عائشة نصار تكتب: حروب “الشتات” الإخواني

مقالات الرأي

عائشة نصار
عائشة نصار

رسميا.. الإخوان تتحول إلى جماعتين لهما قيادتان ومجلسان للشورى ومتحدثان رسميان

يوسف ندا و«علماء الإخوان» يدعمون «جبهة لندن» وإبراهيم منير ضد “جبهة اسطنبول” بقيادة محمود حسين

كل جبهة تقبض على ما تسيطر عليه من حسابات وأرصدة وتبرعات وتنشئ نوافذ إعلامية تتحدث باسم الإخوان

 

رسميًا، وببيانات إعلامية، ومعارك علنية، تعصف بمستقبلها، وتتجاوز الكواليس التنظيمية إلى فضاء وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، تنقسم الآن جماعة الإخوان إلى جماعتين متصارعتين، بينهما صدام عابر للحدود، لا يدخل هذه المرة ضمن لعبة تقسيم الأدوار التى ما دام انتهجتها ومارستها الجماعة على مدار تاريخها.

وإنما يأتى استكمالًا لحالة التصدع التى يعيشها التنظيم الإخوانى منذ انهيار حلمه «التاريخى» بالسيطرة على حكم مصر فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ثم  إلقاء القبض بعد ذلك تباعًا على أبرز قياداته، ومحاكمتهم ووضعهم داخل السجون، وما تبع ذلك من حصار التنظيم الإخوانى فى بلد المنشأ، وتجريم أنشطته، وتقليص نفوذه داخليًا، وكذا تضييق الخناق عليه، وخلخلة بنيته.

لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من أزمات «الشتات الإخوانى»، والتى تنتهى الآن بانقسام القيادة المركزية للجماعة إلى جبهتين، الأولى «جبهة لندن» ويقودها إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد، والثانية «جبهة إسطنبول» ويقودها محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة.

الصراع الذى بدأ بقرار إبراهيم منير، بحل المكتب الإدارى للجماعة بتركيا، وعزل محمود حسين الأمين العام السابق من منصبه وآخرين، رد  عليه محمود حسين وفريقه، بعقد اجتماع مجلس الشورى العام للجماعة، وإصدار قرار بعزل منير من منصبه كقائم بأعمال المرشد، وإبطال قراراته بتجميد وفصل  ستة من القيادات الإخوانية وعلى رأسهم حسين نفسه، وتكوين لجنة «مؤقتة» تتولى مهام القائم بأعمال المرشد، وهى الإجراءات التى رد عليها منير بدوره بإعلان تشكيل مجلس شورى جديد وتجميد عضوية عدد جديد من قيادات الإخوان الموالين لجبهة إسطنبول.

ثم بدأ منير بعد ذلك حشد كافة أسلحته ومؤيديه من أصحاب النفوذ على مستوى التنظيم الدولى، فخرج القيادى الإخوانى الشهير يوسف ندا، المفوض السابق للعلاقات الدولية للإخوان  والمسئول عن استثمارات الجماعة فى غالبية بقاع العالم، مناصرًا لإبراهيم منير وداعمًا له على رأس الجماعة، وأن منير ما دام حاز ثقة مرشدى الجماعة بداية من محمد حامد أبو النصر ومصطفى مشهور، وانتهاء بقيادات السجون، التى اختارته لقيادات الجماعة، فيما صدر بيان حمل توقيع «علماء الإخوان»  طالبوا فيه بالالتزام بالبيعة والطاعة لإبراهيم منير وقراراته، وإبـعاد ما وصفوه بكـل صـاحـب «هـوى أو غـرض» فى إشارة لمحمود حسين وجبهة إسطنبول.

لينتهى المشهد الآن بوجود قيادتين للجماعة، ومجلسين للشورى، ومتحدثين رسميين، ونسختين من القنوات والنوافذ الإعلامية باسم جماعة الإخوان، فى ظل وجود جبهتين متصارعتين تقبض كل منهما على ما تحت يديها من أصول وحسابات وأرصدة وتمويلات.

وكانت  سلسلة من الأزمات والفضائح التنظيمية، قد بدأت، فى ظل خيارات استثنائية، يفرضها وضع الجماعة فى مرحلتها الجديدة بعد سقوطها فى مصر، وهو وضع استثنائى بكافة المقاييس، وصل فيه التنظيم الإخوانى لذروة اشتباكه، وارتباط مصالحه السياسية والمالية، بقوى إقليمية لها أجندتها ورؤيتها الخاصة.

وفى تلك الأجواء وبموجب بيان رسمى من البيانات النادرة الموقعة باسم القائم بأعمال المرشد آنذاك، محمود عزت أثناء فترة هروبه، وبصفته مرشدًا بالإنابة، فقد تم تعيين إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولى نائبًا للمرشد العام، مع استقرار القيادى الإخوانى محمود حسين فى موقعه كأمين عام للجماعة.

وهو اختيار كان له ضرورة ملحة وتكتيكية للجماعة بعد ٣٠ يونيو، خاصةً إذا وضعنا فى الاعتبار أن منير نفسه، كان هو الأمين العام للتنظيم الدولى للإخوان، وبالتالى فإن اختياره للمنصب كان محوريًا، للجماعة بعد ٣٠ يونيو، بما يتناسب مع انتقال قيادتها المركزية  للخارج، فى لحظة استثنائية من تاريخها، وانصهارها بشكل أكبر فى بوتقة التنظيم الدولى.

ورغم أنه لم يكن لإبراهيم منير أى وزن أو ثقل تنظيمى داخلى قبل عام ٢٠١٣، وهو ما تغير لاحقًا حيث أصبحت الجماعة، بحكم وضعها الاستثنائى الجديد، فى أمس الحاجة إلى التنظيم الدولى، الذى يشغل إبراهيم منير منصب أمينه العام، ما دفعها بالتالى إلى تصدير منير فى الواجهة، بعد ٢٠١٣، خاصةً بحكم علاقاته الوطيدة بالجماعات الحقوقية الدولية للهجوم على مصر، وكذا علاقاته بالقيادات السياسية والحزبية البريطانية، وبأعضاء مجلس العموم البريطانى فى لندن، مقر التنظيم الدولى للإخوان، واستغلالها كأداة للضغط على النظام المصرى.

ناهيك عن علاقات منير القوية بالاستخبارات البريطانية، التى عقد عدة لقاءات مع ممثلين لها لعرقلة مساعى وتحركات بعض نواب البرلمان البريطانى لتصنيف الإخوان كـ«جماعة إرهابية».

كما لم يتوان إبراهيم منير فى هذا السياق عن المناورة غربيًا، بأية ثوابت فكرية إخوانية، حتى لو كان بادعاء الدفاع عن حرية الإلحاد والشذوذ الجنسى، فأكد فى جلسته الشهيرة داخل مجلس العموم البريطانى، أن الشريعة الإسلامية من منظور الجماعة تمنع الحاكم أوالمجتمع المسلم من التدخل ضد الشواذ جنسيا أو الملحدين، أوالتعرض لهم.

وتسببت الواقعة المسجلة بالصوت والصورة، فى جدل شرعى وغضب فى الأوساط الاخوانية، خاصة بعد أن أعيد نشر الفيديو مع طرح اسم منير كقائم بأعمال المرشد فى أعقاب القبض على القائم بأعمال المرشد محمود عزت، فى صفعة قوية وجهها الأمن المصرى للتنظيم الإخوانى، أفقدته توازنه، وأشعلت المزيد من الفضائح والأزمات فى صفوف التنظيم، تحولت إلى معارك لنشر «الغسيل القذر»، وتوجيه الاتهامات علنًا ضد قيادات الجماعة الجدد.

فنشر القيادى الإخوانى عصام تليمة فيديو «ملغم» هاجم فيه مجموعة القيادات «التاريخية» التى تدير الجماعة، وحملهم فيه مسئولية القبض على عزت، ثم استغلال القبض عليه، لضرب شباب الجماعة، المعارضين، وتصفية الحسابات معهم، وغسيل سمعة القيادات.

كما اعترف تليمة صراحة بوجود «كتائب إلكترونية» تابعة لهذه القيادات شخصيًا وتتولى مهمة الهجوم على الشباب الإخوانى المناوىء للقيادات.

وتضمن الفيديو أيضًا اتهامات صريحة للمجموعة القطبية «الرباعية»، الحاكمة داخل الإخوان حاليًا، وعلى رأسها إبراهيم منير، بالكذب، والفشل والوصول بالجماعة، إلى الوضع المزرى الذى وصلت إليه.

كما وصل الهجوم إلى  توجيه تهم بالفساد المالى وكذلك تهم أخلاقية، هدد تليمة، ولمح إلى خطورتها وأنه لا يمكن الإفصاح عنها، على الملأ، وتنال من سن إبراهيم منير ومحمود حسين ومجموعتيهما.

كل ذلك بعد أن بدأ شباب الإخوان «الهارب»، وكوادرهم فى الاحتكاك مباشرة بمنير وتصريحاته وقراراته، وهو القيادى الإخوانى المجهول تمامًا حتى سنوات قريبة، بالنسبة لهم.

فى نفس التوقيت الذى خرج فيه التسريب الصوتى للقيادى الإخوانى أمير بسام عضو مجلس شورى الجماعة، كقنبلة مدوية، تكشف عورات الجماعة والفساد المالى لقياداتها، وسر «مغارة على بابا» من ماليات وتبرعات إخوانية بملايين الدولارات فى قبضة المجموعة القطبية الرباعية القابضة على مقاليد الجماعة الآن.

اتهم بسام فى التسجيل الصوتى محمود حسين، الأمين العام للجماعة، بالاستيلاء على أموال الجماعة، وكذا استيلاء كل من إبراهيم منير ومحمد البحيرى ومحمود الإبيارى على مبانى وشراء سيارات فاخرة لهم ولأبنائهم دون وجه حق كما فعل محمود حسين بشراء سيارة ماركة BMW  له ولابنه، وتعيش هذه القيادات حياة الملوك فى إسطنبول من جيوب قواعد الإخوان وتبرعاتهم، فى الوقت الذى يعانى فيه شباب وكوادر الجماعة من التشرد فى تركيا، ويحصلون على إعانات لا تتجاوز ٢٠٠ ليرة تركية شهريًا.

ومن ذلك واقعة أوردها عمر مدحت الحداد، نجل القيادى الإخوانى المعروف، بأن أستاذًا جامعيًا أصبح الآن يبيع شرابات أمام المولات التجارية فى إسطنبول، بعد أن رفعت الجماعة الحماية عنه، لأنه فقط عارض محمود حسين وانتقد قراراته، وهو نفس ما فضحه شباب من الجماعة فى السودان بفيديو على السوشيال ميديا، عن واقعة طردهم من «السكن» بسبب انتقادهم لقرارات الجماعة.

لم تتوقف الفضائح عند هذا الحد بل تصاعدت الأمور، فاستغل  إبراهيم منير علاقاته، فى تهديد المعارضين له خلال لقاء معهم فى إسطنبول بإبلاغ المخابرات البريطانية عنهم..

وهو أيضًا ماعاد وكرره  منير فى اجتماع مع عدد من شباب الإخوان المنتقدين لقرارات قيادات الجماعة، بوساطة من ياسين أقطاى مستشار الرئيس التركى، وفى فندق مملوك له فى إسطنبول، فهدد منير الشباب الغاضب والمعارض ضمن ٥٠ اسمًا، إخوانيًا، بالترحيل من تركيا أو حرمانهم من الحصول على عمل أو على الجنسية التركية، وإعادتهم إلى مصر وتسليمهم للأمن المصرى.

ثم وصلت ممارسات منير الصادمة إلى ذروتها، بتنكره وتخليه عن شباب التنظيم الإخوانى، وأسر سجناء الإخوان فى مصر، فصرح للجزيرة القطرية، «لم نجبر أحدًا» و«ماقولناش لحد يبقى إخوان»، و«الباب مفتوح أمام الجميع من أيام عبدالناصر لمن يريد أن يخرج من الإخوان أو يدينهم ويتبرأ من أفكارهم»، وهى التصريحات التى تسببت فى موجة من الغضب والاستهجان بين صفوف الجماعة داخليًا وخارجيًا.

والآن فإن قيادات الجماعة التى تأكل شبابها، وتنهب أموال التبرعات والتمويلات، تحولت الآن لأكل بعضها البعض، وهدم الجماعة على رءوس عناصرها وأعضائها، على وقع الصراعات والأطماع التنظيمية، فى مرحلة الشتات الإخوانى الجديد.