منال لاشين تكتب: بلغ عن الصحفى بالبيجامة

مقالات الرأي



تقييد جديد فى الطريق


عندما قلت إجراءات التقاضى وكان الوصول للقاضى فى أقل عدد من الخطوات، بأقل تكلفة. كان ذلك مدعاة للفخر والمساواة، ولذلك أنا من حيث المبدأ مع تبسيط إجراءات التقاضى.وهذا المبدأ العام يؤمن به الملايين من المصريين. ولكن لم أكن أتصور يوما ما أن يصل التبسيط فى مصر إلى ما حدث يوم الثلاثاء الماضى. فقد أصدرت النيابة العامة الموقرة بيانا كشفت فيه عن تخصيص أرقام هواتف محمولة لتمكين المواطن العادى من الإبلاغ عن الأخبار الكاذبة والشائعات وترويع المواطنين والأخبار التى تضر بمصالح البلاد.

وكل ذلك يتم من خلال إرسال رسالة من الواتس أب أو رسالة نصية عادية. وهذا التبسيط من وجهة نظرى ومع شديد الاحترام والتقدير الواجب للنيابة يضر بمصالح كل من المواطن والصحفى والنيابة العامة.

فنحن شعب يميل إلى التقاضى والذهاب إلى المحاكم، والدليل هو عدد القضايا أمام المحاكم، ولذلك فإن هذه الخطوة من جانب النيابة ستفتح أبوابا لن تغلق بسهولة. وستفتح شهية المواطنين إلى تقديم بلاغات عديدة حول معظم ما ينشر أو يعرض. خاصة أن السهولة الشديدة فى تقديم البلاغ تغرى باستخدام الوسيلة. فإنك تستطيع أن تشكو صحفيا أو إعلاميا، وأنت على سريرك وبالبيجامة دون أن تحرك إلا أصابع يديك.

وبذلك ستنهال البلاغات على النيابة العامة، وهو الأمر الذى يمثل عبئا إضافيا لا يستهان به على النيابة العامة.

الأمر الآخر أن المواطن لا يملك الأدوات أو الوسائل للتعرف على الأخبار الكاذبة أو الشائعات إلا فيما يتصل بنفسه وبيته والشارع الذى يسكنه على أقصى تقدير، فضلا عن غياب الأدوات والوسائل، فإن هناك جهات أخرى دستوريا وقانونيا واجبها أن تتصدى للشائعات والأخبار الكاذبة.وعلى سبيل المثال فإن لدى الحكومة مركز دعم واتخاذ القرار. وهذا المركز يقوم كل فترة بنفى الأخبار الكاذبة والشائعات التى تنشر سواء فى الصحافة أو الفضائيات أو وسائل التواصل الاجتماعى.وفى كل وزارة وفى كل هيئة أو مؤسسة هناك إدارة مختصة بالإعلام. وعلى رأس مهام واختصاصات هذه الإدارات الرد على الشائعات والأخبار الكاذبة أو الأخبار التى تضر بمصالح البلاد أو الأمن القومى. وهذه الإدارات مهما كان ضعف أدائها فهى تملك الخبرات والأدوات لكشف الشائعات والأخبار الكاذبة.وذلك مقارنة بالمواطن.

وقد توقفت عند الاتهامات الواردة بالبيان أو بالأحرى التهم، لأن هذه التهم فضفاضة، وهنا مكمن الخطورة الحقيقية.خذ عندك مثلا ترويع المواطنين. فقد يكون الخبر حقيقيا ومثبتًا بالمستندات الحقيقية، ولكن يدخل فى إطار ترويع المواطنين. ولعل مثال لبن الأطفال يوضح أكثر الفكرة. فقد نشرت الصحف المحترمة منذ فترة حظر فرنسا وعدة دول أوروبية لنوع معين من ألبان الأطفال. وهذا النوع متداول فى مصر. وأكيد نشر هذا الخبر الصحيح جدا قد يؤدى إلى خوف وفزع بعض المواطنين، ولكن عدم نشر الخبر يؤدى إلى كوارث فى صحة أطفالنا. ولذلك فإحداث الفزع أقل ضررا على المجتمع من إخفاء الحقائق ومواجهة المخاطر. ولاشك أن إحداث فزع يدخل فى ترويع المواطنين. وإذا كان المقصود فى بيان النيابة العامة بترويع المواطنين هو الأخبار التى تحض على الإرهاب، فيجب أن يكون ذلك محددا وواضحا.وذلك لمصلحة المجتمع، وحتى لا تجد النيابة العامة أمامها سيلا من ملايين البلاغات من مواطنين ليس لديهم الخبرة ولا الأدوات لمواجهة ما ينشر فى الصحف أو يعرض على الفضائيات أو يبث فى وسائل التواصل الاجتماعى. وهذه مجرد ملاحظات سريعة على قرار النيابة العامة فى إطار حرصى التام على حرية الصحافة، وعدم وجود المزيد من المضايقات والتضييق على المهنة وأبنائها. وبالمثل فى إطار حرصى على أن يؤدى التبسيط الشديد فى إجراءات مقاضاة الصحفيين والإعلاميين إلى شهوة لدى المواطن بتقديم بلاغات. وأيضا حرصى على وقت النيابة العامة. ولذلك ومع شديد احترامى للنيابة العامة الموقرة، فأنا ضد هذا القرار وربنا يستر من عواقبه.