عائشة نصار تكتب: هيستيريا «الاختيار» فى فيديوهات داعش

مقالات الرأي



التنظيم الإرهابى يكرر هجومه على المسلسل بلهجة غاضبة وبلقطات من كواليس الحلقات

إصدارات التنظيم تسجل سابقة فى التعرض لعمل درامى ومحاولة الرد عليه

فى سابقة هى الأولى من نوعها منذ ظهوره عام 2014، يُقدِم تنظيم داعش، على التعرض لعمل فنى، بالانتقاد والهجوم، سواءً فى إصداراته الرسمية، أوعبر توظيف آلته الإعلامية، والمؤسسات الموالية له لذلك الهدف.

خرجت فيديوهات داعش، بتوقيع التنظيم المركزى، ثم فرعه فى سيناء، تحتوى على مشاهد من مسلسل الاختيار، وشخصياته الرئيسية، مصحوبة بالانتقاد والهجوم، فى واقعة تحمل الكثير من الدلالات، وتستدعى أيضًا الكثير من التوقف والرصد والتحليل، فى إطار السعى لفهم هذه التنظيمات الإرهابية، واستراتيجيتها فى المواجهة.

وتبرهن على مدى تأثير الضربة المعنوية والهزيمة النفسية، التى سددها المسلسل للتنظيم الإرهابى، بالتوازى مع هزائمه على الأرض فى سيناء، بتوثيقه لملحمة استشهاد قائد الكتيبة 103 صاعقة، العقيد أركان حرب أحمد صابر منسى، وزملائه فى كمين مربع البرث بمدينة رفح شمال سيناء.

فلم يسبق لإصدارات التنظيم وفروعه المختلفة، فى أى دولة بالمنطقة، أن تناولت عملا فنيًا بالهجوم، ومحاولة الرد، سواء كان هذا العمل ناطقًا بالعربية أو بأى لغةٍ أخرى، أو حدث أن حظى عملً فنى، درامىً أو غيره، باهتمام التنظيم بهذا الشكل، كما حدث مع «الاختيار».

ليس هذا فقط، فلم يكتف تنظيم داعش المركزى، بالهجوم على المسلسل، بإصدار يحمل عنوان «وقد خاب من افترى»، عن مؤسسة «صرح الخلافة» الموالية للتنظيم الإرهابى، وذلك عقب إذاعة المسلسل فى شهر رمضان الماضى، وما خلقه من حالة زخم، واحتفاء، وحققه من تأثير شعبى واسع.

عاد تنظيم داعش مؤخرًا وفرعه فى سيناء، وبالتزامن مع إعادة إذاعة المسلسل مرة أخرى، هذا الشهر على الشاشات المصرية، لتكرار الهجوم على المسلسل ضمن إصدار أخير له بعنوان «نزيف الحملات»، وبث لقطات متداولة من كواليس تصوير الحلقات، مصحوبًا بلهجة تعكس حالة الهيستريا، وعدم التوازن التى سببها المسلسل وأحداثه والقضايا المتعددة التى طرحها، لفضح التنظيم الإرهابى، ومخططاته.

وهى الحالة التى يبرهن عليها إصرار التنظيم الإرهابى، على التعرض للمسلسل المرة تلو الأخرى، ومحاولة نفى ما تضمنه من رسائل، حققت الهدف منها، ونجحت فى الوصول للناس.

فتحت الدراما المصرية بمسلسل الاختيار، جبهة أخرى للحرب، وميدانا آخر للمواجهة، تدرك خطورتها التنظيمات الإرهابية وتصيبها بالفزع، وتترجمها، إصدارات داعش سيناء دون مواربة.

صناعة «الصورة الذهنية».. حربًا من نوع آخر تخوضها مصر بسلاح لا يستطيع داعش مجاراته، سلاح الفن الذى يحرمه الإرهاب، ويجد نفسه، فى الوقت ذاته، لا يستطيع الإفلات من تأثيره.

ألحقت دراما الاختيار هزيمة معنوية موجعة، لداعش وإخوته، فلم تفضح فقط خبايا تنظيمات الإرهاب فى مصر، بدوافعه وأهدافه واستراتيجياته ومخططاته، فى قالب فنى يصل للمشاهد، ويقدم رصدًا موثقًا للعمليات الارهابية، وتشريحًا دقيقا للهيكل التنظيمى لهذه الكيانات الإرهابية، والارتباطات الإقليمية والدولية لها، وإنما قدم أيضًا دراما واقعية، رسخت صورة ذهنية واضحة لقيادات هذه التنظيمات بالأسماء والشخصيات، على حقيقتها، فحرضت المشاهد المصرى أن يعرف «عدوه» لحمًا ودمًا وأيديولوجية إرهابية متطرفة، وسلوكيات يغيب عنها الضمير، والانتماء للوطن.

وأن يحكم عليه بنفسه، ويقف فى مواجهته، ويلفظ أى صورة أخرى مزيفة، أو هالة مقدسة تحاول هذه التنظيمات تصديرها، لقياداتهم، كمجاهدين ومعصومين، أو تقدم تبريرًا لجرائمهم بحق مصر والمصريين.

فنجح المسلسل فى حرق شخصيات مثل هشام عشماوى وعمر رفاعى سرور، وغيرهما من قيادات إرهابية، لتنظيمات كـ «المرابطون»، و»أنصار بيت المقدس» الذى بايع داعش فيما بعد وحمل اسم «ولاية سيناء»، كما قطع الطريق على تلك التنظيمات، فى تحقيق مسعاها لتحويل مثل هذه الشخصيات إلى أساطير إرهابية، والنفخ فى قدراتها، أو منحها هالة غير واقعية.

وذلك فضلًا عن استهداف المسلسل تفكيك وتفنيد دعاية تنظيمات الإرهاب التى ترتكز بشكل أساسى على مغازلة المشاعر الدينية واللعب على دعاوى المظلومية الدينية والسياسية وغيرها.

وأيضًا حرصه على نقل خريطة ما يحدث فى سيناء، وعلاقة الدولة المصرية مع أهلها، بواقعية تنسف الرواية الكاذبة التى يحاول تنظيم الدم الترويج لها فى إصداراته الإرهابية.

وجدت تلك التنظيمات نفسها، فى مواجهة مع حرب جديدة تتفوق على آلتها الدعائية، وتضرب حواضنها الطبيعية فى العمق، وتحشد مشاعر ووعى الجماهير فى مواجهتها، وتعرقل محاولاتها لتنشيط آلتها فى التجنيد والاستقطاب.

تماما كما أزعجها التجسيد الحى لوقائع وتفاصيل بطولات منسى ورجاله وزملائه من أبطال وشهداء القوات المسلحة، وتضحياتهم التى توحدت معها شرائح الشعب المصرى، وتعرفت إليها عن قرب، وتأثرت بها، والتفت حولها.

بما ينسف كل المحاولات الخسيسة التى تبذلها التنظيمات الارهابية فى إصداراتها المتوالية، لتزييف حقيقة الحرب الدائرة على الأرض، أو تشويه حقيقة ومضمون المواجهة الفعلية، عقديًا وفكريًا وعسكريًا، التى تخوضها الدولة المصرية، ضد هذه التنظيمات بسمومها، ومخططاتها.

حالة الترصد الداعشية ضد مسلسل الاختيار، ولو أنها جديدة على داعش حديث العهد نسبيًا فى عالم الإرهاب، إلا أنها ليست جديدة على مصر، صاحبة التجربة الطويلة مع جماعات الإسلام السياسى، وحلفائها، من التنظيمات الإرهابية، ذات الأفكار المسمومة، سواء فى ذلك المحلى منها، أو من يحظى بتوكيلات إرهابية دولية، أو يتبنى أجندات إقليمية، فيرفع راية داعش أو القاعدة.

لم يختلف رد فعل تنظيم داعش على مسلسل الاختيار بأى حال من الأحوال أيضًا، عن الحملة المسعورة المتوقعة التى أطلقتها الأذرع والقنوات الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان بالخارج، وكذلك اللجان الإلكترونية الإخوانية، للهجوم على المسلسل، بما يسرده من وقائع وأحداث، عاشها المصريون بأنفسهم، وكانوا شهود عيان من خلالها على المخطط الإخوانى لاختطاف الدولة المصرية، وتآمر الجماعة وقياداتها، وتنظيمها الدولى ضدها، وكذا إبرامها تحالفات مع جماعات وقوى خارجية وإقليمية، وميليشيات وتنظيمات مسلحة، ضد مصلحة الوطن، وعلى حساب دماء المصريين.

فأفقد المسلسل، التنظيم الإخوانى، توازنه المعنوى، بحالة الحشد والتوحد العام للمصريين وراء ماتضمنه من رسائل فى مواجهة الإخوان ولجانهم النوعية وحلفائهم من التنظيمات الإرهابية.