحدى محاضراته إلى التعليق فى أى وجع سياسى أياً كان فى وقت كان فيه بعض الأساتذة يرون ذلك حقاً لهم وبرغم إيمانه بقوميته وعروبته تماماً كإيمانه بالخالق وقواعد الدين، كان أستاذنا الجليل يترأس فى الإسكندرية جمعية الوحدة الوطنية والتى كانت تضم عمالقة الفكر والأدب والفن والسياسة.

وكان إذا دُعى إلى محاضرة سياسية أبدع وأسكت معارضين ليس بأسلوبه النهاء ولكن بأسلوبه المستنير وحكمه وضرب الأمثال التى تؤيد صحة ما يؤمن به ويدافع عنه.

تعرض للمضايقة كثيراً للأسف وهو أستاذ مرموق بكلية الحقوق ورغم معرفة حدود انفتاحه وتشكلت لجان لمحاربة ترشحه على موقع عميد للكلية.

وكتب العديد من المقالات السياسية شارحاً رأيه فى إيمانه بأن قضايا الوطن والعرب لن تحل إلا باتباع النهج القومى فيما تمثل فى وحدة العرب والتضامن العربى وعدم الميل الكلى نحو اتباع سياسات أمريكا والدعوة لاستقلال القرار المصرى.

وكان يدافع عن سياسات الزعيم خالد الذكر «جمال عبدالناصر» بأسانيد ووقائع محددة.

وكان إذا تعرض لفترة حكم «عبدالناصر» وجه لها أيضاً انتقادا من حيث بعض التسلط لجهاز الأمن ولو بنسبة لا يمكن النظر إليها حال ما وصلت إليه بعد رحيل الزعيم الخالد.

وذكر واقعة أن المغفور له«حسن صبرى الخولى» الممثل الشخصى للزعيم جمال عبدالناصر كان قد طلب من الزعيم أن يعفو عن أحد أقاربه وكان يعمل فى السلك الدبلوماسى وكان معروفاًبعدائه الشديد لثورة يوليو 1952 م، وأخذ الزعيم تعهد المرحوم «حسن صبرى المتولى» بتغير نهج هذا الدبلوماسى ورشحه سفيراً لدى الهند.

وذات يوم أرسل الزعيم «لال نهرو» رسالة للزعيم «جمال عبدالناصر» وبرغم حساسية الموقف وما يمثله من حرج شديد، وأعلم الزعيم الهندى الزعيم جمال عبدالناصر بأن السفير المصرى الذى حل سفيراً لمصر لدى الهند يقوم بالافتراء على سياسات بلاده والزعامة المصرية فبعد التحقق من صدق ذلك تمت إحالة السفير المشفوع له إلى المعاش.

فلجأ هذا السفير إلى مجلس الدولة ليتحقق من قرار إحالته للمعاش فحكمت المحكمة ببطلان القرار – نظراً لأن القرار لم يسبق ما رسم القانون من الطريق التأديبى وهو إجراء شكلى، ورغم ذلك رضخ «عبدالناصر» لحكم المحكمة إلى أن تمت إحالة السفير للمعاش لبلوغه السن القانونية.

إننى إذا أنعى أستاذى الجليل الدكتور هشام صادق أنعى فيه إنسانيته فقد كان يسأل عنى ويستفسر على كل صغيرة وكبيرة أقابلها فى حياتى وكان يتجاهد من أجل حل بعض المشكلات التى كانت تقابلنى.

سلام عليك يوم أن ولدتك أمك وسلام عليك يوم أن عرفناك أستاذاً وسلام عليك يوم أن دخلت بيتك وياله من شرف وسلام عليك إلى يوم الدين – ونم واسترح فإن الله لا يخلف وعده . «إن المتقين فى جنات ونهَـر»

وأبلغ السلام