إيمان كمال تكتب: شيريهان «الأيقونة» ما لا تعرفه عن «ألف ليلة وليلة»

مقالات الرأي





القدر والحظ منحا شيريهان الفرصة حين أراد المخرج الكبير فهمى عبد الحميد أن يجدد دماء الفوازير التى قدمها لسنوات طويلة مع النجمة الاستعراضية نيللى، وبعدها مع الفنان سمير غانم والشخصية الشهيرة فطوطة، فاختار شيريهان والتى لم تكن قدمت تجارب استعراضية بعد،

لكنها نجحت سينمائيا فى أعمال مثل «خلى بالك من عقلك» و«شارع السد» و«العذراء والشعر الأبيض» و«ريا وسكينة»، فهى الفتاة النحيفة خفيفة الظل وجميلة الطلة على الشاشة، والتى تجيد الرقص والاستعراض أيضاً لكنها إمكانيات لم تكن مستغلة بعد حتى فى تجربتها المسرحية الوحيدة قبلها فى «سك على بناتك»، حتى قرر الحاج فهمى أن يسند إليها بطولة تجربته الجديدة فوازير «ألف ليلة وليلة» فقد أراد أن يقدم ألف ليلة وليلة للكاتب الكبير طاهر أبو فاشا على الشاشة وليس فقط عبر أثير الإذاعة، ولجأ للفنانة زوزو نبيل التى كانت الواسطة من أجل هذه النقلة، وبالفعل فى عام 1985 كانت التجربة الأولى لشيريهان من خلال فوازير «ألف ليلة وليلة –عروس البحور»، وقدمت بعدها «فوازير ألف ليلة وليلة –وردشان وماندو» فى عام 86، وختمت التجربة بفوازير «ألف ليلة وليلة –كريمة وحليمة وفاطيما» وقدمت أيضا فى عام 1987 فوازير «حول العالم».

اللوحات الاستعراضية البديعة، وفساتين براقة تخطف العيون، وأفكار سابقة للعصر وقتها، ميزت تجربة شيريهان فى عالم الاستعراض وجعلت منها الأيقونة فى هذا الوقت.

فشيريهان لم تبخل على التجربة بل كانت تحرص على أن تشترى الفساتين الغالية الثمن من حسابها الخاص، حتى إنها كانت تصرف أكثر من أجرها الذى لم يكن كبيرا مقارنة بالعصر الحالى، أيضا لم يبخل عليها قطاع الإنتاج الذى كان حريصا على خروج التجربة بأفضل ما يمكن فيؤكد المخرج الكبير رضا شوقى والذى عمل كمساعدًا للمخرج وعمل أيضا كمخرج منفذ مع المخرج فهمى عبد الحميد فى الفوازير، بأن المسئول عن القطاع وقتها الأستاذ يوسف عنان كان مهتما بالإنتاج فى التليفزيون بشكل كبير، كما كان القطاع الاقتصادى حريصا على أن يسافر بالحلقات للبلدان العربية لعرضها، فلم يكن فى وقتها متاحا «الشير» والأونلاين» ولا التكنولوجيا التى ساهمت فى إتاحة العرض.

ساعات وأيام من العمل الطويل صاحبت التجربة التى لا تزال الأهم فى تاريخ الاستعراض المصرى، فالتجارب اللاحقة لم تكن بنفس الجودة ولم تتوج بنفس النجاح، فكان فريق التصوير يقيمون فى اللوكيشن من أجل الانتهاء من المهمة الشاقة والممتعة فى نفس الوقت، ففى إحدى السنوات كانت شيريهان تقوم بتصوير «حليمة وكريمة وفاطيما» وكانت أيضا تعرض مسرحيتها «علشان خاطر عيونك» فكانت تنتهى من العرض المسرحى لتسرع إلى الاستوديو لتسجيل الصوت الخاص بالفزورة قبل أن تخطف ساعتين من النوم فى غرفة خشبية صغيرة للغاية تحمل ملابسها وأشياءها، لتبدأ فى الفجر التصوير.

لقطة بسيطة تظهر فيها شيريهان وهى تقدم الشخصيات الثلاث كريمة وفاطيما وحليمة، قد تظهر على الشاشة لثوان، لكنها كانت تحتاج لمجهود يومين أو أكثر مثلا فى التصوير، فيقول المخرج الكبير رضا شوقى بأن التحضيرات كانت تستمر لشهور طويلة من أجل الاستقرار على كافة التفاصيل، سواء الكلمات أو الاستعراض وحتى الرسوم المتحركة لشويكار خليفة والتى كانت تقوم برسم الشخصيات ثم تلوينها، ثم رسم الديكور وتلوينه، وتركيب الصوت على الصورة، ثم المرحلة الأخيرة تركيب «شيريهان» نفسها بداخل الكارتون، فلم تكن الأمور سهلة، فكان مثلا تصوير مشاهد شخصية حليمة قد تستعرق وقتا ثم تعود للشخصية نفسها بعد أسابيع من أجل الديكور.

شركاء النجاح فى التجربة كثيرون فبجانب المخرج فهمى عبد الحميد وطاهر أبو فاشا وعبد السلام أمين وشويكار خليفة، فتأتى مهمة مايسترو الفوازير والاستعراض فى مصر حسن عفيفى مصمم الرقصات، والذى كان يساعد أيضا فى الكثير من التفاصيل فأحيانا يسجل صوته مع الكورال، أو يظهر كممثل فى مشاهد، فلم يبخل على التجربة بالوقت أو الجهد.

وبجانب التعب والمجهود الكبير كان هناك أيضا مواقف طريفة وغريبة أحيانا تعرض لها صناع الفوازير، منها غلطة استطاع الفريق تجاوزها فى اليوم التالى، حين كانت شيريهان تقوم بلم فستانها على الطائرة وظلت الكاميرا تصورها فعرض فى التتر، لكن تم عمل المونتاج فى اليوم التالى خاصة أن التتر كان يتم تصويره فى حوالى شهر ونصف الشهر أحيانا حيث يتم التعامل معه على أنه لوحات استعراضية منفصلة.

أيضا فالتعب الشديد جعل صوت شيريهان فى إحدى المرات مجهدا وكانت تلتقى لأول مرة بالملحن فؤاد حلمى صاحب أغنية «بتسأل ليه عليا» والذى اعتاد التعاون مع مطربين، وتعجب من فكرة أن تكون شيريهان مجرد «مؤدية» ورفض العمل معها، ولكنها خرجت له على الفور وبذكائها بدأت تناكفه وأوضحت له الموقف حتى خرجت الأغنية بأفضل ما يمكن للفوازير.

ولأن فريق العمل كان يمضى حضورا بدون خروج من الاستوديو فكانوا يضطرون أحيانا للنوم على مرتبة فى غرفة بها بعض الكاميرات، فكان أحد المصورين محمود العسال يرغب فى النوم فى إحدى المرات فطلب من الشخص النائم على المرتبة ألا يخبر المخرج فوجده بالفعل الحاج فهمى الذى قال له «نام شوية أنا الحاج فهمى». 36 عاما مرت على التجربة لكنها تظل حالة إبداعية عجز الكثيرون عن تكرارها رغم المحاولات التى باءت أحيانا بالفشل أو مرت مرور الكرام، وكأن صناع التجربة وحدهم يمتلكون الخلطة السحرية التى جعلت شيريهان هى «الأيقونة» الاستعراضية التى لن تتكرر.