قاضي الإنسانية يستمع لشكوى تلاميذ مرضى السكر... وينصفهم بحكم قضائي

حوادث

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب


أقرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، مبدأ مهما يُلزم التأمين الصحي، بصرف الأنسولين المائي وأنسولين اللانتوس وقلمي الأنسولين بواقع قلم خاص لكل نوع، وجهاز قياس السكر وشرائطه للتلاميذ بالمدارس مرضى السكر مجانًا من غير القادرين،  وأصبحت هذه الأحكام نهائية وباتة.

وكانت المحكمة، قضت برئاسة القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، في خمسة أحكام بوقف تنفيذ قرارات رئيس هيئة التأمين الصحي السلبي، بالامتناع عن صرف الدواء المقرر لعلاج خمسة تلاميذ  بالمرحلة الابتدائية بالبحيرة، هم (ع.ع.ع) و(ن.ح.ح) و(أ.ع.أ) و(ي.س.ع) و(ج.إ.ك)، من مرض السكر المزمن بصفة منتظمة وصرف أنسولين مائي بواقع 40 وحدة يوميًا د، أنسولين لانتوس بواقع 30 وحدة يوميًا، قلمي أنسولين بواقع قلم خاص لكل نوع، جهاز قياس السكر بالدم لمتابعة السكر 8 مرات يوميًا،يوميًا،  شرائط أسيتون لمتابعة الأسيتون بالبول للتلميذة الأولى، وسائر التلاميذ الأربعة بالجرعات المقررة لكل منهم وفقًا للتقارير الطبية وذلك بصفة دائمة ومنتظمة، وعرض حالتهم على الطبيب المختص دوريًا لتقرير مدى حالتهم الصحية فى ضوء ما يسفر عنه تناول ذلك الدواء، وألزمت الإدارة المصروفات وأمرت بتنفيذ الأحكام بمسودتها وبغير إعلان، وقد أصبحت هذه الأحكام نهائية وباتة.


"القاضي يسمع شكوى التلاميذ"

تعود وقائع القضية بأن المحكمة وهي مكتظة بالمتقاضين تقدم خمس تلاميذ بالمرحلة الابتدائية بمدارس محافظة البحيرة، مع أسرهم للمطالبة بعلاج التلاميذ من مرض السكرى، وحينما لمح القاضي الإنسان الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، صراخ واحد من التلاميذ أمر بأن تكون القضايا الخمس أول الرول وليس أخره طبقًا لدورها بعد استئذان المتقاضين الذين وافقوا على الفور، فتقدم التلاميذ وأولياء أمورهم،  وقدموا للقاضي أصل التقارير الطبية المودعة قضيتهم، فبدأ القاضي ببث روح الطمأنينة فى نفوس الأطفال وسأل أكبرهم سنًا تلميذة بالصف الخامس الابتدائي قائلا: "إن شاء الله تكون صحتك كويسة عاوزة تقولي لي حاجة عن صحتك"، فأجابت بشجاعة: "أنا مريضة بالسكر وبحس وأنا في المدرسة بعطش شديد كل شوية وبيحرجنى جدا فى الفصل إنى بطلب أروح الحمام كتير، وكمان ببقي مرهقة جدا من غير ما أبذل مجهود زي زميلاتي فى اللعب بالفسحة"، فقال لها القاضي “كملي” فقالت “والدي عامل باليومية ومش قادر على سعر الأنسولين غالي عليه وروحنا التأمين الصحي قالوا مفيش أنسولين ولا أقلامه”.. ثم بكت، فهدأ القاضي من بكائها وقال لها إن شاء لله حتكونى كويسة.


ثم لمح القاضي تلميذا آخر في الصف الرابع فسأله عاوز أسمعك أنت كمان فقال للقاضي "أنا بحس لما يكون السكر عالي عليا إنى مش بشوف كويس فى الفصل كأنى بشوف ضباب ودة بيزعلنى كتير وبابا فلاح بسيط مش بيقدر يشترى ثمن الأنسولين على طول والتأمين مش بيصرف لنا الانسولين ولا جهاز يقيس لنا هو عالي وبكى".

وأجمع باقي التلاميذ على نفس الكلام إلا تلميذا واحدا في أولى ابتدائي ظل يصرخ طول الوقت من الألم فوق ذراع والده،  فحاول الأب الخروج به من القاعة حتى لا يحدث ضجيج إلا أن القاضي الإنسان أصر على حضوره، وقال له "من واجبنا أن نسمع صراخه"، فنظر القاضي إلى الحاضر عن التأمين الصحي والحاضر عن وزارة الصحة اللذان طلبا مهلة من القاضي شهر للرد على القضايا، فقال لهم القاضي لكم فقط 3 ساعات للرد، وبعد الموعد دفع الحاضر عن التأمين الصحي بعدم اختصاص القضاء الإداري عن نظر قضايا العلاج، بينما دفع الحاضر عن وزارة الصحة بإخراجه من الدعاوى بحجة أن التأمين الصحي هيئة مستقلة والوزارة غير مسئولة عنها،  فقال القاضي الأحكام خلال نصف ساعة،  ونطق القاضي بالأحكام لصالح التلاميذ الذين بكوا في أحضان أسرهم، بحيثيات تاريخية ولم يفت القاضي أن يدون في حكمه عن التلميذ الأصغر بحق الصراخ.

وردت المحكمة في البداية على الدفع المبدى من الحاضر عن هيئة التأمين الصحي، بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر قضايا العلاج، بأن ذلك مردود بأن المنازعة بين المرضى وهيئة التأمين الصحي، هي منازعة إدارية حول تقديم العلاج والرعاية الطبية المنوط بتلك الهيئة تقديمها، وأن اختصاص القضاء الإداري بسائر المنازعات الإدارية طبقا للدستور، وأنه كان يتعين على القائمين على مرفق هيئة التأمين الصحي، بدلًا من التحلل من ربقة الالتزام الدستوري بعلاج المرضى المشمولين قانونًا برعايتهم صحيًا وعلاجيًا أن يقوموا بدورهم المنوط بهم قانونًا لإنقاذ حياة الأطفال وهم الضعفاء المجردين من كل سلطان إزاء فقر أولياء أمورهم، وكان الأولى بهم النظر إليهم بعين الرحمة وبحث حالتهم المرضية لا بحث كيفية التحلل من الالتزامات التي أوجبها الدستور والقانون من حقوق فى علاجهم، بموجب حكم المادة 18 من دستور 2014 التي ألزمت الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض بل جعل الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة جريمة يعاقب عليها القانون، فضلًا عما فيه من امتهان لأحكام الدستور باعتباره تعبيرًا عن إرادة الأمة، مما يتعين معه رفض هذا الدفع.

كما ردت المحكمة  على الدفع المبدى من الحاضر عن وزارة الصحة بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها في الدعاوى التي ترفع على هيئة لتأمين الصحي، بحجة أن لها شخصية اعتبارية مستقلة وطلب إخراجها من الدعوى بلا مصروفات،  فإن ذلك مردود بأنه طبقا لقانون تلك الهيئة الذى كان يسري على التلاميذ عام 2016 فإن وزير الصحة هو الرئيس الأعلى للهيئة العامة للتأمين الصحي وما يصدر من أحكام على الهيئة تتولى الهيئة تنفيذها تحت إشرافه، فاختصام وزير الصحة واجب حتى يكون الحكم الصادر على الهيئة في مواجهته لإلزامها بتنفيذه، وكان أحرى بوزارة الصحة أن تمد يدها لعلاج الأطفال، لا أن تتنصل من مسئوليتها التي ألقاها على عاتقها القانون بحجة أن لهيئة التأمين الصحى استقلالها وهى المشرفة عليها في تقديم العلاج للمواطنين، ما يتعين معه رفض هذا الدفع.