د. بهاء حلمي يكتب: الاستثمار.. شباك واحد وعقليات مختلفة

مقالات الرأي

د. بهاء حلمي
د. بهاء حلمي


على مدار سنوات طويلة يتم مناقشة المشكلات التى تعيق جذب الاستثمارات سواء كان من جانب المتخصصين فى الاقتصاد أو القانون أو الإدارة أم من جانب المستثمرين، حيث يتناول كل منهم الموضوع من وجهة نظره.

وعلى الرغم من اهتمام الدولة بتحسين مناخ الاستثمار من خلال إصدار تشريعات جديدة وتطبيق فكرة الشباك الواحد لعلاج مشكلة إجراءات تأسيس الشركات، أو من خلال الجهود الكبيرة المبذولة لتنفيذ بنية أساسية متطورة للطرق، وتوفير الأمن والاستقرار، والترويج المحلى والدولى للاستثمار.

إلا إن تقارير البنك المركزى تشير إلى تراجع الاستثمار لأقل مستوى فى خمس سنوات، وطالب بإصلاحات هيكلية لعلاج العوائق المزمنة للاستثمار ومرونة سوق العمل ومكافحة الفساد والبيروقراطية، وهذه نتيجة منطقية طالما لم نقر بالمشكلات الحقيقية التى تقف حائلا أمام الاستثمار فى مصر.

إن إزالة معوقات الاستثمار فى مصر لا تقف عند حدود جهود مكافحة الفساد والبيروقراطية، أو دراسة وحل مشكلات كبار المستثمرين أو التغلب على طول أمد وتعقيد إجراءات التراخيص ورخص التشغيل والبناء، أو حل مشكلات الضرائب والإجراءات الجمركية، وميكنة الجهات المعنية بالتعامل مع الاستثمارات أو مشكلات التعليم الفنى، أو مشكلات طول أمد إجراءات التقاضى وصعوبة تنفيذ الأحكام، أو ضعف مستوى انشطة البحث العملى، وعدم وجود خرائط استثمارية وصناعية واضحة، وعدم توفير المعلومات الكافية للمستثمرين.. وغيرها من المشكلات المعروفة فحسب.

بل يجب علينا التعامل مع «الداء المصرى» المعروف بالروتين والذى يشكل تراثا فكريا يخيم على فكر وفلسفة واضعى التشريعات، ويسيطر على عقلية وأداء العاملين فى الجهات المعنية بالاستثمار مما يرسخ البيروقراطية استنادًا على قوانين معطلة للتقدم، مما يؤدى إلى هروب الاستثمارات بلا رجعة.

فمن ناحية قانون الاستثمار الجديد المعمول به ينص فى ديباجته «مقدمته» على أن إحكامه لم تخل بإجراءات تراخيص المنشآت الصناعية، ولا تخل بالشروط الموضوعية المقررة لمنح الموافقات والتصاريح والتراخيص المنصوص عليها فى أى قوانين أخرى.

وتشير اللائحة التنفيذية للقانون المذكور إلى أنه تم مراعاة أكثر من 73 قانونًا وقرار له ارتباط بالاستثمار، مما يُعد إعلانا صريحا بتفريغ القانون من مضمونه، ويمنح الجهات المختلفة المعنية بالاستثمار مساحة للتوسع فى إصدار المزيد من القرارات واللوائح والتعليمات للاستئثار باختصاصها الذى يكفله القانون.

أضف إلى ذلك فكر وعقلية العاملين فى تلك الجهات التى تعمل بعيدا عن روح التعاون وآليات العمل بروح الفريق الواحد، ودون الإلمام أو الوعى بالرؤى والأهداف المراد تحقيقها فى مجال الاستثمار والتنمية المستدامة، وهنا تكمن المشكلة القديمة الجديدة فى الجهاز الإدارى بالدولة وهى الفكر والعقلية السائدة.

فلا مناص من إعادة النظر فى فكر وأسلوب سن التشريعات وعلى الأخص دراسة إصدار تشريع جديد يحقق أهداف الاستثمار بشكل وأسلوب غير نمطى، وذلك من خلال تنقية وتجميع كل النصوص المتعلقة بالاستثمارات فى جميع التشريعات الداخلية فى بوتقة واحدة تحت راية قانون حاكم للاستثمار، وليس العكس كما هو الحال عليه.

مع ضرورة إعادة هيكلة هيئة الاستثمار لتضم جميع العاملين بالوزارات والجهات المرتبطة بالاستثمار، وممثلى المحافظات للعمل تحت منظومة الشباك الواحد تحت سلطة إدارية واحدة ممثله فى رئاسة الهيئة، وإن اختلفت التبعية الفنية مع وضع معايير وشروط واجراءات جديدة للتراخيص المختلفة فى كل المجالات وبجميع أنحاء الجمهورية مع إعادة اختيار وتأهيل وتدريب العاملين وتقييم معدلات الأداء وفقا للإدارة بالأهداف.

على أن تسير هذه الإجراءات بشكل متواز مع حل المشكلات القائمة مثل طول فترة الاستعلام الأمنى عن الأجانب التى تزيد عن العام مما يسرب الخوف لدى المستثمر الأجنبى ويجعله مترددا فى تشغيل استثمارته قبل ورود الموافقة، ومشكلة تقاعس بعض الجهات مثل مكتب تراخيص العمل للأجانب عن الالتزام بمنظومة الدفع الإلكترونى، حيث يتم توجيه المتعاملين للدفع بفرع أحد البنوك خارج مقر هيئة الاستثمار على الرغم من وجود ثلاثة بنوك بداخلها دون الأكتراث بالوقت أو الجهد، أو من ناحية إعادة النظر فى شكل ومضمون تصريح الإقامة الورقى الذى يمنح للأجانب ليكون مؤمنا كبطاقة الرقم القومى أو رخصة السيارة للحماية من خطر التزوير. لا تقدم بدون تخطيط ولا تخطيط بدون علم وفكر.

وللحديث بقية.

www.bahaahelmy.com