عادات شينجيانغ".. أسرار حياة إقليم "الإيغور" الصيني المثير للجدل

عربي ودولي

بوابة الفجر


يشهد العالم في الأيام الأخيرة تفشي وباء كورونا، والذي كان مسؤولا عن وفاة أعداد كبيرة في الصين، وبث الرعب في العالم أجمع، وارجع البعض انتشاره إلى الانتهاكات المنسوبة للصين ضد أقلية الويغور وهي إحدى الأقليات التي تطالب بالاستقلال عن الصين، وذات أغلبية مسلمة ولكن يجهل الكثيرين من هم اقلية الويغور وعاداتهم وتراثهم وتقاليدهم، وهل تتميز عن باقي أرجاء الصين أم لا؟

كتاب "عادات شينجيانغ" للكاتب قوو لي باهار ومحمد نيازي الذي صدر عن مؤسسة بيت الحكمة، يستعرض حياة قومية الويغور التي تسكن إقليم شينجيانغ، والعرقيات الأخرى التي تسكن الإقليم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وطرق زواجهم وعادات الإنجاب، وحفلات الميلاد والختان والأعياد الدينية تقع منطقة شينجيانغ على حدود شمال غرب الصين وتبلغ مساحتها 1مليون و٦٦٤ الف و٩٠٠ كيلو متر مربع.

وتحتضن شينجيانغ العديد من القوميات أهمها قومية الويغور المسلمة، وتليها الهان، وقوميات القازاق، والهوى، والقرغيز، والمنغول، والطاجيك، والشيبو، والمانشو، والأوزبك، والروس، والتاهور، والتتار، وبلغ سكانها ٢٢ مليون و٦٤٣ ألف نسمة، وهو ما يمثل 61٪ من أقليات الصين.

قبعات شانجيانج
يتناول الجزء الأول من الكتاب الأزياء التقليدية، حيث تتميز كل قومية بقبعاتها المميزة، وتتصدرها القبعة" دوبا" التي توضع على رأس نساء الويغور وهي قبعة مطرزة رباعية الزوايا، بينما قومية القازاق ترتدي قبعة من الفانلات الحمراء والبنفسجية، وتحب نساء الطاجيك القبعة "كولتا" وهي قطنية مطرزة مع وقاية الأذن، بينما ترتدي نساء قومية المنغول قبعة مطرزة ذهبية تسمى "غودنغ"، وتأتي عدد من القبعات للرجال مثل قبعة "توماك" الجلدية التي تشبه الوعاء العميق وقبعة "كولاكاتشا" من الجلد، بينما رجال الدين يلفون روؤسهم بقماش أبيض طويل يسمى "سيالان" شبيهه بعمامة الأزهريين، ولكن لونها من الوسط أزرق وليس أحمر.

نساء الويغور
وترتدي النساء عددًا من الأوشحة والتي تصل لخمسة أغطية وبضعة عشر وشاحًا، وتفضل نساء الويغور حجاب "ييباك"، وقبل تأسيس دولة الصين الشعبية كان عادة ما تضع الفتاة البرقع على الحجاب للفتاة الويغورية، ولكن الآن انحصر تواجده على أماكن مثل كاشي وشاتش جنوب شانجيانج، ولا يمكن إغفال جديلة الشعر التي تتميز بها فتاة الويغور، ويحب أهل الويغور العينين الواسعتين والشعر الطويل، وهناك أغنية مشهورة تتحدث عن جدائل الشعر، ولذلك تعتني النساء بشعرهن بوضع نواة الجوز المحروق لتغذية الشعر، وتجعل الشعر طويلا وأسودا.

ويستعرض الكتاب عددًا من المعتقدات حول الشعر منها الإعتقاد بأن قص شعر الصغيرات سيصبح الشعر أكثر سوادا وأكثر كثافة، كما يقمن بقطع نهاية جديلة الشعر الصفراء بواسطة فأس شاب لكي تكون سوداء وكثيفة، ويتحدث بشكل مفصل عن استخدام المستحضرات الطبيعية في الزينة مثل نبات الوسمة للحواجب وأوراقه لكف اليد.

منازل شانجياج
يدخل الكاتب الصيني نياز لداخل منازل شانجيانج، حيث تتميز كل قومية بنظام منزلها فداخل بيوت قومية الويغور فناء تزرع به الورود وشجر الفواكه، وتنشر الفواكه على سطح الدار لتجفيفها، بينما تأخذ البيوت لقومية القازاق والمنغول على شكل خيمة يورت أو المخيم المنغولي، بينما يتميز منازل القازاق بـ"ماليكوي" أو دار الاحتفالات، وتتميز شانجيانج بوسائل المواصلات التقليدية مثل الخيل والجمال والحمار والعربات الخشبية وحيوان الياك، ويفصل الكتاب استخدام كل وسيلة منها، والتي لا تزال تستخدم حتى اليوم.

الحب والزواج
يعتبر من أكثر أجزاء الكتاب إثارة هو ما يتحدث عن عادات الزواج والحب والأسرة لدى قوميات شانجيانج، ومن التفاصيل المثيرة أن الابن الأصغر هو من يرعى أبويه في كبرهما، ورغم أن الدين الإسلامي يبيح تعدد الزوجات إلا أنه عادة يتزوج ابن الإقليم بزوجه واحدة، وتعدد الزوجات قليل وفي حالات معينة حددها الكتاب مثل المرأة العاقر، والتي تقوم بتزويج زوجها وإقامة العرس له، والنظام أبوي يعني أن الأبناء منفصلين في المسكن فقط ولكن يتناولون الطعام مع الأب وتعتبر الأسرة وحدة إنتاجية، ولا يتزوج المسلمين من غير المسلمين، وتغلب عليهم عادات كالزواج المبكر وكثرة النسل، ويستفيض الكتاب في ذكر العادات والتقاليد الأخرى التي لا تقل إثارة مثل الحمل والولادة وآدابها.

المناسبات الخاصة
بينما يستعرض الكاتب عادات الزواج والتي تختلف بين كل قومية والأخرى، وعند حفلات الميلاد يذبح خروفًا للمرأة الحامل يوم الولادة، ويقوم الجد بتبليغ البشرى على الحصان للجيران، وتوجد حفل لتسمية المولود، وعند مرور شهر على ميلاد الطفل يقيمون حفلة أخرى لغسل الطفل يجمعون فيها 40 طفلًا، و40 ملعقة و40 خبزًا صغيرًا "نوقشتي"، ويسرد الكتاب طقوس هذا الحفل العجيب حيث تتعلق بعضها بالطفل والأخرى بالأم، وحفل إتمام السنة الأولى، وحفل حلق الرأس، والختان، والجنائز والتي تتميز بارتداء الرجال لقبعة بيضاء خاصة، وحزامًا خاصًا وترتدي النساء وشاحًا أبيضًا، ولا يدفنون موتاهم ليلًا.

أعياد إسلامية بنكهة مختلفة
تتميز الأعياد الإسلامية الكبيرة لدى قوميات شانجيانج بنكهة مميزة عما حولها من بقاع الدنيا، ففي عيد الأضحى تعزف الموسيقى ويرقص الرجال أمام المسجد خاصة مسجد "عيد كاء باكاشغار"، وأحد كبار السن يرأس مجموعة لزيارة المقابر، وتختار الأسرة الغنية خروفًا واحدًا ويمسحون دم الخروف على الجبين للبركة، ولا يعتبر العيد 4 أيام مثل العالم العربي بل يستمر 10 ايام.

بينما يرتبط عيد الفطر عند الويغور بأسطورتين، واحدة منهما في قديم الزمان، حيث كان هناك مجاعة كبيرة واضطرت الأم إلى ترك الحجر اللين في القدر للغليان، وقالت للأطفال إن الأم تحضر الطعام لكم (نوعًا من الأرز بمسحوق الذرة، ويوضع في الماء للغليان)، وكانت قد استعملت قضيبا حديديا لدقه، لكي تجعل الأطفال يثقون أن الطعام لم يجهز وأنه صلبًا لا يمكن أكله ويحتاج إلى الانتظار، وكررت هذه العملية، ولكن لم يكن للأطفال صبرًا على الانتظار ولا حول ولا قوة للأم، ففتحت القدر لاستعمال القضيب لدق الحجر أمام الأطفال، والعجيب أن الأم وجدت الحجر في القدر قد تحول إلى طعام، ولذلك يعتقد الناس أن الله يساعدهم ويعطيهم هذه المعجزة، فانتشر هذا الخير لبركات الإنقاذ.

وتزيد الأعياد الإسلامية لدى الويغور بعيد براءة، الذي يقابل ليلة 15 من أغسطس سنويًا، ويعتقدون فيه أن الله ينزل في السماء الدنيا، وتقدير مصائر الناس خلال بقية العام، ويسرد الكتاب العديد من العادات المميزة المرتبطة بهذا اليوم مثل تجهيز مصباحين لكل فرد وشعلة كبيرة والطقوس المرتبطة بتلك الشعلة لدى الأسرة.

كوكتيل أعياد
ولا تقتصر أعياد تشانجيانج على الأعياد الإسلامية، فهناك العديد من الأعياد غير الدينية مثل عيد الربيع ويسمى "تشاقان" أو العيد الأبيض وعيد النوروز، ويذبح فيه، وأعياد قومية روسيا مثل الفصح والميلاد المجيد، وقومية المنغول بعيد طاقان لقدسية الأرض والسماء والطبيعة وقدم فيه القرابين ينصبون فيه خيمة "اليورت"، وغيرها من الطقوس الغريبة التي يرصدها المؤلف، وعيد الهجرة إلى الغرب الذي يحتفل به قومية شيبو في 18 إبريل والذي يمثل هجرة تلك القومية من موطنها الأصلي، وتحتفل به في معبد تايبينغ وتقاليده المميزة، وعيد جلب المياة وعيد دولابيزو وعيد التلطيخ.

رياضات تقليدية
يتناول الكتاب في جزء مخصص للأنشطة الرياضية التقليدية لقوميات شانجيانج، مثل المشي على الحبل والجري وورمي السهام، المصارعة، وتحتل الخيل نصيبًا وافرًا من الرياضات التقليدية التي يذكر الكتاب تفاصيل كل منها، مثل سباق الخيول، ورمي السبيكة المعدنية على الحصان وكرة الحصان، وأيضًا تتنوع أشكال المصارعة؛ كالمصارعة التقليدية ومصارغة الدجاج والمصارعة على الحصان، وهناك بعض الرياضات النسائية مثل الأرجوحة، ويتميز سكان تشانجيانج بحب التنزه وزيارة الأماكن الطبيعية المفتوحة.

ولم يغفل نياز، ألعاب الأطفال المميزة مثل لعبة أكتالاك وكوكتالاك وتعني "الحور الأبيض-الحور الأزرق"، ولعبة "تشيا-تشيا" والتي يسميها الإيغور "والاي" "والاي" نسبة لصراخ لاعبيها أثناء الجري، ولعبة كالا كالا كوشيلا رمو والتي تقوم على فكرة المراوغة، حيث يقوم أحد اللاعبين بعمل دور الأم والأخر بدور الذئب.

الويغور ضيافة من طراز خاص
"مائدة الويغور لا تخلوا من الطعام"، بتلك الكلمات يصف نياز في فصل مخصص كرم وضيافة الويغور، حيث يقدم كل ما لديه للضيف، ويجب أن تقدم له الفاكهة مثل البطيخ والشمام حلو، يقدم لحاف جديد للضيف، ولدى كل بيت ويغوري لحاف إضافي، وعند الضيوف الأقارب عند الأسرة ثرية يجب ذبح خروفًا، والأسرة الفقيرة دجاجة، ولا تقدم الزوجة الطعام ولا تأكل مع الضيوف، فمن يقدمه هو الزوج نفسه، وفي حال كبار السن يقوم أهل المنزل بالانحناء له ويقوم رب المنزل بحمله من على حصانه، وتكشف صفحات الكتاب عن مفاجآت كثيرة تتعلق بالكرم الويغوري مع ضيوفهم، ويسهب في الحديث عن آداب التحية والمصافحة، من ضمنها آداب خاصة لتقديم ماء غسل اليد.

البازار
يختتم نياز كتابه من "البازار"، وهو السوق التقليدي لقوميات شانجيانج، وأهم المنتجات المعروضة به، ومعظم رواد البازار من الفلاحين هم أنفسهم البائعين والمشترين، ولكل قرية يوم للبازار مختلف عن المجاورة لها، ويتحدث عن أشهر تلك البازارات وماذا يتم بها، ويمتاز الكتاب بباقة ممتعة من الصور الملونة المصاحبة للفصول والتي ترسم كل جزء من أجزاء حياة شانجيانج.