صراع القانون.. الأعلى للإعلام: "قرار حظر النشر في قضية 57357 له سند" والنائب العام: "ليس من اختصاصك"

أخبار مصر



يبدو أن الساعات القليلة الماضية كانت مشحونة بالأجواء الصعبة، مرت كالنار في الهشيم على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بعد قرار المستشار نبيل الصادق النائب العام، بإحالة رئيس المجلس الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد للتحقيق، على خلفية إصداره قرارًا بمنع النشر في قضية فساد مستشفى سرطان الأطفال ٥٧٣٥٧.

وكان أصدر المجلس قرارًا بوقف النشر في القضية، وذلك حفاظًا على مؤسسة مستشفى سرطان الأطفال، باعتبارها مؤسسة عالمية، وذلك لحين انتهاء اللجنة الإدارية التي شكلتها الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي من تحقيقاتها في الأمر.


صراع على المادة ٢٦

وفور صدور قرار المجلس، تعرض لوابل من الهجوم من نقابيين حاليين وسابقين، خاصة وأن النيابة العامة هي الجهة المُخول لها منع النشر في أي قضية.. ودار صراع قانوني بين المجلس والمعارضون لقراره، وذلك نظرًا أنه استند في ذلك إلى المادة رقم ٢٦ من قانون المجلس.

وقال الكاتب الصحفي يحيى قلاش نقيب الصحفيين السابق، إن قرار المجلس هو اعتداء على الدستور وقانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، مؤكدًا أنها ليست سلطة من سلطاته، وأنه غير مُخول له اتخاذ مثل هذه القرارات.

وأضاف في تصريحات لـ"الفجـر"، أن المادة 26 من قانون إنشاء المجلس ليس لها علاقة بوقف النشر في أي قضية، ولكنها مادة خاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على المؤسسات الصحفية والإعلامية، وهو ما يستلزم أن يكون هذا الأمر بمنأى عن الإخلال باختصاصات النيابة العامة.

وقال خالد البلشي وكيل نقابة الصحفيين السابق، إن المادة نفسها محل اعتراض، والاستناد لها لمنع النشر في هذه القضية غير صحيح وغير قانوني، ولا يمكن الاستناد عليها في هذا الإطار، مؤكدًا أن المادة تتحدث عن إجراءات تتعلق بمواد تمثل انتهاكًا للمعايير المهنية، ونص المادة 26 واصفًا إياها بـ"المعيبة"، يتحدث عن حق المجلس في وقف (المادة الصحفية) مُعرفة بالألف واللام، لتُشير إلى مادة محددة تمثل انتهاكًا، وليس حملة صحفية مستمرة ومعلومات.

وأضاف: سلطة المجلس هنا تنحصر في وقف انتهاك محدد ومعروف ومادة محددة ومعروفة كإعلان أو مادة صحفية تحتوي على جريمة مهنية بعينها وليس معلومات متداولة، ويأتي ذلك بناء على تحقيق يؤكد الانتهاك، والمفارقة هنا أن المجلس بدلًا من أن يُشير إلى مادة بعينها تمثل انتهاكًا، قرر وقف حملة صحفية، بما يُشكل حجبًا للمعلومات وليس وقف انتهاك.

وقال مصدر بالمجلس في تصريحات لـ"الفجـر"، إن المجلس اعتمد على الفقرة الثالثة من المادة 26، التي تمنح المجلس الحق في منع نشر أو بث المادة الصحفية أو الإعلامية لفترة محددة أو بصفة دائمة.

وكان أكد المجلس في بيان له، أن قراره المُشار إليه قد صدر ابتغاء المصلحة الوطنية، وذلك حفاظًا على مؤسسة طبية مقدرة، وأن هذا هو الدور الذي أناط به الدستور والقانون (92) لسنة 2016 المجلس لتنفيذه.

وأشار إلى أن قراره لا يتعارض وقرار المستشار النائب العام، إذ أن المجلس هو الجهة المسؤولة عن وقف النشر قبل صدور قرار من المستشار النائب العام بذلك، أما وإذ صدر قرار المستشار النائب العام بحظر النشر، فالمطلس يصبح مُلزمًا بهذا القرار.


صراع على اختصاصات المجلس

ونص قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام على اختصاصات المجلس، والتي بلغت ٢١ اختصاصًا صريحًا، ولكن التبس الأمر بعد قرار "مكرم" بحظر النشر، والذي رد عليه النائب العام بالرفض.

وقال المستشار نبيل الصادق النائب العام، إن قرار منع المجلس بمنع النشر يصدر حيال واقعة محددة من مؤسسة محددة تُشكل مخالفة للقانون، تقتضي توقيع الجزاء عليها، وذلك وفقًا لأحكام القانون، وهو ما لم يُفصح عنه قرار رئيس المجلس، أما في أي حالة أخرى، فإن القرار الصادر من المجلس، فإنه يكون قد صدر منعدما لا أثر له، والمؤسسات الصحفية أو الإعلامية وشأنها في الاعتداد به أو الالتفات إليه.

وأضاف في خطاب إحالة "مكرم" للتحقيق اليوم، أن هذا الاختصاص من السلطات القضائية والتنفيذية، وهو اختصاص منحه لها الدستور والقانون.

وقال خالد البلشي وكيل نقابة الصحفيين السابق، إن المجلس تقمص دور النيابة العامة أو المحكمة التي يحق لها إصدار هذه القرارات، مُستندًا إلى فتح تحقيق إداري حول الموضوع، موضحًا أن هذه السلطة خُولت فقط للنيابة العامة والمحكمة، وفي حالة التحقيق الجنائي، وبما لا يؤثر على مسار التحقيق، وهي المادة التي طالما طالب الصحفيون بوضع قواعد لها، موضحًا أن هذا القرار فيه تجاوز لسلطات المجلس ودوره بتنظيم الإعلام.

وقال الدكتور محمد المرسي الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة في تصريحات لـ"الفجـر"، إن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تطوع بإصدار قرار ليس من اختصاصاته، وهو وقف النشر في قضية فساد مستشفى 57357، مؤكدًا أن دور المجلس هو أن يتابع القنوات الفضائية والصحف، وأن يحاسب المخالفين أخلاقيًا ومهنيًا، وأن يتعامل مع المؤسسات المخالفة لذلك، وليس أن يحظر النشر في قضية ما، خاصة وأن دور المجلس هو دعم حرية الصحافة والنشر وليس منعها.

بينما رد المجلس بأنه ارتكز في قراره إلى القانون رقم ٩٢ لسنة ٢٠١٦ الخاص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، وخاصة الفقرة الخامسة بالمادة 4 والخاصة باختصاصات المجلس، وتنص على تلقي وفحص شكاوى ذوي الشأن عما يُنشر بالصحف أو يُبث بوسائل الإعلام، ويكون منطويًا على مساس بسمعة الأفراد أو تعرض لحياتهم الخاصة، وله اتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه الصحفية أو الوسيلة الإعلامية في حال مخالفتها للقانون أو لمواثيق الشرف، وله إحالة الصحفي أو الإعلامي إلى النقابة المعنية لمساءلته في حال توافر الدلائل الكافية على صحة ما جاء في الشكوى ضده.

وقال المجلس في بيان له، إن قراره انصب على الأعمال التي تُجريها لجنة الفحص المُشكلة بقرار الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، وهي لجنة إدارية وليست ذات اختصاصاً قضائياً، وما تقوم به هذه اللجنة يعد من قبيل الأعمال التحضيرية لفحص ما إذا كان هناك مخالفات من عدمه، وحيث أن الأعمال التي تقوم بها هذه اللجنة ليست من الأعمال التي يباشرها رجال القضاء والنيابة العامة، ولذا فإن قرار وقف النشر الصادر عن المجلس لم ينصب على أي عمل من أعمال التحقيق القضائي.

وقال مكرم محمد أحمد، في خطابه للنائب العام اليوم، إن المجلس مارس اختصاصه وفقًا لقانونه الذي يعطيه صلاحية اتخاذ الإجراءات التي اتخذها، خاصة في ظل القلق الذي يعتري المجلس ومخاوفه من أن استمرار حملة الانتقاد لمستشفى 57357 دون قرار حاسم بالإدانة أو البراءة.