محمد الباز يكتب :عن مذكرات الفريق الباهت ( 3- 3)

مقالات الرأي

محمد الباز يكتب :عن
محمد الباز يكتب :عن مذكرات الفريق الباهت ( 3- 3)


سامى عنان... الأمريكانى

هل كان لابد أن يتحدث سامى عنان الآن؟

أعتقد أن كلامه جاء في الوقت المناسب، لكن ما قاله عبر ما نشر من مذكراته حتى الآن لم يكن مناسبا ولا كافيا على الإطلاق، ربما كان التعجل في كتابتها ونشرها هو الذى أدى إلى التهافت الذى ظهرت عليه وبه ، وربما أراد الرجل أن يفصح عن بعض وليس كل ما لديه.

على أية حال نص المذكرات الكاملة كاملا لم ينشر بعد...وهو ما ننتظره حتى يكون الحكم على ما خطت يد الرجل نهائيا.

من غير المناسب مثلا ما ردده سامى عنان عن موقفه من الأمريكان ورأيه فيهم، وهناك يمكن أن تظهر التقاطعات بين رئيس الأركان السابق والولايات المتحدة في عدة محطات.

المحطة الأولى سفره إلى الولايات المتحدة في 24 يناير 2011، وهو الذى كان يعرف أن هناك يوما يحشد فيه المصريون للتظاهر على النظام، هذه الزيارة التى كانت معدة سلفا، تعامل معها البعض على أنها إعادة لسيناريو سفر مبارك إلى أمريكا قبل إغتيال السادات بأيام...وهو ما جعل الريبة تحيط بالزيارة وما جرى فيها، ورغم أن هناك وجاهة في منطق من يرددون هذا الكلام، إلا أن الواقع لا يشير إلى أن زيارة عنان كانت استدعاءا أمريكيا لترتيب شئون البيت بعد رحيل مبارك عنه.

المحطة الثانية كانت لقاءه مع الجنرال ماتيس قائد القيادة المركزية الأمريكية وصديقه المقرب في قاعدة أندروز وقبل صعوده إلى الطائرة العائدة إلى القاهرة.

ما نشره عنان كان قصيرا ومقتضبا جدا، سأله ماتيس عن الأوضاع في مصر، وبشكل مباشر قال له: هل ستطلقون الرصاص على المتظاهرين، فرد سامى: لا، فاستدرجه ماتيس: حتى لو صدرت لكم الأوامر بذلك، فأكد عنان دون أن يبتلع الطعم: حتى لو صدرت الأوامر.

اكتفى عنان بما قاله... لم يتطرق إلى تفاصيل ما جرى، وهو ما جعل مساحة الحذف والإضافة إلى الحدث كبيرة، فطالما أنه لم يقل، فمن حق الجميع أن يبحث عمن يقول له ما جرى حتى ولو لم يكن حقيقيا.

لقد حاول سامى عنان أن يصور نفسه ضحية مؤامرة اشترك فيها الأمريكان وقناة الجزيرة، فقد رأى خبر قطع زيارته على شاشة القناة القطرية وهو في الطريق فأيقن أن الأمريكان باعوه...وأن هناك شئ ما يتم تدبيره، وهو أمر خان ذكاء الفريق صاحبه فيه...فليس معقولا أنه لا يعرف خريطة التحالفات...وليس منطقيا أن تكون تصوراته بكل هذه السذاجة.

ما أطمئن إليه أن سامى عنان لم يكن رجلا لأمريكا في الثورة ولا في غيرها، لكن الإهتمام الأمريكى به هو الذى جعل الرجل في مهب الريح والشائعات أيضا، هناك تسريبات تشير إلى أن أباوما طلب من مبارك في مكالمة بينهما أيام الثورة أن يكون هناك مجلس رئاسى يضم في عضويته سامى عنان إلا أن مبارك رفض، وعندما تعرف مصدر التسريبة ستتأكد أن هناك من نسجها بعبقرية للتأكيد على أن سامى عاد من أمريكا وهو يحمل معه سيناريو ما بعد مبارك.

ما حدث كان أكثر من هذا.

فى 13 مارس وبعد حوالى شهر على تخلى مبارك، نشرت إليزابيث بوميلر تقريرا فى النيويورك تايمز عنوانه : البنتاجون يراهن على فريق مصرى، ولم يكن المقصود سوى سامى عنان.

بوميلر بدأت الإشارة إلى سامى عنان منذ البداية، عندما كان فى الولايات المتحدة وتلقى اتصالا هاتفيا يخبره بأن الجيش المصرى سينزل إلى الشوارع المصرية إبان الثورة المصرية، فما كان منه إلا أن سارع بالعودة إلى مصر بعد أن اعتذر لنظيره الأمريكى الأدميرال مايك مولن عن لقائهما المنتظر.

تقرير النيويورك تايمز أشار إلى أن الفريق سامى عنان هو الرجل الثانى بين قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأنه يسعى إلى مزيد من الديمقراطية فى مصر، كما أنه من المتوقع أن يخلف محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة فى منصبه.

هنا تأتى النقطة الأهم فى التقرير، حيث يرى مسئولون أمريكان أن الفريق عنان أصبح همزة الوصل التى لا غنى عنها بين الولايات المتحدة ومصر خلال المرحلة الحالية، ومن ثم فإنه إذا لم يكن الفريق عنان هو رجل البنتاجون فى مصر، فإن الكثيرون يأملون أن يصبح كذلك.

لكن التقرير فى النهاية يشير إلى أن الفريق عنان يبدو أكثر تركيزا على العمليات العسكرية التقليدية، مقارنة بالمشير طنطاوى الذى يبدو أكثر اهتماما بالمشروعات التى يتولاها الجيش ويعارض فكرة الإصلاح الإقتصادى، لذا حذر مسئول عسكرى مصرى من أنه لا ينبغى أن تعقد واشنطن الآمال على الفريق عنان وتوليه وزارة الدفاع خلفا لطنطاوى.

ما الذى يمكن أن نفهمه من كل ذلك؟

نفهم من ذلك أنه كانت هناك رهانات أمريكية طوال الوقت على جنرالات الجيش المصرى، ولم تكن هناك أبدا اتفاقات بين طنطاوى أو عنان مع المسئولين الأمريكان على الإطاحة بمبارك، أو الإنحياز إلى الثورة، فقد تصرف الجنرالات بما يمليه عليهم الواجب الوطنى، وإن لم يمنع هذا أن تكون هناك تقاطعات من الأمريكان الذين ما كان لهم أن يتركوا بلدا كبيرا مثل مصر يسير دون أن يرقبوا الوضع جيدا، ويحاولوا أن يتدخلوا فيه قدر الإمكان.

الرهان على سامى عنان كان أكبر من طنطاوى بكثير... لكن في النهاية ولأن عنان لم يستطع أن يتخلص من سطوة – يمكن أن نقول تبعية – طنطاوى عليه، فقد أصبح معه في كفة واحدة طول الوقت، وكان طبيعيا أن يطيح مرسى بهما معا، وهو ما لم تعترض عليه أمريكا مطلقا، بل ربما باركته، ولو كان الفريق رجلها لأبقت عليه وأصرت على تصعيده وزيرا للدفاع، على الأقل وقتها كانت تضمن ولاءه، بدلا من تصعيد جنرال آخر بدا في نهاية النفق المنقذ الذى أنهى الإخوان وكسر أنف الأمريكان دون أن ينظر وراءه ولو مجرد نظرة خاطفة ( يمكن أن تفتح قوسا هنا وتقول أن أمريكا تخلت عن عنان بعد أن احترقت ورقته بنار الإخوان...ويمكن أن أقول لك جائز جدا).

لا أهوى بالطبع وصم الآخرين بما ليس فيهم، ولا أستطيع أن أقول أنه كانت هناك ترتيبات معينة بين سامى عنان والأمريكان قبل الثورة أو أثناءها رغم أن هناك من يحلو لهم أن يرددوا ذلك، لكن ما أستطيع أن آخذه عليه في هذه المساحة أنه عجز عن إظهار موقفه الحقيقى، ولم يفصح عن كثير كان يمكن أن يصحح صورته ووضعه...كما حدث وسحب من رصيده الذى كنا نتخيله عن دوره في الثورة...وفى هذا لا يجب أن يلوم سامى عنان إلا نفسه...أو على الأقل يعيد حساباته فيعيد كتابة مذكراته من جديد بشكل أكثر إحترافية وبتفاصيل أكثر...لعله ينقذ ما يمكنه إنقاذه.