عائشة نصار تكتب: داعش.. آخر كروت الحرب فى أوكرانيا

مقالات الرأي

عائشة نصار
عائشة نصار

اتهامات روسية لواشنطن بشحن عناصر التنظيم للقتال

يدخل داعش الآن على خط الحرب فى أوكرانيا، بين القوى العظمى فى العالم، كخطر محدق، وكأداة للترهيب والمساومة، وكفزاعة ووسيلة تحذير، ورقم مهم فى معادلة الحرب الدولية الجديدة إن لزم الأمر.

 

هذا ما ترجمه الموقف الروسى الرسمى صراحةً، فى بيان للاستخبارات الروسية، اتهمت فيه واشنطن بأنها تحشد فلول تنظيم داعش لإرسالهم إلى أوكرانيا بالفعل، وأعلنت فيه أن قاعدة «التنف» التى تحتلها القوات الأمريكية فى سوريا، باتت معسكرا لتدريب إرهابيى «داعش» قبل إرسالهم إلى دونباس شرق أوكرانيا.

وقالت الاستخبارات الروسية إن «الأمريكيون قاموا نهاية عام ٢٠٢١ بتحرير عشرات الإرهابيين التابعين لتنظيم «داعش» من مواطنى روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة، وتم إرسالهم إلى قاعدة «التنف» التى تسيطر عليها الولايات المتحدة، حيث خضعوا لتدريب خاص على تنفيذ الأعمال التخريبية والإرهابية، قبل إرسالهم إلى منطقة دونباس»، وأن «الولايات المتحدة تواصل تشكيل مجموعات جديدة من الإرهابيين وتعتزم إرسالهم إلى أوكرانيا عبر بولندا، وأن «الاستخبارات المركزية الأمريكية وقيادة العمليات الخاصة التابعة للقوات المسلحة الأمريكية تواصل حشد «وحدات داعشية جديدة» فى الشرق الأوسط والدول الإفريقية».

نفس المضمون توجه به نائب وزير خارجية روسيا، أوليج سيرومولوتوف ضد النظام الأوكرانى، متهمًا كييف بأنها تقوم بتجنيد مسلحين من تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وجماعات أخرى فى الشرق الأوسط، للانتقام من الروس».

وكشف عما وصفه بأنه «ظاهرة جديدة تمثلت فى التجنيد النشط من قبل نظام كييف بمساعدة المقيمين الغربيين والجهات الراعية للمرتزقة، من بين الإرهابيين الذين أظهروا قدراتهم فى الشرق الأوسط، وخاصة فى سوريا»، وأنه «حدثت بالفعل صدامات بين القوات المسلحة الروسية وأعضاء فى جبهة النصرة الإرهابية، وغيرهم ممن تعرضوا للإذلال الأخلاقى، ويتوقون للانتقام من هزيمتهم بقتل الروس».

على الجانب الآخر يظهر المقاتلون الشيشانيون على مسرح الأحداث أيضًا، بكتائب عسكرية تستنفر لـ«الجهاد» الآن فى ساحة القتال «المجانية» فى أوكرانيا، وفق ماهو متداول، وتنظر إلى مشاركتها بالقتال ضد الروس فى الحرب الجديدة، بأنه استمرار لمعركتها الجهادية الأصلية، والمستمرة ضد موسكو منذ عقود.

بخلاف ذلك، ومع توافد أفواج المتطوعين الأوروبيين للمشاركة فى الحرب الأوكرانية، تشير تحليلات متخصصة، إلى خطورة تحول أوكرانيا فى سياق حالة الجنون الدولى والانفلات على أراضيها، إلى «مخزن» استراتيجى للدواعش الأوروبيين بعد سقوط «الخلافة» فى سوريا والعراق، يمكن من خلالها لقيادات وكوادر التنظيم، تجنيد المزيد من المقاتلين، ووضع المخططات، وتنفيذ الهجمات فى أوروبا.

تزيد هذه الاحتمالات خطورة أيضًا، مع الضخ المستمر للسلاح من القوى المختلفة، لتغذية الصدام المسلح فى أوكرانيا، وبكميات بات لا يمكن السيطرة عليها، وهو ما يثير المخاوف من وقوع هذا السلاح فى قبضة الدواعش، وعناصر القاعدة، أو ذئابهما المنفردة فى نهاية المطاف، ثم استخدامه فى عمليات إرهابية فى قلب أوروبا بعد ذلك.

على الطرف الآخر من العالم، طالبت موسكو السلطات فى كيف بوقف عمليات التجنيد «رخيصة التكلفة» فى كلٍ من السنغال ونيجيريا عبر سفارتيها هناك، مقابل راتب شهرى قيمته ٣٣٠٠ يورو، بدلًا من ٧٠٠٠ يحصل عليها المتطوعون الأوروبيون، ووصفت روسيا تجنيد متطوعين ومرتزقة ومقاتلين أجانب على الأراضى السنغالية بأنه «غير قانونى»، وطالبت بإصدار قرار إفريقى يجرم تجنيد الأفارقة فى حرب الأوروبيين،

وهو ما يزيد الاحتمالات من ناحية أخرى بتمرير العناصر الإرهابية على الجبهة الإفريقية، من فروع داعش ذات النفوذ المتصاعد مؤخرًا، والتى تحولت بالفعل إلى مركز ثقل إرهابى فى المنطقة، يطمح أيضًا إلى تطوير نشاطه.

 

مايحدث يعنى أيضًا وبلا مواربة، أن أوكرانيا ستتحول إلى ساحة تدريب مجانية للدواعش، وغيرهم من العناصر الإرهابية المشاركة فى الحرب الدولية الجديدة، ومفرخة لغيرها من العناصر.

وأن الخريطة المرعبة للحرب الدائرة فى أوكرانيا حاليًا، تقول بما لايدع مجالا للشك، أن البلد الأوروبى الصغير، يتحول تحت سمع وأنظار العالم فى اللحظة الآنية، وبرعاية القوى الدولية المتصارعة على أراضيها، إلى أفغانستان جديدة، وبتكرار حرفى وأكثر خطورة لسيناريو الحرب الأفغانية فى الثمانينيات، الذى سبق وأنتج تنظيم القاعدة، الذى نفذ هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فى قلب الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، التى سبق وأن حشدت الإسلاميين من أنحاء العالم إلى أتون الحرب الأفغانية.

ثم تمددت «القاعدة» بفروعها بالمنطقة وبذئابها المنفردة فى العالم، وتحولت إلى مفرخة للتنظيمات انتهت بطورها الإرهابى الأحدث، تنظيم «الدولة الإسلامية/ داعش» بكل ظواهره الوحشية على المستوى الدولى.

الحرب الأوكرانية تعيد إذن تسمين وتطوير خطر الإرهاب فى العالم، وتخلق لهم حاضنة مثالية جديدة، بكل ماوصلت لها هذه التنظيمات الإرهابية الحالية هذه المرة من تطور نوعى فى الاستراتيجيات والإمكانيات والأداء، وبمعطيات تنذر جميعًا بكارثة إرهابية عالمية جديدة.

 

الحرب الأوكرانية، تبدو أيضًا من زاوية أخرى وكأنها هدية القوى الدولية المتصارعة، لخليفة تنظيم داعش الجديد «أبو الحسن الهاشمى القرشى»، الذى تؤكد آخر التسريبات العراقية والغربية أنه جمعة عوض البدرى شقيق أبو بكر البغدادى الخليفة الأول لداعش.

وصعد «أبو الحسن» إلى سدة الحكم فى التنظيم بالتزامن مع الحدث الدولى الأبرز، الذى يتأهب التنظيم للاستفادة منه قدر طاقته، حيث ستلقى الحرب فى أوكرانيا قطعًا بظلالها على جهود مكافحة الإرهاب الدولى، وتخفف الضغط عن نشاط داعش خاصة فى سوريا والعراق، ما سيعطى التنظيم فرصة للتنفس، والوقت لإعادة ترتيب الأوراق.

وكان تنظيم داعش قد أبدى اهتمامًا خاصًا بالحرب فى أوكرانيا، أو الحرب خارج «دار الإسلام» كما أطلق عليها، وخصص لها المقالة الافتتاحية، فى صحيفته الأسبوعية «النبأ»، واصفًا إياها بأنها حرب «صليبية- صليبية»، وبمثابة «سنة كونية» و«عقاب إلهى» ضد القوى الدولية المتحالفة ضده، وأنها تؤشر فى النهاية لانهيار النظام الدولى الحالى، الذى تأسس على أنقاض الحربين العالمية الأولى والثانية.