الكنيسة الكاثوليكية تحتفل اليوم بعيد تقدم يسوع للهيكل

أقباط وكنائس

الكنيسة
الكنيسة


تحتفل الكنيسة بعد مرور أربعين يومًا من ميلاد السيد المسيح وبالتحديد في 2 فبراير الموافق 8 أمشير، بعيد تقدمته للهيكل، وهو أحد الأعياد السيدية الصغرى. ويروى القديس لوقا هذا الحدث فى انجيله (لو222-40).

وفيما يلي المعنى الروحي للعيد.

1- الاقتداء بأمانة يوسف ومريم للشريعة

فرضت شريعة موسى وصيتين، الوصية الأولي خاصة بتطهير الأم ونجدها في سفر اللاويين (8:2-12)، والوصية الثانية خاصة بتقديم كل بكر ونجدها فى (خروج13).
أقتضت الشريعة الخاصة بتطهير الأم علي المرأة أن تتطهر بعد أربعين يومًا اذا ولدت ذكرًا وثمانين اذا ولدت أنثي ويتم التطهير بمجيئها إلي الهيكل وتقدم خروفًا اذا كانت غنية أو زوجي يمام أو فرخي حمام اذا كانت فقيرة. وكانت شريعة التطهير فى العهد القديم رمزًا لذبيحة السيد المسيح الذى قدم نفسه علي الصليب كما يتضح من الرسالة إلي العبرانيين "هو بهاء مجد الله وصورة جوهره، يحفظ الكون بقوة كلمته، ولما طهرنا من خطايانا جلس عن يمين إله المجد" (عب1:3).

والوصية الثانية تقديم كل بكر، فتقديم يسوع إلي الهيكل بكونه بكرًا من أمه بالجسد تعود إلي ان الله طلب من موسي النبي ان يقَدم له كل بكر من أبناء الإسرائيليين وأيضًا من الحيوانات كما يتضح في سفر الخروج "وقال الرب لموسي: كرس لي كل بكر فاتح رحم من الناس والهائم في بني اسرائيل (خر1:3). 

وهنا يمكنا أن نتساءل هل كان الرب يسوع ذاته بحاجة إلي التطهير؟ بالطبع لا، ومع ذلك جاءوا إلي الهيكل طاعة وخضوعًا للناموس والشريعة فيسوع نفسه هو الذي قال: "لا تظنوا اني جئت لأبطل الشريعة وتعاليم الأنبياء، ما جئت لأبطل، بل لأكمل" (متي 17:5). لقد تمم الرب يسوع كل ما تفرضه الشريعة: الختان، والدخول للهيكل، الاحتفال بالأعياد...ألخ، هذا يعلمنا أن نكون أبناء في المحافظة علي التعاليم والوصايا التي يعلمنا اياها السيد المسيح. وعلينا أن نربي أولادنا علي حفظ الشرائع والتعاليم التي تأمر بها الكنيسة. عندها ننال نعم عظيمة من الرب لنكون مرضيين لديه. هكذا ربت العذراء مريم ويوسف البتول ابنهما الرب يسوع الذي يقول فيه الإنجيل: "وكان يسوع ينمو في القامة والحكمة والنعمة عن الله والناس"(لو52:2).

2- الاشتياق إلي اللقاء بالله
يتضح لنا هذا من النص الإنجيلي الذي يسرد لنا حدث هذا العيد المبارك إذ يقَّدم لنا شخصيتان تقدما في السن هما سمعان الشيخ، حنة النبية. لم يدخل سمعان الهيكل اعتباطًا أو بمحض الصدفة، إنما ذهب منقادًا بروح الله "فجاء إلي الهيكل بوحي من الروح. فلما دخل الوالدان ومعهما الطفل يسوع ليؤديا عنه ما تفرضه الشريعة، حمله سمعان علي ذراعيه وبارك الله وقال: يارب تممت الأن وعدك لي فأطلق عبدك بسلام..." (لو25:2-32).
"يقول العلاّمة اوريجانوس: "تأملوا الأحداث التي هيأت سمعان لأن يستحق أن يحمل ابن الله، كان أولًا قد أكد له الروح القدس أنه لا يرى الموت حتي يعاين مسيح الرب، ثم جاء إلي الهيكل، ليس علي سبيل الصدفة او العادة، بل مدفوعًا بروح الله".
يعّد نشيد سمعان نشيد تسبحة وشكر لله، ومنه يعلن سمعان الشيخ عمومية الخلاص "عيناي رأتا الخلاص الذي هيأته للشعوب كلها، نورًا لهداية الأمم، ومجدًا لشعبك اسرائيل" (3:2-32). يمثل سمعان الإنسان المنتظر بأمانة حلول الخلاص ويري حقيقة الخلاص في شخص الرب يسوع المسيح. فالله لا يستغني عن الإنسان في عمله فهو منذ البدء اختار شعبًا ليدخل معه في حوار يكشف من خلاله عن جوهره، وكذلك في العهد الجديد في الاطار الذي نحن بصدده للإنسان دور فعال في اعلان تحقيق الخلاص".
علي غرار لقاء سمعان الشيخ بالسيد المسيح، علي كل شخص في قرارة نفسه مهما كان بعيدًا عن الله بسبب الخطيئة، أن يحّن إلي العودة واللقاء مع الله بالصلاة وممارسة الأسرار خاصة (التوبة والاعتراف والتناول) ليخرج الرب من يأسه، ويداوي جراحه، ويرده إليه، ويغمره بحبه.
3- اللقاء بالله مشروط بلقاء الغريب
في علاقة الله بالإنسان لم يستخدم اسلوب فرض الشخصية واستخدام القوة ليربح الإنسان، لكنه التقي بالإنسان وتعامل معه باسلوب ينم عن احترام الله للإنسان احترامًا بالغًا، ليعلمنا كيفية اللقاء والتعامل بعضنا البعض. فالإنسان هو صورة الله ومثاله، لذلك يقول الرب يسوع: "كل مرة عملتم هذا لواحد من اخوتي هؤلاء الصغار، فلي عملتوه" (متي 40:25).
وعلي لسان القديس يوحنا يقول: "اذا قال أحد: أنا احب الله وهو يكره أخاه كان كاذبًا، لأن الذي لا يحب أخاه وهو يراه، لا يقدر أن يحب الله وهو لا يراه" (1يو20:4). لذلك لقاءنا بالله مشروط بلقاءنا بالغريب والسعي اليه. واللقاء باخي الإنسان لا يتم عبر مصالحة سطحية، أو ابتسامة مصطنعة أو مصلحة وقتية، انما لابد ان يتم اللقاء في العمق رغم الأختلافات الموجودة بيننا علي كافة المستويات. لذلك يتطلب اللقاء تخطى كافة الحواجز والاختلافات، فمن يبحث عن الله ويرغب في اللقاء به يذهب نحو أخيه الإنسان يجد الله. هذه الخطوات ليست سهلة ان لم يكن الإنسان علي استعداد للخروج من الذات وهذا ما يؤكده قداسة البابا فرنسيس في رسالته "فرح الإنجيل" "...الخروج من الذات للاتحاد مع الأخرين يولد خيرًا. الانغلاق علي الذات يعي تذوق سمّ الكمون الباطني المرّ، وكل أختيار أناني نتخذه، سوف تتغلب عليه الطبيعة"(فقرة87).
خاتمة
هذا العيد هو دعوة لكل واحد فينا لكي نعيش في محبة وتقوى علي مثال سمعان وحنة ومريم ويوسف الذي قرّب نفسه. تقدمة يسوع هي تقدمة كل واحد فينا، لأننا مدعوون دائمًا ان نقدم لله كل شيء في حياتنا. لأننا بمعزل عن الله لا نستطيع ان نفعل شيئًا. فالتقدمة لله هي بمثابة الوجود دائمًا في حضرة الله الذي يستقبلنا ويُسرع لملاقاتنا فلنعش هذا الرجاء الحقيقي علي مثال سمعان الشيخ ونلتقي بالله في هيكل نفوسنا. بركة هذا العيد تغمر قلوبنا بالفرح والإيمان والرجاء.