روشتة لإنعاش صناعة الدواء فى مصر خلال 10 سنوات

العدد الأسبوعي

أدوية - أرشيفية
أدوية - أرشيفية


الشركات الأجنبية حاصرت مصر ورفضت التعاون معها وموسكو قدمت المعونة الفنية


وجدت شابة لم يتعد عمرها الـ23 عاماً نفسها مسئولة عن مصنع دواء تركه مالكه اليهودى هرباً بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، تغييراً غير متوقع، يحمل بداية مسار جديد ليس فى حياتها فقط ولكن فى صناعة الدواء بمصر فى ذلك الوقت. بهذه اللحظة الغامضة تسرد الصيدلانية ناهد يوسف، فى كتابها «دواء وعلل»، تجربتها الشخصية كعاملة أساسية فى صناعة الدواء، والتى تتقاطع مع تجربة الصناعة الوطنية فى البلاد، لأن الظروف التى وضعت ناهد فى مسار هذه الصناعة جعلتها شاهداً ومؤثراً فى بدايات تصنيع الدواء.

حصلت ناهد، على بكالوريوس الصيدلة والكيمياء، فى يونيو 1956 وكانت ضمن 18 فتاة فقط درسن الصيدلة بالدفعة، ثم أصبحت أبرز مؤسسى الصناعة الوطنية فى خمسينيات القرن الماضى حيث أنشات شركة النيل للأدوية.

نشرت ناهد، مؤخراً، كتاباً يحمل اسم « دواء وعلل»، صادر من دار الطنانى للنشر، وخلال الـ160 صفحة التى يتكون منها الكتاب، وثقت الصيدلانية ناهد الصناعة الوطنية للدواء، ومراحلها من الازدهار فى الخمسينيات إلى التدهور فى السبعينيات.

تطرح الكاتبة سؤالاً مهماً وهو لماذا ترى تجربة صناعة الدواء مهمة وجديرة بالحكى؟، وكيف استطاعت مصر إنشاء صناعة قوية للأدوية خلال 10 أعوام فقط؟.

بدأت ناهد عملها فى مصنع أدوية يدعى « إيكاديل» يملكه صيدلانى يهودى، ينتج خلاصات الأعشاب الطبية وبعض سوائل الحقن وأنواع الأقراص العادية والمكسوة، وبعد العدوان الثلاثى على مصر الذى شاركت فيه إسرائيل، هرب اليهود من مصر بعد تأميم الرئيس الراحل عبد الناصر، لممتلكاتهم ومنها المصنع.

أصبحت ناهد التى كانت شابة، مسئولة عن إدارة المصنع والذى كان نواة شركة النيل للأدوية بعد سنوات، وتسرد فى الكتاب نتيجة تأميم مصانع الأدوية المملوكة لليهود والأجانب فى ذلك الوقت، والتى أصبحت نواة للصناعة الوطنية للأدوية خلال الـ10 أعوام التى تلت التأميم، حيث تم تأسيس 11 شركة عامة منحت مصر اكتفاء من الأدوية بنسبة 85%.

الكاتبة سردت بتفاصيل أكثر بدء تأسيس شركة النيل للأدوية، لأنها كانت من العاملات المؤسسات بالشركة، حيث تم ضم مصنعى إيزيس وإيكاديل، المملوكين ليهوديين أجنبيين ليصبحا أكبر مصنع للأدوية فى الشرق الأوسط، ويضم فى مقره بالأميرية أكبر وأحدث مصنع أمبولات طبية فى الشرق الأوسط وإفريقيا بإنتاج 100 مليون أمبول سنوياً، بجانب المستحضرات المعقمة وجميع الأقراص العادية والمكسوة وممتدة المفعول.

بعد التأميم انتبه الرئيس جمال عبدالناصر، لمحاولات الغرب للضغط عليه فى ملف الدواء لإحباطه، حيث رفضت شركات الكيماويات الدوائية الأوروبية الغربية تصنيع المواد الخام بمصر، فاستعان بالاتحاد السوفيتى الذى منح مصر المعونة الفنية لإنشاء مصنع لإنتاج المضادات الحيوية والإسبرين، والذى كان الأول من نوعه بالمنطقة العربية لإنتاج المواد الخام وهو نواة شركة النصر لصناعة الكيماويات الدوائية الحالية. فى الكتاب ذكرت الدكتورة ناهد أكثر من موقف يكشف دور مصر الرائد فى إفريقيا بإمداد القارة بالأدوية فى الستينيات، ومن المواقف الطريفة التى ذكرتها أن عبد الناصر طلب فى يوم جمعة تعبئة كمية كبيرة لمصل الكوليرا فى زجاجات صغيرة لنقلها بالطائرة صباح اليوم التالى إلى دولة إفريقية لمجابهة ذلك الوباء الذى اجتاحتها، ولم يتمكن المدير من استدعاء العمال يوم العطلة فاقترحت الدكتورة ناهد، أن يخرج إلى الميدان أمام الشركة ويطلب من المارة الدخول إلى المصنع والعمل على خط الإنتاج بعد شرح المهمة القومية لهم، وبالفعل وافق كثيرون وأنجزوا العمل.0 وتصل تجربة صناعة الدواء فى عهد الرئيسين محمد أنور السادات وحسنى مبارك لمرحلة الانهيار حيث تم تحويل شركات الأدوية العامة من كيانات مستقلة إلى تابعة لمصالح الشركات الدولية العملاقة، وبدأت حملة فى السبعينيات لتشويه القطاع العام والتشكيك فى كفاءة إدارته والعاملين به وتم إلغاء المؤسسة المصرية العامة للأدوية التى تحدد السياسات الدوائية، فيما دخلت الشركات الأجنبية العملاقة السوق بشراسة. ولكن الكاتبة تؤكد أنها لم تفقد الأمل فى ازدهار الصناعة الوطنية مجدداً لأن مصر لا تزال تملك كوادر فنية، واستثمارات، تجعلها قادرة على إحداث طفرة جديدة فى وقت قصير، إذا توافرت الإرادة.