بتول المنيا.. "عفيفة" تودع الحياة بعد 82 عاما في رحاب الوحدة

أخبار مصر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في حجرة صغيرة، تآكلت بفعل الزمن وطفحت بها المجاري، حتى أصبحت كبركة مياه، عاشت سيدة مسيحية تدعى عفيفة حياتها في هدوء تام فلا أنيس ولا جليس، تقطعت بها السبل وغاب عنها الأهل والأحباب، قضت حياتها بتولًا تتعبد إلى الله، تناديه ليلًا لكي يكون ونيسها، وتسأله الرزق نهارًا، حتى ساق الله إليها عبدًا مسلمًا فكان طوق النجاة والخلاص من معاناة المرض.


في إحدى قرى محافظة المنيا، عاشت "الست عفيفة"، عفيفة في حجرتها لمدة 82 عامًا، تتعفف السؤال، تنتظر ما يرسله الله إليها من رزق، حتى اشتد ابتلاء الله فانهارت عليها الحجرة، وأصبحت هي والأرض سواء، إلا أنها لم تفقد حسن الظن بالله، فأرسل إليها جارًا مسلمًا نقلها إلى المستشفى، ثم أبلغ الكنيسة بالأمر حتى تكفلت الكنيسة بنقلها إلى دار رعاية.

فعلى الرغم من أن الست عفيفة عاشت حياتها وحيدة منسية بين 4 جدران، وحتى بعد انتقالها لدار المسنين، إلا أن قدر الله أبى أن تظل منسية بعد وفاتها كما قال في سفر طوبيا 2: 12 "أذن الرب أن تعرض له هذه التجربة لتكون لمن بعده قدوة صبره، كأيوب الصديق"، حتى أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعي وأهالي المنيا، عقب قيام الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وأبو قرقاص، بنشر قصتها عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "ذهبتُ ومعي ثلاثة من الآباء الكهنة، ومعنا فقط العمال الذين سيحملون جسدها إلى القبر، فلا صديقًا لها ولا جارًا ولا قريبًا من أيّة درجة؛ فمنذ دخلت الدار ونحن بمثابة عائلتها والمسئولين عنها، وفي الكلمة القصيرة أثناء صلاة الجنازة، قلتُ: إن كل من هؤلاء السبعة الحاضرين يساوي ألفًا من المجاملين العاديين في الجنازات".

وتابع الأنبا مكاريوس وقد امتلأ قلبه بالحزن، وهو يصف حاله وحالها: "وسواء في الجنازة التي يحضرها الآلاف أو مثل هذه التي لا يحضرها أحد، ففي النهاية سيتعلق مستقبل الشخص بعلاقته بالله في حياته"، مضيفًا: "فليس مهمًا كم عاش ولا أين مات ولا كيف مات ولا كم شيعوه أو بكوه؛ ولكن كيف عاش؟ هناك كثيرون ماتوا في هدوء دون أن يعرف بهم أحد، وربما دون صلاة بل ودون دفن، والله وحده الذي يكافئهم".

فبعد أن كانت تراودها الأحلام ليلًا ونهارًا، بأن تستيقظ يومًا فتجد قريبًا أو حبيبًا يطرق الباب لكي يسأل عنها، حتى عاشت 82 عامًا من الانتظار: "خرجتْ من العالم دون أي شيء سوى بعض قطرات من دموع مخلصة بكت وحدتها وتخلّي الكل عنها، فقد عاشت الغربة في أبلغ صورها، ورضيت من الحياة بأقل القليل دون تذمر، ومضت إلى مواضع الراحة ليعوضها الله أجرًا سمائيًا"، وفي النهاية لم يقتلها الاشتياق يومًا، إنما قتلها دور برد عابر أصاب جسدها النحيف، ليسدل الستار على سيدة غابت عن الدنيا وهي حية ليتذكرها الناس وهي متوفاة.