طارق الشناوي يكتب: "جالا".. التى لم أعرفها!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

 


فى اللحظة التى ودعت فيها الحياة، عادت مجددا لتشغل مساحات مكثفة من (الميديا)، خبر الرحيل أعادها لمؤشر البحث (جوجل) لتصبح (تريند).

عندما غابت قبل نحو خمسة عشر عاما، تعمدت، وعلى غير ما هو متوقع، أن تنسحب فى هدوء، بينما فى حياة جالا، لا يوجد أبدا هدوء على المستويين الاجتماعى والفنى، دائما هناك معركة، ولهذا جاء الصمت غريبا، يحتمل العديد من الاحتمالات، كانت علاقتنا الشخصية محدودة، لا تسمح لى بأن أسألها عن الأسباب؟.



لم يشعر أحد أنه انسحاب مقصود، تعاملنا مع الأمر باعتباره استراحة مؤقتة، ومع مرور الزمن تحول المؤقت إلى ثابت، فلم يلتفت أحد. لمعت جالا فى مرحلة زمنية كانت تشبه بالضبط ملامحها، بنت شقية متحررة تجيد عدة لغات، تقدم برنامجا يجمع بين الطرفة والمعلومة والنكتة (الحل فى الحبل)، كانت تلعب مع الجمهور، فى التليفزيون المصرى، وذلك منذ نهاية الثمانينيات، فى الزمن الأخير من عمر البث الأرضى، الدولة سمحت للعديد من تلك البرامج، اقتنعت الدولة بأهمية وجود هامش من اللعب، بينما كانت القوة الجماهيرية الضخمة للبرامج الجادة، مثل (نادى السينما) و(الأوسكار) و(الباليه) و(عالم الحيوان) و(العلم والإيمان) و(رسالة)، وغيرها سمحت لها بشىء من التهريج.



المجتمع كان يتقبل هذه النوعيات، صحيح، بين الحين والآخر، تعلو أصوات الغضب تتساءل عن فحوى الرسالة وجديتها، وكيف أن ما نراه أمامنا لا يعبر عن المجتمع المصرى، إلا أنه فى النهاية كان مسموحا بالعرض.

نشأت فى عائلة فنية، والدها أشرف فهمى، أحد أهم وأشطر وأشهر الجيل التالى للرواد الأوائل، أقصد حسن الإمام وصلاح أبوسيف وكمال الشيخ وعاطف سالم وعزالدين ذوالفقار ويوسف شاهين.



كان هو الأقرب لمخرج الواقعية صلاح أبوسيف، قدم ابنته فى فيلم واحد (إعدام قاضى)، واجه الفيلم مشكلات متعددة فى الرقابة، نظرا لاقترابه من منطقة شائكة، وهى ساحة القضاء، وكتب المخرج الكبير شهادة الميلاد الفنية لابنته، وفى نفس الوقت كانت تلك هى بداية انطلاق الابنة بعيدا عن الأب، وهو ما يحسب فى الحقيقة للطرفين، قدمت أدوارا توصف بالجريئة مثل (كلام الليل) لإيناس الدغيدى، ولم تضع أبدا أى محاذير، أو ممنوعات، رغم أنه فى تلك السنوات، كان قد بدأ يتردد بقوة تعبير (السينما النظيفة). تبعتها أفلام نصفها بالمشاغبة والشبابية مثل (الحب فى طابا) و(الجينز) و(علاقات مشبوهة) و(سمكة وأربع قروش)، و(بيتزا بيتزا) وغيرها.

كان لها طابع مميز فى ملامحها وأسلوب أدائها، دخلت العديد من المعارك الجانبية خارج الحلبة، ولم تضع أى حسابات أخرى، ودفعت ثمن هذه الصراعات.

بتكوينها ترفض الحلول الوسط، من البداية قررت أن تصبح بطلة، ولم ولن تتنازل- حتى اللحظة الأخيرة- عن البطولة.

انسحبت عندما وجدت المعروض عليها يتناقض مع طموحها، لا أتصورها عانت من ضائقة مالية مثلا تجبرها على العمل، كما أنها قاومت رغبتها فى التواجد على الخريطة لمجرد التواجد، حسمت الأمر وابتعدت، وتعمدت ألا تترك أى خيط للتواصل معها.

اكتفت فقط بهذا القدر، ولم يكن معروفا لأحد كيف يمكنه الوصول إليها، لا نشاط اجتماعى ولا حساب على (السوشيال ميديا)، لا حس ولا خبر، حتى جاء الخبر الذى لا تملك إخفاءه (خبر الرحيل)!!.

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).