منال لاشين تكتب: أكاذيب الحكومة تغرق فى نيل الوراق

مقالات الرأي



■ الأهالى لديهم أحكام نهائية من القضاء الإدارى تثبت ملكيتهم للأرض

■ أراضى الدولة للزراعة والأوقاف مؤجرة بعقود مدى الحياة

يقولون إن الشيطان يكمن فى التفاصيل، فأحيانا تضيع الحقيقة وسط عشرات من التفاصيل والحكايات.. وهذا ما حدث فى قضية جزيرة الوراق.. الجزيرة الصغيرة التى تنام على ضفاف النيل راضية بأقل معيشة، ولكن هناك من لا يرضون لهم الحياة هناك من الأساس ومن حيث المبدأ. فموقع الجزيرة يغرى رجال أعمال ومسئولين بالاستيلاء عليها وتحويلها لمنتجع أو لمركز مالى.. أى شىء إلا أن يعيش هؤلاء الفقراء البسطاء على أرض الجزيرة.وقد يجد البعض هذا الكلام منطقيا. فلماذا لا نستفيد من موقع الجزيرة ونحولها لأحد المعالم فى مصر ونتفاخر بها على كل المدن والدول.

إجابة هذا السؤال تجددت أكثر من مرة. مرة أيام الدكتور عاطف عبيد ومرة أيام أحمد نظيف، وفى كل مرة كانت تحدث مواجهة بين الأهالى والشرطة.. وفى كل مرة كانت الحكومة تروج الأكاذيب حول الجزيرة وسكانها وملكية الجزيرة.

لم تحاول الحكومة أى حكومة حتى الآن أن تجرب الصدق والطريق المستقيم وتقول بمنتهى الصراحة إنها ستنزع ملكية الجزيرة للمصلحة العامة لسبب بسيط، لأن كل الحكومات لم ترد تعويض المواطنين عن نزع الملكية على الرغم أن لدينا تجربة رائعة فى الأقصر.. تجربة حازت إعجاب العالم كله وهو مدينة القرنة الجديدة.

1- أصل الحكاية

فى عام 2001 وضع أحد رجال الأعمال عينية على الجزيرة. وأقنع رئيس الحكومة بإقامة مشروع عالمى على الجزيرة. ولكن كانت هناك عقبة لتنفيذ المشروع وهى الأهالى فصدر قرار من الحكومة بطرد الأهالى لأنهم لا يملكون سند ملكية ويعتدون على أراضى الدولة. فى ذلك الوقت كان هناك محام شاب لم تصبه الشهرة بعد اسمه خالد على. وخالد المحامى الشهير الآن وأشهر قضاياه يتصل بالأرض وأقصد قضية تيران وصنافير.وذهب الأهالى والمحامى للقضاء الإدارى بالمستندات للمحكمة. وكانت المستندات ثلاثة أنواع.. ملكية خاصة سواء كانت بتقنين الأوضاع أو بالميراث. وعقود زراعية من وزارة الزراعة وعقود انتفاع من وزارة الأوقاف. وكان الأهالى يملكون مئات من فواتير الكهرباء الحكومية التى تبثت أن الحكومة تعلم منذ عشرات السنين أنهم أصحاب حق قانونى. ولذلك حكمت المحكمة للأهالى بإلغاء قرار الحكومة لأنهم أصحاب أرض.

وهكذا أجهضت المحاولة الأولى.. وعادت الفكرة تطفو على السطح فى عهد حكومة نظيف. فالوزراء من الأعمال وأهل البيزنس فى لجنة سياسات جمال مبارك لم ولن يرضوا بترك الجزيرة للأهالى من منطق «خسارة فيهم هذا الجمال» وقبلها بعامين كان نظيف قد أصدر قرارا برقم 3310. لسنة 2008 بتطوير شمال الجيزة وجعل المنطقة مجمع مدارس وحدائق عامة ومراكز شباب.. وطبعا القرار دا كان مجرد بداية للحصول على الجزيرة وبيعها لأحد رجال الأعمال لتحويلها لمنتجع عالمى. ولكن القرار كان سيجبر الحكومة إذا نزعت الأرض للمنفعة العامة أن تبنى الحكومة مدارس وحدائق كما صدر بالقرار. وهو ما جعل القرار يفقد جدواه لبيع الجزيرة للمستثمرين.

وفى 2010 تكررت المواجهة بين الأهالى والشرطة وتراجعت الحكومة خاصة أن الاهالى لوحوا بالأحكام القضائية النهائية التى تثبت أو تؤكد ملكيتهم للأرض وعدم اعتدائهم على أراضى الدولة.

بالطبع هناك مخالفات فى الجزيرة وهى نحو 140 منزلا تم بناؤهم بدون تصريح على حرم النيل، وهناك أيضا مخالفات من نوع تعلية أدوار بدون ترخيص.

وكلها مخالفات لا تحتاج إلى حملة مكبرة مفاجئة وفى الساعة السابعة صباحا والناس نيام ودون إخبار المخالفين بقرار الإزالة.

2- هيبة الدولة

أهم جملتين ترددتا خلال الأزمة هما هيبة الدولة ودولة القانون. وذلك لرفض التعرض للشرطة وضربها. وبالطبع لا أحد مع ضرب الشرطة أو كسر هيبة الدولة أو الإطاحة بدولة القانون. ولكننى أضم صوتى لصوت رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب أحمد السجينى فقد قال الرجل بعد زيارة الجزيرة والاستماع للأهالى «هنا فرق بين هيبة الدولة وبطش الدولة».

كما أن هيبة الدول فى احترام العقود والحقوق الثابتة.وقد كان أولى بدولة القانون احترام الأحكام القضائية التى حصل عليها الأهالى.

ولا يمكن تصديق الحكومة أن هدف الحملة كان المنازل المخالفة غير المأهولة أو سور مخالف أو أرض فضاء ملك للدولة.. لأن هذا الكلام يتعارض مع ما قيل من أكبر رأس فى الدولة من أن الجزر محميات طبيعية.

كما أن مباغتة الأهالى بالحملة المكبرة تشى بأن الأمر لم يكن مجرد إزالة بعض التعديات والمخالفات.وفى اليومين الماضيين نشرت خرائط كثيرة لتخطيط جديد للجزيرة. بعض الخرائط مصرية وأخرى من مكاتب بسنغافورة وجنسيات أخرى.من الأكاذيب السياسية.. تلك الأكذوبة بأن الدولة ستبنى المركز العالمى المالى أو منهاتن المصرية على الأرض التى تملكها الدولة فقط. وبالطبع لا يمكن أن تتصور أننا سنطلق مركزا ماليا عالميا وسط البيوت العشوائية والصرف الصحى والفقر الضارب بجذوره فى كل مكان فى الجزيرة. بالطبع هذا كلام عبثى لأن إقامة مركز مالى يتطلب إعادة تخطيط الجزيرة كلها. كما أن حكاية أن الجزيرة محمية طبيعية يفترض أن يتم إخلاء الجزيرة كلها وليس أراضى الدولة فقط. إذن كل الطرق تؤدى بنا إلى إخلاء الجزيرة من السكان للاستفادة منها كمنتجع أو مركز مالى، أو حمايتها كمحمية طبيعية، وحتى تحافظ الدولة على هيبتها يجب أن تذكر الحقيقة وتتعامل بالقانون.

3- توفير البديل

لم أسمع من الحكومة الحالية أو أى حكومة سابقة توفير البديل. وذلك على الرغم من أن هذه الجملة هى مفتاح الحل لتنفيذ جميع أنواع المخططات.

وأنا أدعو الحكومة والنظام معا إلى دراسة تجربة مصرية خالصة لإخلاء منطقة مهمة.ففى الأقصر كان هناك منطقة القرنة القديمة.. وكانت البيوت أو بالأحرى الأكواخ فوق أكبر مقابر فرعونية.وكان هذا الوضع يؤثر على هذه الثروة الأثرية من خلال محاور. فالصرف الصحى يضر بالآثار.. والآثار نفسها تتعرض للنهب ليل نهار.. وذلك بالحفر من داخل البيوت. أما الأثر الثالث فهو منع الدولة من استخراج والاستفادة من الآثار. وظل الوضع كما هو حتى جاء اللواء سمير فرج محافظا للأقصر. بالاستعانة بقدرات الجيش بنى الدكتور سمير فرج مدينة القرنة الجديدة.. المدينة تضم كل ما يحتاجه المواطن فى عيشته. مخبزا ومحلات لبيع الطعام.. ومدرستين إحداهما عامة بالتدريس بالعربى وأخرى لغات ومستوصفا ونقطة شرطة وناديا رياضيا.

وحرص الدكتور سمير فرج على أن تبنى البيوت بالطريقة التقليدية لأهالى الأقصر.. دور واحد حتى لا يتم جرح أهل البيت وحرمته. وبلغ من حرص المحافظ العبقرى على الأهالى أنه اخترع طريقة للتسكين. فكان ينقل الأهالى مجموعات بحيث يضع الجيران بجوار بعضهم. وبرر هذا التصرف بأن الستات بتستلف من جارتها وحفاظا على العشرة. ومنح لكل فرد متزوج منزلا حتى لو كان يقيم قبل ذلك مع أهله. وبعد تسلم الأهالى المنازل وتمليك. أخرج كل من سولت له نفسه البقاء فى القرنة القديمة بالقوة. لأنه وفر لهم البديل بأعلى المقاييس العالمية. ولذلك فشل بعض تجار الآثار فى تحويل قضية القرنة إلى قضية رأى عام. فكل من زار القرنة الجديدة فقد أى تعاطف مع المعترضين على النقل. ولذلك نصيحة لوجه الله والوطن «لو عايزين جزيرة الوراق ابنوا للأهالى أصحاب الجزيرة مدينة جديدة فى أقرب نقط متوفرة من الجزيرة. مدينة تكفل لهم الحياة الكريمة وملكوهم الشقق عوضا عن أملاكهم فى الجزيرة. واللى عايز يأخذ تعويض مالى يأخذه.وقبل هذا وذلك طلعوا قرار بنزع الملكية كمحمية طبيعية هذا لو كانت الحكومة تحترم القانون بحق وحقيقى. بدلا من الخلط الهائل بين الهيبة والبلطجة. فى أى خطوة للمستقبل يجب ألا تتم على حساب وحياة وحقوق مواطنين. وهيبة الدولة فى حفاظها على حقوق مواطنيها ودولة القانون يجب أن تحترم الأحكام القضائية.